ملتمس الرقابة اجراء دستوري وليس بوليميك
ملتمس
الرقابة اجراء دستوري وليس بوليميك
تقدم مجموعة من البرلمانيين المحسوبين على المعارضة،
وخاصة من فريق الاصالة والمعاصرة، بطلب تفعيل الفصل 105 من الدستور، والمتعلق بتحميل
الحكومة مسؤوليتها عبر تقديم مجلس النواب لملتمس رقابة، والذي ينتج عنه في حالة الموافقة
عليه استقالة الحكومة استقالة جماعية.
أول ملاحظة يمكن تسجيلها كون هذا المقترح خرج من مجلس
المستشارين وليس مجلس النواب، مع العلم أن اختصاص تقديم ملتمس الرقابة، هو اختصاص
حصري على الغرفة الأولى وليس الثانية.
الملاحظة الثانية، وتمكن في الجواب عن سؤال: هل استنفدت
المعارضة كل امكانياتها القانونية والدستورية في مراقبة الحكومة، حتى تلجأ الى اخر
رصاصة والطلقة الأخيرة، أي ملتمس الرقابة؟ فرغم الصلاحيات والادوار الكبيرة التي
أعطاها المشرع الدستوري للمعارضة البرلمانية، إلا أنها لم تسثمرها بشكل جيد أو
ناجع، مما جعلها معارضة معطلة.
إن الدفع الى استعمال "السلاح الأخير" للمعارضة
وهو ملتمس الرقابة من أجل اسقاط الحكومة، يمكن أن يؤدي إلى الى اسقاط المعارضة في
حد ذاتها، وإظهارها بكونها جوفاء من الداخل رغم ما تمتلكه من عدد مهم من النواب
البرلمانيين، 104 نائب لفريق الاصالة
والمعاصرة، 49 نائب برلماني للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بالإضافة
الى نائبين لحزب الاشتراكي الموحد.
فالحاجة الى اسقاط الحكومة يقتضي، توقيع 79 عضو على
الملتمس، وهو ما يمكن أن يقوم به فريق الاصالة والمعاصرة لوحده، ولكن يتطلب التصويت
عليه، من قبل 198 نائب برلماني، مما يفرض على المعارض البحث عن 43 نائب برلماني
على الأقل، وفي هذه الحالة نكون أمام احتمالين، أولهما ان مطلب تفعيل الفصل 105 من
الدستور مجرد فوقعة إعلامية "وبوليميك"
سياسي، والحديث عنه غير ذي موضوع، شبيه بفكرة "إرجاع البرلمانيين عن
المعارضة لتعويضاتهم بسبب عطالة البرلمان سابقا"، أو احتمال ثاني يوحي بوجود
"طبخة" داخل البرلمان بين المعارضة وأحزاب من داخل الحكومة، وهو احتمال
مستبعد مؤقتا، لاعتبارات عدة.
الملاحظة الرابعة، تكمن في التكلفة التي يمكن أن تؤديها
المعارضة في حالة فشل تفعيل هذا الفصل، والصورة السلبية التي يمكن أن تتكرس لدى
المواطن المغربي، وهو يتابع ضعف المعارضة.
والتكلفة السياسية أيضا، في حالة تحقق اسقاط الحكومة،
وهنا أكيد أن حزب العدالة والتنمية سيقدم نفسه مرة أخرى ضحية "مؤامرة"
جرت له من داخل بيت الأغلبية، وذلك بتنسيق حزب أو أحزاب من الحكومة مع أحزاب
المعارضة، وإحياء من جديد "أسطوانة" مؤامرة 8 أكتوبر.
والملاحظة الأخيرة، تمكن في تاريخ "ملتمسات
الرقابة" في المغرب، حيث ارتبط تفعيل هذا الإجراء، بالصراع بين أحزاب الحركة
الوطنية والدولة، فاول مرة كان في يونيو 1964 ، في سياق ما عرف بمؤامرة 1963، حيث اتهم
فيه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بخدمة أجندة خارجية، وهي الجزائر، في مقابل
كانت الدولة تقوي من جناح "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" المؤسسة
من قبل صديق الملك الراحل رضى كديرة، والمرة
الثانية كانت سنة 1990 في سياق الاحداث الاجتماعية التي عرفتها مدينة فاس، وأيضا
التحضير لخطة اكتساح الاتحاد الدستوري للانتخابات التشريعية والبلدية، في مقابل
تحضير أحزاب الحركة الوطنية لتقديم وثيقة المطالبة بالإصلاحات الدستورية .في حين أن السياق تسم بتحول من تفعيل ملتمس الرقابة
صراع عمودي بين الدولة والأحزاب، الى صراع من أفقي بين الأحزاب فيما بينها، ومن
ملتمس رقابي بسبب أوضاع اجتماعية ولكن بوازع سياسي الى ملتمس رقابة بسبب أوضاع
اجتماعية ولكن بوازع انتخابي.
إن الأدوار الجديدة للمعارضة تتجاوز مجرد رفع الشعارات
والتنديد وإحراج الحكومة، بل تتعداها الى تقييم أدائها عبر تقييم السياسات
العمومية، وخاصة منها السياسات الاجتماعية، وتقديم مقترحات بديلة، وترجمة مطالب
واحتياجات المواطنات والمواطنين إلى أسئلة كتابية وشفوية، وتفكيك مكامن الفساد
والاحتكار عبر التقصي واللجن الاستطلاعية، وحماية الحقوق والحريات عبر رزمة من
التشريعات القانونية.
وتبقى الحلقة الفارغة، هي لعب دور الجسر بين الشعب
والدولة، من خلال التواصل اليومي مع المواطن عبر طوق من الجمعيات المهنية والمدنية
وجمعيات الاحياء والقطاعات الشبابية والنسائية والنقابة والحقوقية الموازية للحزب.
لم ندعي تقديم وصفة سحرية للمعارضة، ولا قلما أحمر يصحح أخطاءها،
ولكن يمكن بإجراءات بسيطة "إسقاط الحكومة" انتخابيا في أفق انتخابات
2021، وإلا فلن يتخلى أي برلماني عن "امتيازاته" مهما كان منبع القرار.
AZIZ IDAMINE
تعليقات