نفاق الملاءمة في الالتزامات- الدولية للمغرب
نفاق الملاءمة في الالتزامات- الدولية للمغرب
يمكن قياس مدى احترام المغرب لالتزاماته الدولية للحريات
الفردية من خلال عدة مستويات، وهي الممارسة الاتفاقية والتشريعات الوطنية وأخيرا
الممارسة العملية، ولكن سنركز في هذه المقالة على بعض الممارسات الاتفاقية للمغرب.
قبل ذلك فإن الحريات الفردية تختلف عن الحريات الجماعية،
كون هذه الأخيرة هي حقوق يشترك في ممارستها الانسان مع الاخر، كحق التجمع أو حق
التعبير... أما الفردية هي حقوق يمارسه الفرد مع ذاته ولا دخل لاي أخر كان فيها،
كحق المعتقد والحق في الجسد والحق في الميولات الجنسية .
بالعودة للموضوع فالمغرب يمارس نوع من "النفاق
" l’hypocrisie والازدواجية
فيما يتعلق بحماية والنهوض بالحريات الفردية، وهذا النفاق يمكن رصده من خلال
الملاحظات التالية:
على مستوى الممارسة الاتفاقية، نجد أن المغرب قد صادق
على كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، وأغلب البروتوكولات الملحق بها، وهنا
نستحضر خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
هذا العهد من أجل تنفيذه فإن المنتظم الدولي يراقب
الحكومات عبر مجموعة من الاليات الدولية، وبينها ألية الاستعراض الدوري الشامل
التي ترصد وضعية الحقوق في كل بلد معينة خلال كل أربع سنوات.
والمغرب من بين الدول التي قدم تقريره الوطني الثالث في
شتنبر 2017، ومن بين التوصيات التي حظيت بالقبول من المغرب نجد التوصية رقم
31-144، والتي يقبل من خلالها المغرب طواعية أن "يكون القانون الجنائي
متوافقا تماما مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، ولكنه في نفس الوقت وفي نفس التقرير يرفض
التوصية رقم 32-144 التي تطالبه "بمراجعة القانون الجنائي والقوانين ذات
الصلة بغية ضمان الامتثال للمعايير الدولية، وكفالة المساواة بين الرجل والمرأة
وتجريم الاغتصاب الزوجي ونزع صفة الجرم على العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج
وإلغاء التمييز بين الأطفال المولدين خارج إطار الزواج، والرفع من سن الزواج إلى
18 سنة، ونزع الصفة الجرمية عن العلاقات الجنسية من نفس الجنس بالتراضي بينهما،
ووضع برامج التوعية تهدف لوعي الجمهور إلى التصدي لوصم المثليات والمثليين ومزدوجي
الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين".
إن مصادقة المغرب على التوصية 31-144 ، أي أنه يعلن أمام
المتنظم الدولي أنه يقبل بالعد الدولي ككل ولكنه في تطبيقاته وتفريعاته فيما يتعلق
بالحريات الفردية يرفضه ، وهو ما يمكن وصفه بالنفاق التشريعي .
هذا المثال يمكن قياس على عدد من الاتفاقيات الدولية
التي صادق عليها المغرب ككل ولكنه يرفض على مستوى التنفيذ الأجزاء المتعلقة
بالحريات الفردية، وقد تصاعد هذا "النفاق" التشريعي مع تولي السيد مصطفى
الرميد لحقيبة العدل والحريات سابقا، وجقوق الانسان حاليا، إذ الجميع يتذكر
تصريحاته عقب المطالبة بإلغاء القانون الذي يسمح للمغتصب بالزواج من المغتصبة
وبذلك ينفلت من العقاب، إذ كان يراوغ أنه مجرد "تغرير"، وفي هذه النازلة
أستحضر أنه قبل انتحار امينة الفيلالي بشهرين، سبق للجنة المعنية بمناهضة التعذيب
أن طالبة المغرب أثناء افتحاص تقريره الوطني في نونبر 2011، أن يلغي أحكام المادة
471 لانها تشكل "افلات من العقاب" والمغرب بذلك يحمي المغتصبين.
نجد أيضا توصيف السيد الرميد في تصريح له الأشخاص ذوي
الميولات الجنسية المثلية ب "الأوساخ"، وأخيرا ما برر به السيد الوزير
موقف حكومته من توصيات الاستعراض الدزري الشامل بجنيف في ماي 2017، بكون الخصوصية
الإسلامية والثقافية لا تسمح بممارسة حقوق الانسان في كونيتها وشموليتها.
مثال اخر على النفاق في الممارسة الاتفاقية، هو فيما
يتعلق بالعلاقات الجنسية الرضائية، وهنا أفتح قوس أن الجميع يتحدث عن هذا الممارسة
فقط خارج إطار الزواج، في حين أنها تعني الرضائية سواء كانت في إطار الزواج أي
خارج الزواج.
المغرب يمنع بلعلاقات الجنسية خارج الزواج، والغريب في
الامر أنه يجرم الاغتصاب فقط خارج إطار الزواج، إذ لا يعترف بشيء اسمه الاغتصاب
الزوجي، رغم أنه صادق على اتفاقية القضاء
على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وفي كل مناسبة تطالب لجنة التمييز ضد المرأة،
تطالب، المغرب بإحصائيات حوله..
بل أخطر من ذلك، أن القضاء المغربي حول الاغتصاب الزوجي
بما له من خطورة إلى اعتداء جسدي فقط، وهنا نذكر بقرار محكمة طنجة في أكتوبر 2018، الذي أدان "زوج" بالسجن سنتين بتهمة الأداء
العمد، رغم أن الزوجة تقدمت بشكاية تتعلق ب"تعرضها للاغتصاب من قبل زوجها بناء على شهادة طبية، أكدت تعرضها
لتمزق مهبلي، تسببت
فيه علاقة جنسية تمت بعنف". إلا أن المحكمة قضت أنه "لا يمكن الحديث عن
الاغتصاب ولا تطبق على النازلة مقتضيات الفصلين 486 و488 من القانون الجنائي بحيث
أن المتهم عندما مارس الجنس مع الشاكية كانت زوجته وتربطهما علاقة زوجية". وأضاف
القرار أن السيدة المعنية "تعرضت لاعتداء بالعنف الجسيم والإيذاء العمد حسب
مفهوم الفصل 404 من القانون الجنائي". وليس
الاغتصاب.
تعليقات