ثورة الامهات العازبات بالمغرب




ثورة الامهات العازبات بالمغرب
AZIZ IDAMINE

أطلقت وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان مجموعة من المشاورات الهادفة الى تحيين الخطة الوطنية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد استجابة لبعض مقترحات المجتمع المدني، في حين تجاهلت مقترحات أخرى خاصة منها المتعلقة بالحريات الفردية.
إلا أن موضوعا ظلت جل الحكومات المتعاقبة على المغرب وصولا إلى الحكومة الحالية، تصم أذانها عنه، وهو الحقوق الاساسية للأمهات العازبات وأطفالهن، إذ لا نعثر على أي التفاتة لهن، لا في البرنامج الحكومي ولا في الخطاب الحقوق الرسمي، ولا حتى في النقاش المتعلق بتحيين "الخطة".
من النساء المغربيات، توجد فئة لأمهات عازبات نتيجة ظروف متعددة، سواء اغتصاب أو علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج أو هجرة الشريك ... محرومات من أبسط الحقوق، في مقابل ممارسة عنف قانوني واجتماعي عليهن بشكل يومي، فالقانون لا يعترف بوجد علاقة بين رجل وامرأة إلا في إطار عقد نكاح، والاسرة محددة في وجود أب وأم وأبناء، وكل علاقة خارج هذا الاطار محرمة بموجب المادة 490 من القانون الجنائي.
يضاف للعنف القانوني، عنف المجتمع، الذي لا يحاسب الرجل على علاقاته ومغامراته الجنسية، بل يضع ثقل المسؤولية على المرأة، ويبقى الرجل "هاداك راجل" بالعامية المغربية.
وجود أمهات عازبات، يعني وجود أبناء، وهم بدورهم فئة توجد على هامش اهتمامات الحكومة ووزارة حقوق الانسان، كما أن القانون يصنفهم ضمن خانة ناقصة الحقوق وغير متساويين مع باقي الاطفال، فالمادة 16 من قانون الحالة المدنية، يفرض على الطفل أن يحمل اسم معين يميزه على أساس أنه "لقيط"، وهو الاسم الذي يحمله مدى الحياة، ويشكل بالنسبة له "عار" ووصم يلزمه في المدرسة والعمل وحتى اثناء الزواج وفي علاقته بأبنائه في المستقبل.
وقد انتبه المنتظم الدولي لما تعانيه الأم العازبة بالمغرب، رغم الجهود المبذولة من قبل المجتمع المدني، فقد لاحظ الفريق العامل المعني بمسألة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة، التابع لمجلس حقوق الانسان بجنيف، أثناء زيارته للمغرب في الفترة الممتدة ما بين 13 و20 فبراير 2012 في الفقرة  74 من تقريره الرسمي "غياب قوانين تحميهن بشكل رسمي".
إن هذه الفئة من المجتمع تعاني تمييزا مركبا وممتدا، يتجلى التمييز المركب، لكون الأم العازبة هي في الاصل امرأة بالدرجة الاولى، وتعاني من العقلية الابوية (الباطريكية) للمجتمع المغربي التقليدي، وأيضا عدم قبولها من قبل الشارع والمجتمع والمؤسسات، رغم أنها ضحية ممارسة جنسية قد تكون رضائية أو اغتصاب، ويكمن التمييز الممتد الذي يصل للطفل والاسرة والاباء والاخوة، فيكون رد فعل هذه الاطراف الاخيرة عنيفا يصل أحيانا الى الاعتداء الجسدي أو القتل بدعوى الحفاظ على "شرف" العائلة.
لهذا فإن النقاش الدائر اليوم حول إلغاء القوانين التي تجرم العلاقات الجنسية الرضائية يقتضي الانتباه الى هذه الفئة من المجتمع، كما أن ورش اصلاح القانون الجنائي فيما يتعلق بالحق في الاجهاض يتطلب الانتقال من المقاربة الطبية والجنائية الى المقاربة الحقوقية الصرفة القائمة على فلسفة حق المرأة في جسدها.
ويبقى أهم ورش تشريعي، وهو مدوة الاسرة، فبعد عشر سنوات من تطبيقها وجب الوقوف اليوم عند تقييمها، إلى إعادة النظر في تعريف مفهوم الاسرة المغربية.
فالأسرة المغربية قد تكون مسؤولية مشتركة بين الطرفين، أي المرأة والرجل، ولكن من خلال مسح عام للحالة المغربية، نجد في كثير من الاحيان المسؤولية ملقاة على عاتق المرأة وحدها داخل الاسرة، حيث ساهم التحول الديموغرافي والهجرة وولوج المرأة لسوق الشغل أن تكون الأم هي الرئيسة المؤقتة-الدائمة للعائلة.
أكيد أن القوانين وحدها لا تجيب عن الاشكاليات العميقة التي تعاني منها الأم العازبة وأيضا أبناؤها، مما يتطلب سياسات عمومية مندمجة تراعي وجودهن وحقوقهن الاساسية ، وأيضا الادوار الاساسية للمؤسسات الوطنية المعنية بحماية حقوق الانسان والنهوض بها، وكذلك الجمعيات الحقوقية والحركة النسائية، التي لازال دورها محتشم في هذا المجال وترتكن إلى اعتماد مقاربات التتبع والمواكبة والدعم القانوني والنفسي والاجتماعي ... ولكن تبقى حلقة كبرى فارغة وهي معركة الترافع في مجال اصلاح القوانين وتغيير المجتمع ونظرته لنساء وأطفال يشكلن ويشكلون جزءا من المجتمع.
إن أي مقاربة حقوقية تقتضي أن تكون شاملة بغض النظر عن الوضع الاجتماعي للمرأة أو اختياراتها، فيكفي أن تكون هناك حالة واحد لتكون الدولة مسؤولة عن حمايتها والنهوض بحقوقها، وبعيدا عن تغليف هذا النقاش بخطاب أخلاقوي أو حزبي أو سياسوي انتخابي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين