نظام الحكم في المغرب

مقدمة
تطرح إشكالية تحديد طبيعة نظام الحكم في المغرب من خلال قراءة قانونية لنصوصه الدستورية عدة إشكاليات وذلك من خلال إسقاط نموذج غربي له خصوصية تاريخية معينة على نظام حكم مبني على قواعد شكلية مكتوبة وقواعد لا شكلية مرتبطة بتاريخه التقليدي والديني. وهذا ما جعل اختلاف عدة باحثين في تصنيف المغرب فإن كان جون واتر بوري (1) يعتبره نظام انقسامي المستمدة من الدراسات الانتربولوجيا الانكلوساكسونسة، التي تنطلق من تقليدية السلوك السياسي المغربي، وتفسر آليات الحكم فيه بآليات الحكم في الوسط القبلي ينتج عن هذه الآليات تطبيع نظام الحكم بالجمود السياسي الذي يسود الوسط القبلي التقليدي بين مختلف العناصر والعلاقات الدائرة حول الشخص المقدس " الملك"، فهذه النظرية رغم دقة منهجها وتحليلها العميق إلا أنها تعرضت لانتقادات بدءا من " ريمي لوفو" (2) لإهمالها للتكوين الطبقي للمغرب كما أنها لا يمكن نقل الآليات الميكانيزمية للسياسة القلبية إلى نظام وطني شامل، كما عيب عليها أنها لا توجد أجزاء وعناصر في المغرب بل مجموعات اجتماعية تعبر عن مطالبها بوسائل تقليدية لعدم وجود وسائل عصرية (3) كما أن خالد الناصري انتقد لإهمال الأطروحة للفوارق الاجتماعية واعتبر أن العصرنة حلت محل التجزيئية بفعل نمط الإنتاج الرأسمالي الذي أفرز صراعا طبقيا (4).
ولقد لاحظ الباحث عبد اللطيف أكنوش أن نظام الحكم بالمغرب هو نظام خلافي فالدستور المغربي يتكون من طبقتين الأول يحتوي على المشروعية الدينية المؤسسة لنظام الخلافة(5) والمبنية على البيعة أما الطابق السفلي الثاني فهو مجرد تقنيات لتسيير الحكومة والبرلمان فرغم أن هذه النظرية أساسها يرتبط بقواعد ملموسة لكن تجب الإشارة إلى أنه يجب التمييز في علاقة الدين بالدولة في المغرب بين مستويين مستوى أول ويمثل في أساسه المشروعية (التبرير) والثاني مرتبط بالشرعنة أو (التدبير) فالمستوى الأول يستمد أساسه من الدين الإسلامي المنصوص عليه في الفصل 6 والفصل 19 أما المستوى الثاني فهو مبني على القانون الوضعي فالقوانين المعمول بها في المغرب هي قوانين مستمدة من القانون المدني والجنائي لنابليون. يمكن القول أن المغرب دولة علمانية موقف التنفيذ تختلط فيها المشروعية الدينية مع المشروعية العصرية (6) وهناك من اعتبر أن نظام الحكم في المغرب هو نظام أبوي مستحدث (7) بقدر ما هو بعيد عن التقليد ( الأبوي) بقدر ما هو بعيد عن العصرنة ( التحديث) وقد لاحظ الباحث الفرنسيConforme من خلال خطاب الملك الراحل الحسن الثاني قوله: ...وإني أنتظر منك يا شعبي العزيز أن تصوت لي بنعم على الدستور...." في خطابه 20 غشت 1962 أن التصويت كان لصالح الملك وليس لصالح الدستور لذا فلا غرابة أن نجد أن نسبة التصويت تتراوح ما بين 98% و99 % بنعم لأنه يستحيل على الأبناء مخالفة مطالب أبيهم، لكن يرى باحث آخر محمد المدني أنه في إطار الانفتاح والتحولات السياسية والاقتصادية والعالمية فقد انتقلت الأسرة الأبوية من نظام مغلق إلى نظام مفتوح بفعل خروج المرأة للعمل ومساهمتها في تحمل مسؤولية الأسرة (8) .
هنا من الباحثين من اعتمد على الدراسة القبرية للمشرعية واعتبر أن نظام الحكم في المغرب نظام بترمونيالي كتصنيف من أصناف المشروعية التقليدية إلا أنها عيب عليها تهميش العامل الطبقي للمجتمع المغربي وعدم شمول هذا المفهوم وكل أصناف السلطة خاصة تلك القائمة بالعالم الثالث.(9)
من خلال هذه المقدمة التي استعرضنا فيها بعض النظريات حول نظام الحكم في المغرب مع تقديم أهم الانتقادات الموجهة له فإننا نرى أنه لفهم طبيعة نظام الحكم في المغرب يجب دراسته من زاويتين:
الزاوية الأولى: تحديد نظام الحكم في المغرب من خلال القواعد الدستورية المكتوبة في الوثيقة الدستورية لسببين: أولهما لأننا اخترنا المنهجية القانونية لدراسة القانون الدستوري المغربي المبنية على ربط النصوص القانونية ببعضها البعض عوض المنهجية العقيمة للدراسة الخاصة والشكلية للنص الدستوري والثانية حتى لا يتم الخلط بين البرلمانية المعقلنة المغربية مع البرلمانية الموسومة بالتضخيم والسيطرة على التجربة المغربية (10)، ودعوناها الشكلية لأنها مدونة في الدستور ومتميزة عن القواعد الكلاسيكية وهي الزاوية الثانية.
الزاوية الثانية القواعد اللاشكلية أي غير المدونة في القواعد الدستورية واعتمادنا على هذه الزاوية ينطلق من إحدى المقدمات المدسترة عن النظام المغربي ل" كلود بالازولي" أنه قال: " لفهم المغرب السياسي لا بد من العودة للتاريخ وللإطار الذي تتم فيه اللعبة السياسية لأن المغرب من دول العالم الثالث التي لم تحدث قطيعة مع الماضي والتي يتمازج فيها الماضي بالحاضر.. (11) وسوف يتم دراسة هاتين الزاويتين في فصلين مستقلين.
الفصل الأول: القواعد الشكلية لنظام الحكم في المغرب
إن اعتمادنا على القواعد المدسترة في الدستور المغربي يهدف بالأساس إلى تصنيف المغرب إلى إحدى الأنظمة الدستورية الكبرى المتعارف عليها عالميا ونقصد بها النظام الرئاسي المبني على اختصاصات واسعة لرئيس الدولة مع توازن سلط سلبي حيث ليس هناك تعاون أو تداخل بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي، كما يعرف غياب للوزير الأول ولمجلس الوزراء ولمجلس الحكومة أما النظام البرلماني فهو عكس النظام الرئاسي اختصاصات رمزية وشرفية لرئيس الدولة ودوري محوري ورئيسي للوزير الأول مع وجود توازن سلط إيجابي يسمح للجهاز التنفيذي بالتدخل في الجهازالتشريعي ويسمح لهذا الأخير بالتدخل في الجهاز التنفيذي وأخيرا النظام الشبه الرئاسي يعتمد على وجود رئيس دولة فعلي واختصاصات هامة للوزير الأول لكن ينفي عنه مسؤولية البرلمان أمام الحكومة.
وسوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين: الأول يتناول اختصاصات رئيس الدولة والثاني البرلمانية المعقلنة، بالإضافة إلى مبحث ثالث يتناول السلطة التنظيمية.

المبحث الأول: اختصاصات رئيس الدولة
أهم ما يميز اختصاصات رئيس الدولة هو ما قد سببته إلي تشكل القاعدة الشكلية الأساسية الأولى للنظام السياسي المغربي العربي بالإضافة إلى منع أية مراجعة تهدف إلى المس بالملكية والنظام الملكي.
وفي دراستنا هاته سوف نعتمد على المنهج المقارن مع النظام الرئاسي الذي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية النظام النموذجي له، فمن خلال هذه المقاربة يتبين أن النظام المغربي هو نظام رئاسي من زاوية اختصاصات رئيس الدولة دون أن نقول أنه نظام رئاسي بشكل شامل وذلك لوجود المجلس الوزاري والحكومي ولتدخل عمل البرلمان والحكومة فيما بينهما.
تفرز الوثيقة الدستورية المغربية بأن نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية أي أن المغرب الذي ظل عدة قرون خاضعا لنظام ملكية شبه مطلقة والذي ظل كذلك على ما يزيد عن 40 سنة خاضعا للنفوذ الأجنبي وللإدارة المباشرة لفرنسا، قد أصبح منذ دستور 1962 خاضعا لنظام حددت فيه سلطات كل من الملك باعتباره رئيسا للدولة وسلطات كل من الحكومة والبرلمان وذلك بنص دستوري تلتزم فيه جميع المؤسسات باحترام أحكامه.
ويؤكد الفصل الأول من الدستور أن المغرب ليس بملكية دستورية فحسب بل إنه أيضا ملكية ديمقراطية واجتماعية وبالتالي فهو يرفض رفضا باتا المبادئ الذي تستند عليها الأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الوضعية التي تدافع عن استيلاء طبقة معينة على مقاليد الحكم ولو كان ذلك لفترة قصيرة كما هو الشأن في الأقطار الشيوعية، كما أننا نلاحظ في نفس الباب من الدستور ينص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة مباشرة بواسطة الاستفتاء أو بطريقة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية وبذلك فقد اعتمد هذا النظام طريقة الديموقراطية الغير المباشرة للمشاركة السياسية للأمة لجون لوك ومبدأ السيادة الشعبية لج.ج روسو أي أن تأثير الفكر السياسي المنضوي كان له تأثير كبير على المشرع المغربي وهو يدون هذا الدستور. ونفس التوجه بأخذ بت النظام الدستوري الأمريكي الذي تشيع بأفكار كل من جون لوك وج.ج روسو ومن بين الأفكار التي تشبع بها هاذين النظامين بالإضافة إلى السيادة الوطنية التي يمارسها الشعب عن طريق ممثليه نجد خضوع الحكام والمحكومين للقانون وتمثيله السكان في البرلمان وتقليص نفوذ الحكومة..
فإذا كان رئيس الدولة أو رئيس الجهاز التنفيذي ينتخب من طرف الشعب في النظام الرئاسي الأمريكي فهو بطريقة آلية يصبح الممثل للشعب والذي تخول له صلاحيات سوف نتطرق إليها فيما بعد. فإن النظام الدستوري المغربي عرف الملك بناء على الفصل 19 أنه أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة فهذه الصفة الأخيرة لها دلالاتها الخاصة ذلك أنه إذا كان أعضاء مجلس النواب يمثلون الأمة وذلك بحكم انتخابهم من طرف ناخبي الدوائر فإن الملك يمتاز عن النائب الذي يقع انتخابه من طرف ناخبي دائرة انتخابية معينة بكونه يمثل جميع المواطنين ويدافع عن مصالح الأمة كلها دونما اعتبار لمصالح إقليمية أو محلية، وبالتالي فالأمة بناء على استفتاء 1996 اعترفت له مرة أخرى بهذه الصفة المتميزة.
من خلال هذه المقدمة التبسيطية يتبين أن الفلسفة الدستورية التي انبنى عليها النظام الدستوري المغربي ولمقارنة هاذين النظامين يحتاج جهدا وعملا نيرين وتحليلا دقيقا ومعمقا لذا سنقتصر في دراستنا هاته في مقارنة المؤسسة العليا في كلا النظامين أي أهم مؤسسة سياسية فاعلة ونقصد هنا مؤسسة الملك في المغرب بصفته رئيس الدولة المغربية ومؤسسة رئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية مستعرضين لعلاقة كل رئيس بوزارته المطلب الأول) واختصاصات كل رئيس سواء في المجال التنظيمي أو التشريعي أو الإداري ودور كل منها في العلاقات الخارجية وأخيرا السلطات الاستثنائية خلال الأزمات (المطلب الثاني).


المطلب الأول: علاقة الرئيس بوزرائه
إذا كان الوزراء في الولايات المتحدة الأمريكية ينعتون بكتاب الدولة فإن تعيينهم يتم بكامل الحرية من طرف الرئيس وفي هذا المجال تعتبر موافقة مجلس الشيوخ مجرد إجراء شكلي نفس الآلية نجدها في المغرب حيث كان الملك يعين الوزير الأول والوزراء وبالتالي فالحكومة جميعها منبثق من الملك وليس من البرلمان ولهذا فإنها مسؤولة فرديا وجماعيا أمامه لأنه هو الذي ينصبها وليس البرلمان إلا أنه ابتداء من دستور 1992 فإذا كان الملك احتفظ بتعيين الوزير الأول فإن تعيين الوزراء لم يبقى اختصاصا ملكيا خالصا، حيث أصبح للوزير الأول حق اقتراح تعيين الوزراء على الملك فبمقتضى الفصل 24 من الدستور فإن الوزير الأول المعين من طرف الملك هو الذي تناط بت مهمة اقتراح أسماء أعضاء الحكومة الآخرين للملك.... كما أن البرنامج الحكومي الذي يناقش من قبل البرلمان أصبح يخضع للتصويت من قبل ممثلي الأمة لكن مع استمرار انبثاق الحكومة من الملك الذي ينصبها فالحكومة خلافا لما يتبادر إلى الذهن لم تمر في ظل الدستور من وضعية التنصيب من طرف الملك وحده إلى وضعية التنصيب المزدوج إلى التنصيب من طرف الملك والبرلمان فقراءة الفصل 59 قراءة متريثة لا تسمح لنا بالقول بأن هناك إقرار للتنصيب المزدوج للحكومة بل العكس تدفعنا للقول بأن هناك تمييزا واقعا بين التنصيب والمسؤولية، فالملك يمارس وحده التنصيب للحكومة وهذه الأخيرة تكون مسؤولة فقط أمام البرلمان بالإضافة إلى مسؤوليتها أمام الملك.
*يمكن للرئيس الأمريكي إقالة كتاب الدولة متى شاء وتعويضهم بآخرين ولا يمكن مطلقا أن يرغم الرئيس على عزل أحد مساعديه من كتاب الدولة ونفس الصلاحية نجدها لدى رئيس الدولة المغربي ( الملك) حيث يحق له إعفاء الوزير الأول أو الوزراء من مهامهم ويقبل إن استقالوا استقالتهم أفرادا أو جماعة.
* إذا كان كتاب الدولة الأمريكيين لا يشكلون مجلسا للحكومة أو مجلسا للوزراء فانعدام الثنائية أو الازدواجية تعد من بين الخصائص التي يتميز بها النظام الرئاسي الأمريكي، إلا أنه على عكس من ذلك فقد أعطى الدستور للملك صلاحية ترأس المجلس الوزاري وطيعا من خلال هذه الرئاسة فهو يوجه العمل الحكومي بصفة عامة وتكون له الكلمة العليا في القضايا المطروحة على هذا المجلس سواء تعلق الأمر بمشاريع القوانين أو البرنامج الحكومي أو المراسيم التنظيمية.....الخ. وهو الذي يستدعي المجلس للانعقاد ويشرف على وضع جدول الأعمال كما يوجه المداولات ويسيرها. ومكا دام الملك غير مسؤول سياسيا فإن المراسيم الملكية (كما كانت تسمى حسي دستور 1962 تخضع لتوقيع بالعطف من لدن الوزير الأول الذي بعد مسؤولا أمام البرلمان.
ليس يمعنى هذا أن الرئيس الأمريكي لا يوجه أعمال الحكومة بل على عكس ذلك تماما، فكتاب الدولة يخضعون جميعا للرئيس، وحق التقرير يمارسه هو بمفرده وكثيرا ما يقع التذكير بمقولة abraham lincoln الذي كان قد فرض قرارا رغم معارضة مساعديه كتاب الدولة: " صوت واحد بالإيجاب وسبعة أصوات سلبية فالأصوات الإيجابية هي التي تتغلب".
خلاصة: خلاصة لهذا الفرع فإن رئيس الدولة هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية ذلك أن الحكومة تمارس اختصاصاتها بتوجيه منه وتحقق أوامره كما تعد مسؤولة أمامه.
المطلب الثاني: اختصاصات الرئيس
1/- السلطة التنظيمية
يمارس الرئيس الأمريكي سلطات واسعة فيما يخص تنفيذ القوانين فانطلاقا من حقه في السهر على تنفيذ القوانين بكيفية سليمة فقد برزت سلطة تنظيمية لم ينص عليها الدستور، هذه السلطة التي تمارس عمليا بواسطة أوامر نافذة تخضع لنفس الشروط التي يخضع لها المراسيم التنظيمية في المغرب مثلا وفيما يخص هذا الأخير في مجال ممارسة السلطة التنظيمية فإننا نلاحظ أن الدستور الحالي ينص صراحة على أن الوزير الأول يمارسها ويضيف بأن المقررات التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول تحمل التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها.
بينما كان الدستور المغربي لسنتي 1962 و1970 ينص على أن الملك هو الذي يمارس السلطة التنظيمية وبأن الظهائر الشريفة تحدد الميادين التي يفوض فيها الملك هذه السلطة للوزير الأول ومعنى هذا أن الوزير الأول لم تكن له سلطة تنظيمية إلا بتفويض ولم تكن له سلطة تنظيمية مستقلة فالسلطة الفعلية في هذا المجال كانت بين يدي الملك.
أما اليوم وبناء على الدستور الحالي فإن السلطة للملك تقتصر على تعيين كبار الموظفين من مدنيين وعسكريين ولكن يدخل ضمن هؤلاء أيضا رؤساء الأمن الإقليمي وعمداء الشرطة والمراقبون.
2/- المجال التشريعي
لنأخذ أولا الجانب المتعلق باقتراح القوانين، فمن الناحية القانونية الصرفة في النظام الرئاسي الأمريكي لا يتمتع الرئيس بحق المبادرة فيما يخص اقتراح القوانين لكن بواسطة نائي ينتمي إلى حزبه يمكنه أن يتقدم بمقترح قانون إلى الكونغريس، ولكن هناك مجال آخر يمكن للرئيس، التمتع بحق المبادرة ويتجلى في مجال الميزانية حيث ابتداء من سنة 1921 بعد المصادقة على إصلاح الميزانية الاتحادية أصبح بمقتضاها للرئيس تهيئ الميزانية بمساعدة " مكتب الميزانية" في النظام المغربي نجد أن رئيس الدولة (الملك) يتدخل في المسطرة التشريعية من خلال ترأسه للمجلس الوزاري حيث يوجه العمل الحكومي من حيث التقدم بمشاريع القوانين، كما له الحق في عرض مشروع أو اقتراح قانون على الاستفتاء وهو إجراء يمكنه من تجاوز البرلمان لأخذ رأي شعبه وبالتالي الحد منن إصدار البرلمان لقوانين تتناقض والاختيارات الملكية ونجد أيضا من اختصاصاته إصدار الأمر بتنفيذ القانون والذي حدد الدستور أجل 30 يوما للإصدار بتنفيذ قانون توصل به من البرلمان بعد مصادقة هذا الأخير عليه.
*يكون الرئيس على اتصال بالكونغريس وذلك لكون الدستور يعترف له بالحق في توجيه خطاب إليه بل من حقه أن يقرأه هو بنفسه من غير الكونغريس وأن يتقدم بتوصية إلى المجلسين للموافقة على ما اقترحه. ونفس الشيء نجده لرئيس الدولة المغربي حيث يفتتح دورتي البرلمان أغي الدورة الخريفية والربيعية وتبدو أهمية هذا الافتتاح من خلال الخطاب التوجيهي الذي يلقيه أمام أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان وهو بمثابة برنامج للعمل التشريعي. كما يمكن للملك بتوجيه خطاب مباشر إلى البرلمان وينبغي له أن لا يكون محل نقاش من طرف البرلمان.
* حق الاعتراض (حق الفيتو): إن السلطات الرئاسية في النظام الرئاسي لا تقتصر على حق التقدم باقتراح القوانين فحسب، بل أنه تمتد إلى ما بعد التصويت حيث يحق للرئيس الأمريكي أن يمارس حق الاعتراض (حق الفيتو) والذي يعتبر من بين حقوقه الدستورية، وفي حالة استعماله لهذا الحق يصبح الكونغريس مطالبا للتغلب على اعتراض الرئيس بالتصويت على القانون بأغلبية 2/3 (لقد استمر الرئيس روزفيلت بكثرة استعماله لهذا الحق ولم يتمكن الكونغريس من حصد الأغلبية الضرورية إلا 11 مرة).
لا تختلف هذه الصلاحية في النظام المغربي إلا في مسألة حق البرلمان بإسقاط هذا الاعتراض ب2/3 أعضاء البرلمان إذ أن للملك أن يطلب قراءة جديدة البرلمان لاقتراح قانون عرض على الطابع الملكي وفي حالة عدم موافقة مجلسي البرلمان على نص واحد بعد عرض اقتراح قانون عليهما بالتتابع وفي حالة استعجال الحكومة، يعرض على مجلس النواب ليوافق عليه بأغلبية 2/3 وفي حالة الموافقة يوكل أمر البث فيه إلى الملك. وهذا يعني أن الملك هو الذي يقرر جدارة الاستفتاء رغم موافقة مجلس النواب عليه.
3/- المجال الإداري
يمارس الرئيس الأمريكي بمفرده السلطة التنفيذية ويعد رئيسا للإدارة الاتحادية فهو الذي يعين موظفي الإدارة، شريطة الحصول على موافقة مجلس الشيوخ كما أنه هو الذي يوجه ويدير نشاطات هذه الإدارة التي تكون تحت تصرفه. أما في النظام السياسي المغربي فلا شك أن الملك يقوم بدور رئيسي فيه لا على المستوى الدستوري فقط بل على المستوى الإداري كذلك ولصعوبة الفصل بين المجال الدستوري والمجال الإداري أحيانا فإن إبراز دور الملك يجب أن ينطلق من بنود الدستور، فقراءة عدة فصول من الدستور 1996 تسجل أن الملك يمارس اختصاصات متعددة تدخل في صميم السلط الثلاث، وهذه الاختصاصات إن لم تكن دائما اختصاصات مباشرة فهي في غالب الوقت تظل إشرافية، كما أنه يمارس اختصاصاته بصفة سلطة عليا مستقلة ومن أهم هذه الاختصاصات ترأسه للمجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط وهذا الأخير الذي يلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية المخططة ويضع ويضمن آلياتها.
كما ينبغي الإشارة أنه في إطار الاختصاصات الإدارية التي يمارسها الرئيس في النظام الرئاسي هو مكانة سلطته العسكرية الهامة، فالرئيس يعد القائد الأعلى للقوات المسلحة وكذلك للمليشيات الاتحادية. وإن كان ليس من حقه أن يتخذ قرار الحرب بدون موافقة الكونغريس، فإنه يكون في وسعه ويدون اللجوء إلى الإعلان عن الحرب أن يستخدم الجيش في بعض العمليات وبالفعل قد سبق للرئيس السابق " ماري تورمان" بصفته القائد العام للقوات المسلحة أن استخدم الجيوش الأمريكية في كوريا بالرغم من عدم وجود قرار بإشهار الحرب ضد هذه البلاد من طرف الكونغريس ويمكن أن نقوم بنفس الملاحظة على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على فيتنام. وفي المغرب فإن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية قرار مثل الحرب أو إعلانها فهي من اختصاصه.
4- العلاقات الخارجية
إن كلا من الرئيس الأمريكي والملك المغربي لهما صلاحية تعيين السفراء ببلادهما في الخارج وهما اللذان يقومان بإعداد المعاهدات وإبرابهما ولديهما يعتمد سفراء الدول الأجنبية فإن كانت للرئيس لا تكون نافذة إلا بموافقة مجلس الشيوخ عليها فإن الملك يمارس اختصاصاته بدون موافقة أي مجلس إلا أن المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف مالية تلزم مالية الدولة تلزم الموافقة عليها بقانون.
5- في الحالات الاستثنائية
إن سلطات الرئيس الأمريكي في النظام الرئاسي تكتسي أهمية بالغة في الفترات الاستثنائية فخلال الحرب العالمية الثانية مثلا منح الكونغريس للرئيس سلطات واسعة منها حق المصادرة كما أن النظرية المعروفة بالوضعية المتأزمة تبيح للرئيس عند الاستعجال باتخاذ تدابير غير منصوص عليها من طرف القانون والتي تصبح ضرورية نتيجة للوضعية التي تجتازها البلاد لكن مع ذلك يجب أن نؤكد بأن امتداد السلطة يكون مقيدا ذلك أنه إذا كانت المحكمة العليا تعترف مبدئيا بشرعية هذه السلطات الاستثنائية، فإنها ما فتئت تعلن بأنه لا يسمح للرئيس مطلقا، باتخاذ إجراءات تعد من اختصاص الكونغريس، نفس الصلاحيات نجدها لرئيس الدولة المغربي حيث ينص الفصل 35 على إمكانية الملك من جمع جميع السلطات بين يديه أو أنه يكرس " ديكتاتورية مؤقتة" غير أن الإعلان عن هذه الحالة يقتضي بعض الشروط محددة في شرطين جوهريين شكليين. بالنسبة للشرطين الجوهريين هما حالة الاستثناء لا يعلن عنها إذا كانت حوزة البلاد مهددة أو إذا وقع ما من شأنه أن يمس سير المؤسسات الدستورية، وبطبيعة الحال فإن الملك هو الذي له الحق في تقدير هذه الأحداث مثلما له الحق في تقدير وجود تهديد لحوزة التراب. أما الشرطان الشكليان فهما استشارة كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدستوري وهي استشارة غير ملزمة للملك بالإضافة إلى توجيه خطاب للأمة يبين فيه الأسباب التي دعت إلى الإعلان عن حالة الاستثناء وبالتالي تركيز الحكم بين يديه وبالتالي ممارسة سلطات مطلقة لا تخضع لأي قيد أو رقابة، ورغم أن الدستور الأمريكي يأخذ بحالة الاستثناء فإن محتوى الفصل 35 ذهب أبعد مدى من دستور م.م.أ لأنها أكدت على ضرورة اجتماع البرلمان لمتابعة ومراقبة أعمال الرئيس خلال حالة الاستثناء في حين يتوقف العمل البرلماني في المغرب حسب الدساتير 1962 و1970 و1972 وابتداء من 1992 ودستور الحالي فإنه لم يبق من حق الملك حل البرلمان أثناء الإعلان عن حالة الاستثناء ولكن بالرجوع إلى الفصل 35 فإن الملم يسهر على رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يقتضيها تسيير شؤون الدولة ويتجلى من خلال هذه القراءة أن رجوع المؤسسات إلى سيرها العادي، ليس بمفرده الموضوع الرئيسي في اتخاذ التدابير الملكية بل بقع الاستمرار في تسيير شؤون الدولة بما فيها البرلمان والحكومة، ومنة خلال مضمون الفصل يصبح بإمكان الملك أن يحل محل السلطتين التشريعية والتنفيذية مع الإشارة فقط أن الفصل 27 يعطي للملك الحق في حل مجلسي البرلمان أو أحدهما.
خلاصة:
يتأسس النظام السياسي على الدستور انطلاقا من عدة تجارب دستورية ومنذ نشأة هذا النظام في الستينيات شهد دستور المملكة تطورا هاما انطلاقا من تفاعلات الحياة السياسية وخضع لمحددين: الأول يتجلى في الطابع التقليدي للسلطة السائدة المستوحى من التراث الإسلامي ومن القرن 12 من الحكم السلطاني والمحدد الثاني مستمد من الديمقراطية الليبرالية الغربية وانطلاقا من المحدد الثاني نقول بأن النظام الدستوري والسياسي بالمغرب هو نظام رئاسي من زاوية رئيس الدولة وربط هذا الأخير بالمحدد الأول فإننا نصل إلى نتيجة مفادها أن النظام الحقيقي هو " ملكية رئاسية" الملك يسود فيها ويحكم ودوره وإن كان يختلف في الشكل مع دور الرئيس في النظام الرئاسي إلا أن الجوهر المضمون يبقى واحد.
المبحث الثاني: البرلمانية المعقلنة
إن قراءة قانونية للدستور المغربي نستنتج تقنينه للعبة السياسية ضمن برلمانية معقلنة من أهم مؤشراتها هو تخصيصه لباب خاص بالعلاقة بين السلط وإقراره مسؤولية الحكومة أما البرلمان ومراقبة هذا الأخير بعملها كما أن هناك قواعد دستورية لتمكين الحكومة من التحكم في اللعبة البرلمانية. (12)
فلا يخفى على أحد تأثير التجربة الدستورية في إطار الجمهورية الخامسة وذلك لعدة أسباب أهمها الحماية التي كانت مفروضة على المغرب بالإضافة إلى التقارب الجغرافي فمن مخلفات الاستعمار هو التأثير على البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية للدولة المستعمرة بتكريس هيمنة ثقافية ما بعد الاستقلال، تعتبر بمثابة تبعية جديدة.
إن أهم ما تأثر به المغرب خلال مرحلة ما بعد الاستقلال هو الفلسفة التي ينبني عليها دستور الجمهورية الخامسة الذي تأسس على " برلمانية معقلنة تقوم على أساس تقنيات تحد من العمل البرلماني لصالح العمل الحكومي وهو ما يمكن استنتاجه بالنسبة للمغرب حيث تعتبر الحكومة المشرع الأساسي في حين أن البرلمان مشروع ثانوي مع المبدأ العام الذي يعتبر البرلمان هو المشرع الرئيسي.
وتنطلق هذه الدراسة من خلال دراسة وسائل مراقبة البرلمان للحكومة ووسائل تدخل الحكومة في العمل البرلماني والتي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي بمثابة توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إيجابي.
المطلب الأول: مراقبة البرلمان لعمل الحكومة
إن أدوات المراقبة محدودة على سبيل الحصر في الدستور المغربي كما أنه لا يمكن " ولا يسوغ أن تضاف إلى هذه الوسائل للرقابة وسائل أخرى (حسب ما اقتضت به الغرفة الدستورية سنة 1985) حيث أن الاختصاص في العلاقات بين البرلمان والحكومة ينظم دستوريا.
1- مناقشة البرلمان الحكومي والتصويت عليه
بمقتضى الفصل 60 من الدستور يقدم الوزير الأول أمام البرلمان بعد تعيينه من قبل الملك هو وأعضاء الحكومة برنامجه للمناقشة والتصويت عليه فهو بمثابة أول محطة وامتحان للحكومة أمام البرلمان. ويقدم أمام مجلس النواب للمناقشة عليه وفقا للفصل 75 من الدستور للتصويت عليه بالأغلبية المطلقة وبعد 3 أيام وفي حالة الرفض تقدم الحكومة استقالتها.
2- طلب الثقة: ينص الفصل 75 أنه بإمكان الوزير الأول بعد المداولة في المجلس الوزاري أن يقدم لمجلس النواب مواصلة عمله بناء على التصويت يمنح الثقة ولا يمكن سحب الثقة أو رفضه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة.
3- ملتمس الرقابة: بناء على الفصل 76 و77 بمكن للبرلمان أن يعارض مواصلة الحكومة عملها بطرحه ملتمس الرقابة التي تؤدي إلى استقالة الحكومة وهذا الملتمس يجب أن يوقع من قبل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ويصوت عليه بالأغلبية المطلقة.
4- لجان تقصي الحقائق: يمكن بناء على الفصل 42 لأغلبية أعضاء المجلسين تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة واطلاع المجلس الذي شكلها على النتائج التي توصلت به أعمالها.
5- الأسئلة: نظم المشرع استعمال البرلمان للأسئلة لمراقبة عمل الحكومة بناء على الفصل 56 من الدستور وهي وسيلة الأكثر استعمالا لسهولة مسطرتها وكذلك لأنها لا تثير المسؤولية السياسية للحكومة.
6- الإحالة على المجلس الدستوري: يحق لرئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو ربع أعضاء مجلس المستشارين بإحالة المشاريع القوانين على المجلس الدستوري لمراقبة مدى دستوريتها.
7- القانون المالي: يعتبر القانون المالي بمثابة خزان الوقود الذي يعطي لسيارة الحكومة الدفع بالأشغال ومحطة مناقشة مشروع القانون المالي مناسبة لمحاسبة ومناقشة الحكومة حول سياساتها العامة والقطاعية كما أن قانون الصفية يلعب فيه البرلمان دورا مهما في مسألة الحكومة على الوعود التي قطعتها خلال برنامجها الحكومي.
المطلب الثاني: وسائل تدخل الجهاز التنفيذي في عمل الجهاز التشريعي
يتكون الجهاز التنفيذي في المغرب من رئيس الجهاز وهو الملك والحكومة ويمارس الجهاز التنفيذي عدة اختصاصات تدخل في مجال السلطة التشريعية التي خولها له الدستور.
- يفتتح الملك دورتي البرلمان الربيعية والخريفية ودون أن يتعرض خطابه لأي نقاش.
- يترأس الملك المجلس الوزاري الذي يحيل إليه المجلس الحكومي برئاسة الوزير الأول مشاريع القوانين
- حق الملك في طلب القراءة الثانية أو إحالة المشروع أو مقترح القانون على المجلس الدستوري وهي نفس الصلاحية للوزير الأول.
- للوزير الأول الدعوى إلى تشكيل لجنة ثنائية مختلطة في حالة عدم التوصل لنص متوافق عليه بين مجلسي البرلمان بعد القراءة الأولى والثانية وذلك بطلب الاستعجال.
- حق الملك في إصدار القوانين وذلك بوضع الطابع الشريف على القانون ويوقع بالعطف من طرف الوزير الأول.
- تقوم الحكومة بنشر القانون، وإن كان هذا النشر ليس عملا تشريعيا بقدر ما هو مادي إلا أن المواطنين لا يسري عليهم إلا بعد الاطلاع عليه من خلال نشره في الجريدة الرسمية.
-للملك طرح مشروع دستور مباشر على شعبه لاستفتاء حوله أما إذا كان مقترح قانون وبعد إتمام مسطرة التصويت فالملك يتدخل بعرضه على الاستفتاء بناء على ظهير شريف
- للملك إحالة مشروع أو مقترح قانون بعد القراءة الثانية له إذا لم يصوت لصالحه أو ضده ثلث الأعضاء الذين يتألف منهم المجلسين على الاستفتاء.
- للملك ممارسة الوظيفة التشريعية بعد انتهاء الولاية البرلمانية.
- كما له أن يخاطب البرلمان والأمة مباشرة.
للملك أن يحل البرلمان أو أحد مجلسيه وممارسة الوظيفة التشريعية.
من خلال ما سبق وبالإضافة إلى أن الملك يترأس المجلس الوزاري والوزير الأول يترأس المجلس الحكومي ومسؤولية الحكومة أمام الملك وأمام البرلمان يتبين أن النظام المغربي من زاوية علاقة السلطة التنفيذية والبرلمان مستوفي لجميع خصائص النظام النيابي البرلماني المبني على البرلمانية المعقلنة (13).
المبحث الثالث: السلطة التنظيمية
إن اعتبار الملك غير منتمي لأي حزب سياسي ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان يدل على أن النظام المغربي بعيد عن النظام النيابي والرئاسي لكن وجود ازدواجية في السلطة التنفيذية وبرلمانا ثنائيا يتدخل في العمل الحكومي يمكن القول أنه يأخذ من بعض الخصائص الدغولية وأهمها هي ممارسة الوزير الأول للسلطة التنظيمية.
يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية وتخضع مقرراته التنظيمية للتوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها ويمكن تفويض البعض منها الفصلين 63 و64 كما أن الوزير الأول يقوم بالتنسيق بين مختلف النشاطات الوزارية.
نلاحظ أن الحكومة توجد في وضعية تبعية للملك ولا تستطيع أن تلعب إلا دورا محدودا،فيقتصر دورها على أن تكون صلة وصل بين الملك والبرلمان وذلك بناء على مبادئ النظام الشبه الرئاسي.
خلاصة لهذا الفصل
من خلال ما سبق يتبين أن النظام السياسي والدستوري المغربي هو نظام يأخذ من النظام البرلماني سمات معينة ويأخذ من النظام الرئاسي سمات أخرى ليكمل ما بقي من السمات بالنظام الشبه الرئاسي بمعنى آخر أن اعتمادنا على التحليل التجزئي ( الذروي) يتبين أن نظام الحكم في المغرب هو مختلط وهو ما يزيد اللبس في فهم طبيعة النظام وهو ما سيكون محل دراستنا في الفصل الثاني في مجال تحديد ماهية وطبيعة النظام بدراسته في شموليته في إطار مقاربة كليانية معتمدين على القواعد غير الشكلية.


الفصل الثاني: القواعد غير الشكلية لنظام الحكم في المغرب
إن التكييف القانوني لنظام الحكم بالمغرب وفهم شكل أنساقه يلزم تفكيك ممحص لشفرات المتن الدستوري ومجاله السيميائي المرتبط بحقل الدستور، إن اعتمادنا على المقاربة الإقرائية للدستور كمقاربة جذرية ممتلكة للكفاية للإجابة على إشكالية نظام الحكم تفرض علينا سؤالا حول إيديولوجية النص الدستوري على أساس أن القواعد الدستورية هي سياسية نظرا لإحالتها على نمط معين من أنماط الحكم الذي تعمل سلطة/ مؤسسة على تدبيره وتكييفه مع محيطه السوسيوثقافي بمقارنته وفق ( باراديغم) أخرى كالديمقراطية الرئاسية، البرلمانية.... بالتالي تمكن من معرفة طبيعة النظام الدستوري المغربي؟
نطرح سؤالين بسيطين:
هل هناك وجود للقانون الدستوري المغربي؟
وما هي طبيعة (ماهية) القانون الدستوري المغربي؟
للوهلة الأولى يبدو أن هذين السؤالين غريبين وغير مستقيمين مع تقرير أن التاريخ السياسي أن المغرب وجد كدولة أمة منذ 12 قرنا وأنه قد عرف مؤسسات سياسية خاصة به طيلة 10 قرون،و مشروعا دستوريا 1908 (إشارة إلى مشروع دستور 1906 ومشروع دستور عيد الكريم الخطابي....) وأنه عرف 7 تجارب برلمانية و5 دساتير.
يزداد الأمر غرابة عندما نواجه بالسيل الهائل من الدراسات المغربية والأجنبية عن النظام السياسي المغربي من فقهاء من المفروض أن يكون وطؤوا دراساتهم بحسم إشكالية وماهية القانون الدستوري المغربي فهل القانون الدستوري " غريب" إلى هذا الحد و إلى درجة عدم الحسم في ماهيته؟
نسجل بأن البحث في هذه الماهية قد تراوح ما بين إنكار وجود قانون دستوري مغربي بالاستناد إلى مقولات غربية أو ثراتية أو القول بالثنائية الموفقة بين الفلسفتين الغربية والإسلامية وبين من رجح تقليدانية الحكم في المغرب ومع تبنينا للموقف الثالث وهو بمثابة وجهة نظر متواضعة سيمكننا من فهم طبيعة قانونا الدستوري، سيشكل أيضا أساسا الإشكالية التي سوف يتمحور حولها تحليلنا.
المبحث الأول: إنكار وجود قانون دستوري مغربي
المطلب الأول: خطاب المركزية الأوروبية
إننا ندعو خطاب المركزية الأوروبية كل تحليل للنظام الدستوري المغربي قائم على مرجعية غربية مبنية على تجاهل مصادره المغربية العربية الإسلامية واعتباره مجرد استنتاج للتجربة الأوروبية – الغربية الدستورية، ولدستور الجمهورية الخامسة الفرنسية بالأخص.
ينطلق خطاب المركزية الأوروبية من تجاهله للجذور والأعماق الإسلامية والمغربية للدستور المغربي الذي يعلق على دستور 1962 ديفرجيه في كتابه "دستوري مغربي جديد" (15) بأن الامبراطورية الشريفة العتيقة المشحونة بالتاريخ اجتازت مرحلة جديدة في وجودها لا تقل عن استرجاع الاستقلال لدى عودة سلطانه المبجل محمد الخامس حيث الدستور الذي قرره الحسن الثاني يشكل قطيعة مدوية مع الماضي السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل والنفسي للمغرب القديم ومنهم من يرى أن الدستور المغربي من خلال عملية الاستفتاء أن التصويت على نص كان بهدف تعويض القواعد المكتوبة أو غير المكتوبة والتي كانت تحدد منذ قرون العلاقة بين الحاكم والمحكوم ( الراعي والرعية) (16) . ويرى باحث آخر أن الدستور المغربي قد مزج بين تقنيات الملكيات الأوروبية للقرن 19 مع تقنيات دستور الجمهورية الخامسة وأنه أقام دغولية وراثية برلمانية أورليانية مبنية على تقليص مجال القانون ومنح رئيس الدولة سلطة واسعة (17) رغم اختلاف المقتربات السابقة والمنتمية للمدرسة الفرنسية المركزة تحليلاتها على أنماط القانون الدستوري الغربي وحتى التحليلات الانجلوساكسونية التي تصنف المغرب من الأنظمة القريبة من النمط السادس السياسي للعالم الثالث حسب شسليس Shils (18) وهو أوليغارشية تقليدانية فإن النتيجة تظل واحدة وتتمثل في تسجيل غياب المرجعية العربية الإسلامية وطغيان المركزية الغربية.
والملاحظ أن هذا الطغيان لا يقتصر على المدرستين الفرنسية والأنكلوساكسونية بل إن النظرة المركزية الأوروبية قد وجدت لها امتدادات حتى لدى باحثين مغاربة حيث هناك من اعتنق أطروحة الطابع البرلماني الأورلياني الدغولي المعقلن دون تمحيص لطابعها المركزي الأوروبي (عبد القادر القادري) (19) أو أن يعبر عن النظام البرلماني المعقلن ( أمالو) (20) ومنهم من أشار إلى وجود 3 مصادر أساسية للمشرع الدستوري أثناء وضع الدستور وهي: النظام البرلماني في أواخر القرن 18 و19 والجمهورية الفرنسية الخامسة الذي يعتبر أهم مرجع وأخيرا دستور الجمهورية الملغاشية 1959 (21) ( عبد الرحمان القادري) .
المطلب الثاني: نقد هذه النظرية
تقوم المركزية الأوروبية على تقييم قانون ومؤسسات البلاد غير الأوروبية من خلال مرجعية أوروبية وقد ظل التمركز الذاتي للقانون الدستوري الغربي حول نفسه قائما حتى بعد ظهور الأنظمة الاشتراكية وأنظمة العالم الثالث التي جعلته يوسع مجاله وجعلته يهتم بدراسة أنظمة أخرى غير النموذج التعددي الغربي (22) غير أن دراسته وتقييم المؤسسات القانونية للأنظمة الأخرى (قد انطلق دائما من القانون الغربي وهذه المغالطة تكشف عن طبيعته المتمثلة في اعتبار الإنسان الغربي هو الإنسان والقانون الغربي هو القانون بحيث أن التفسير يطمس كل الخصوصيات لصالح أوربا (23) وعلاوة على ذلك فإن خطاب المركزية يتبنى قراءة قانونية وتقنية للدستور تفرز تنظيما للسلط أولياني أو معقلن أو دغولي هذه القراءة بتركزها على مدى الاقتراب أو الابتعاد عن النموذج المتروبولي للبرلمانية تمحو الحقل الاجتماعي وما يقيمه من علاقات مع الآليات القانونية ولأن الدستورانية الغربية لا يمكنها العيش خارج جذورها الإيديولوجيا فإن زرعها في محيط مغاير يعرضها لعدة تعديلات عميقة.(9)
إن لجوء هذا الخطاب لمفاهيم غربية لقراءة الدستور المغربي من خلال ربطه بملكيات القرن 19 ودستور 1958 الدغولي مع مقارنة قانونية للعلاقات بين السلط يتجاهل العامل الديني الشديد الأهمية بالمغرب وكذا العلاقات السياسية ويغفل أن أحداث مؤسسة جديدة مهما كانت أهميتها لا يمكنه بجرة قلم أن يمحو مفهوما للسلطة سيطر لعدة قرون....
هذا المفهوم الخاص للسلطة المبني على الطابع الديني للمشروعية والأصل الديني للحكم وعلى عدم وجود فصل للسلط على مستوى أمير المؤمنين على وجود الله ورسوله فسبطه هذه الميكانيزمات أدت إلى إفلاس الخطاب الدستوري الذي يقيم تحليله على فصل السلط وعلى كون الملك دعما وعلى أن الملك سابق على الدستور فإن هذا الأخير لا يقيم سلطته لأن الملك يستمد سلطته من الله والرسول مباشرة (24).
المبحث الثاني: التوفيق بين الفلسفة الإسلامية والغربية
المطلب الأول: خطاب الثنائية
بينما يهمش خطاب المركزية الأوروبية الدعائم الإسلامية العربية للقانون الدستوري المغربي يتميز خطاب الثنائية لدى جزء من الفقه الدستوري بالتركيز على المكونات الإسلامية للنظام المغربي والبحث عن تفاعلها مع التأثير الغربي الذي يغدو مجرد مكون حديث للنظام المغربي يتوازى أو يتصارع أو يتفاعل مع المكون القديم الإسلام .
إذا كان خطاب الثنائية، في قاسمه المشترك داخل ازدواجية الغرب/ الإسلام من خلال اكتشافها في ثنائية التقاليد و العرف أو ازدواجية النصوص الدستورية والمشروعية أو الإرث المزدوج أو النظام الشكلي واللاشكلي تتصدر ثنائية التقاليد والغرب في النظام المغربي أبحاث " بالازولي" PALAZOLI وهو التناقض الذي يعيشه المجتمع المغربي بعد أن أحدث قطيعة مع الماضي المتمازج في الحاضر على شكل تقليد سلطاني وأعراف بربرية وتأثير غربي.(25).
أما الثانية فقد تبناها GUBAL (26) الذي رأى أن هناك طبقة سامية من النصوص الدستورية تهم الملك والأمة وتتعلق بالمشروعية الدستورية وطبقة ثانية تهم القواعد التقنية وتتعلق بالشرعية الدستورية أي الأولى مرتبطة بالخلافة والثانية تعاقدية مستوحاة من الديمقراطية الليبرالية (27).
وتذهب رقية المصدق في بحثها حول الثنائية (28) في البحث في جذور المشكل المؤسسي بالمغرب إلى وجود إرث مزدوج منبعه التطور التاريخي بالمغرب الذي عرف مجابهة أولية بين عناصر التقليدية للملكية والإسلام والتقاليد الديمقراطية البربرية (أرض السيبة + عدم استقرار السلطة) تمر مواجهة ثانية بين المطالبة بملكية دستورية ودمقرطة النظام والعناصر التقليدية للملكية والإسلام هذا في حين اعتبرت أطروحة القانون الدستوري أن الثنائية المميزة للنظام الدستوري المغربي ليست تلك الثنائية الظاهرة بين المكون الإسلامي والمكون الغربي غير القابلين للمزج لتعارض فلسفتهما بل هناك ثنائية عميقة بين نظام شكلي وآخر أساسي (اللاشكلي) ثنائية لا يعيشها الغرب مهد السمو الدستوري بل يعرفها المغرب من خلال ازدواجية النظام الشكلي الذي يضم المستوى التقني من الشرعية في حين يحتضن النظام الأساسي وغير المكتوب والطبقة العليا في الدستورانية المغربية غير المدونة المشروعية التي نجد فيها البيعة، عدم فصل السلط على مستوى الملك، عدم وجود وسطاء بينه وبين شعبه، أما النظام الشكلي يضم فقط اختصاصات الملك والحكومة والبرلمان(29).
المطلب الثاني: فراغ الثنائية
إن الثغرة الأساسية في خطاب الثنائية المبني على ازدواجية الإسلام/ الغرب في القانون الدستوري المغربي تكمن في عدم اعتباره أن " كل ثنائية هشة وخاصة ثنائية السلط كما يقول Burdeau بردو كما أن القانون الدستوري عموما يتسم بالهشاشة المنبعثة من الطبيعة الهشة للسلطة التي يسعى لتنظيمها فإذا كان الصراع في المغرب بين التقليد والعصرنة قد انتهى لصراع التقليد منذ البحث في مسألة السيادة والجمعية التأسيسية ذلك برفض تلك الأخيرة وأيضا النص على أمير المؤمنين الذي أعلن نهاية الثنائية وجعل التقنيات الشرعية هي امتداد عصري لصلاحيات أمير المؤمنين كما يقول عبد اللطيف المانوني (28):
إن رفض الجمعية التأسيسية الذي يدل على رفض قيام مشروعية جديدة ديمقراطية منافسة للمشروعية الملكية الدينية والتاريخية السابقة على الدستور.
وإذا كان أحد الفقهاء يرى أن مركز النظام القانوني قد انتقل مع الدستور من الإرادة الملكية إلى الإرادة الوطنية المعبر عنها بالقانون (29) فإن الأستاذ المدني يرى أن الممارسة للإرادة الوطنية لا تفرض نفسها على الإرادة الملكية وهي سابقة عليها وإرادة الأمير سن المعاهدة، وتخلق الدستور وتعيد خلقه، كما أنها تسن القانون، وتضع هرمية للأعمال القانونية، غير مفهومة وتتجاوز المفهوم الكلاسيكي للسمو الدستوري، ولكنها تصبح جد واضحة عندما تنطلق من فكرة أن كل واحد من أعمدة هذه الهرمية يعبر بطريقته عن إرادة الأمير.(30).
المبحث الثالث: تقليدانية القانون الدستوري المغربي
إن القانون الدستوري المغربي لم يجد المغرب أرض خلاء من الناحية التنظيمية والسياسية والمؤسساتية بل كانت هناك أعراف وتقاليد بربرية وأعراف سلطانية وأخرى خلافية هذه العوامل أعطت للدستور المغربي خصوصية تميزه عن الدستورانية الغربية وهو ما عبر عنه الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة انسحاب البرلمانيين الاتحاديين بعد انتهاء ولايتهم بعد استفتاء 30 ماي 1980 لتمديد ولايتهم لسنتين بدعوى أن الدستور ينص على عدم رجعية القانون فلا يمكن إذن تنفيذ القانون عليهم بأثر رجعي، جاء في خطاب الملك الراحل في افتتاح دورة أكتوبر 1981 ما يلي: ."...... إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر فأمير المؤمنين وذلك بواجب الكتاب والسنة عليه أن ينظر في ذلك" قبل أن يتوجه للبرلمانيين قائلا: ".... من شرع الدستور؟ عبد ربه وخديم المغرب ومن اختار أن نعيش في إطار دستور عبد ربه وخديم المغرب طيب ولكن قبل الدستور هل كان هناك فراغ؟ لا كان الدستور فيه ما هو مكتوب وما هو تقليدي، وكان المغرب والحمد لله يسير في طريقه وسار في طريقه مدة أربعة عشر قرنا... نعم في يوم من الأيام جاء الحسن عبد ربه وخديم أمته وقال طيب سنترك ما كان وما كان عليه آباؤنا وسنبني إطارا جديدا للتعايش والتكامل.
ولكن إذا ما نحن سكتنا كما وقع، ما سيصير؟ سنكون فرطنا في دستورنا القديم ولم نجعل لدستورنا الجديد الحرمة اللائقة به... وإذا أردنا أن نرجع إلى تقاليدنا تلك التقاليد والحمد لله جعلت منا أمة شامخة لنرجه إليها..."
كما أن الدستورانية الغربية تتميز في شكلها اليعقوبي، ارتكزت على مبدأ العقلانية المنفصلة عن الدين فالمغرب يعرف حضورا قويا للدين في دستورانيته كما أن تاريخ المغرب قد عرف صراعات واصطدامات بين مؤسسة السلطنة والتقاليد البربرية فيما يعرف بالعرف (12) وهذا الصراع والتعايش اعتبره عبد الله العروي أحسن دليل على وجود "جسم مغربي" ضمن جدلية مختلفة عن جدلية الطبقات الاجتماعية وعن النظرية السكونية...
فباعتمادنا على الدستورانية التقليدية سوف نتطرق إلى دراسة ثلاثة أمثلة نعتبرها أساسية في القانون الدستوري المغربي تتمثل الأولى في السلطة التأسيسية الأصلية والاستخلاف والقضاء كاختصاص الإمامة.
المطلب الأول: السلطة التأسيسية الأصلية
إن الحديث عن السلطة التأسيسية الأصلية لم يتأتى كنتاج تاريخي أو بحث أكاديمي بقدر ما كان تعبيرا عن صراع سياسي بين مشروعين إحداهما وطنية كانت تهدف إلى السيادة الوطنية عن طريق الجمعية التأسيسية وكما اعتبرها المهدي بن بركة هي:
" تعبير عن قطيعة دستورية بين أنصار الدولة الديمقراطية والتيوقراطية"(9) من جهة ومن جهة ثانية بين مشروعية دينية وتاريخية كانت تعتبر أن الدستور عبارة عن تجديد البيعة المقدسة بين الملك وشعبه الذي يعبر عن سيادة الأمة بالمفهومي الإسلامي لا للسيادة الوطنية أو السيادة الشعبية المستمدة من المفهوم الغربي.
إن انتهاء وضع الدستور من طرف الملك وعرضه للاستفتاء على شعبه الذي يعد بمثابة تجديد البيعة بشكل مباشر وعن طريق المؤسسات التمثيلية بشكل غير مباشر هو بمثابة موت الخطاب العصري والحداثي للجمعية التأسيسية وتكريس للخطاب التقليداني. وهذا ما كرسه الدستور باعتبار الملك بالإضافة إلى أنه سلطة تأسيسية أصلية بناء على الفصل 19 فهو سلطة تأسيسية فرعية هذه الأخيرة الذي دعمته الممارسة السياسية من خلال التعديلات الدستورية وحتى من الناحية الفقهية فعرض مقترح دستور جديد ملزم لعرضه على الاستفتاء على الشعب بظهير شريف(13).
2- الاستخلاف
إن التقليد في الفصل 20 من الدستور المغربي حاضر بقوة سواء بقواعده الشخصية أو التقليدية أو السلوكية.... وهي التي تجعل من انتقال الحكم في المغرب انتقال بيولوجي واستمرار لعراقة التقليد والبنيات المجتمعية، وليس انتقال مرتبط بانتقال الحكم كما هو في الأنظمة الديمقراطية والحداثية المقارنة ولكن انتقال مرتبط بالتمثلات الذهنية للرعية حول الإيالة الشريفة بكل ما يحمل الاستخلاف من موروثات وتأويلات دستورية ووظائف تقليدية وأدوار دينية مما يجعل نظام الخلافة مستمرا ومتكيفا مع التطورات العصرية.
إن الاستخلاف كحدث نجده في الوثيقة الدستورية ولا يؤدي إلى خلخلة أو أزمة اللعبة السياسية رغم أنه تغيير على مستوى قمة الهرم المغربي إلا أنه منصوص عليه في الدستور كأحد مقومات القواعد السياسية فالوثيقة الدستورية لا تنص سوى على شخص حامل للتمثلات الرمزية والأبوية والراعي أما فيما يخص استمرار المؤسسات فإنها تقرأ من خارج الوثيقة الدستورية أي في الأعراف الدستورية ذات الحمولة الدينية.
مسألة تفرض نفسها في مجال الاستخلاف الممزوجة بين الوثيقة الدستورية وصك البيعة هل التعايش بين هاتين الآليتين سمح بالقول بأنه الجمع بين التقليد والتحديث في الدستور المغربي خاصة استخلاف محمد السادس حيث نجد في وثيقة البيعة فاعلين جدد بطقس البيعة؟ بمعنى أن الدستور المغربي مختلط بين التقليد والعصرنة؟ طبعا الجواب بالنفي لأن آليات الأشغال ما بعد الاستخلاف اعتمدت على تكريس الموروث التقليدي الضمني والدستور المشبع بالتأويلات الشخصانية.
يشكل استخلاف الملك محمد السادس حدثا بارزا في التاريخ السياسي المغربي حيث آلية الاستخلاف منصوص عليها في الفصل 20 من الدستور في إطار ولاية العهد والتشبث بالبيعة المستنبطة من حقل إمارة المؤمنين في الفصل 19 فإن كان دعاة التحديث يعتبرون أنه كان بالإمكان الانتقال السلمي للسلطة بناء على الفصل 20 دون الحاجة إلى المرور للبيعة الغير المدسترة صراحة في الدستور فإن فهمهم يرتكز على القراءة القانونية السطحية دون فهم ميكانيزمات التقليدية لدور البيعة كقواعد عرفية فوق القواعد الدستورية المكتوبة بناء على حقل إمارة المؤمنين فولاية العهد تبعا لذلك وحدها غير قادرة على منح الشرعية لانتقال الملك دون اللجوء للبيعة التي تعتبر عقد بين الراعي والرعية المكرسة في المجال الاجتماعي كما أن عقد البيعة كعقد مؤسس لا ينص على مشروع مجتمعي متوافق أو متعاقد حوله جديد بقدر ما هو تكريس للتقليدانية في إطار الاستمرارية دون القطيعة مع إرث الماضي.
3- القضاء كوظيفة للإمام
إن القضاء كوظيفة للإمام، والمتمثلة في شموليتها وأن القاضي نيابة عن الإمام فإن الأحكام التي تصدر باسم جلالته طبقا للفصل 83 من الدستور ولقيامه على التفويض فإقامة العدل من وظائف الإمامة العظمى إن ستة فصول منظمة لاستقرار القضاء غير كافية مما يسمح للأعراف الدستورية المتوارثة في الدستور الخلافي أن تملأ الفراغ كما أن الفصل 87 من الدستور لا ينظر إلا المجلس الأعلى للقضاء كمستقل ولا يرسم حدودا بين عمل السلطة التنفيذية والقضائية . فالتأويل التقليداني يملأ مسافة كبيرة من فراغ النص الدستوري التي تنظم علاقة الملك بالقضاء وهو ما يعكس بسبب إضعاف ومأسسة ومكانة القضاء والقاضي في الحقل السياسي والدستوري، وذلك راجع إلى أن الامتداد الرمزي والمادي للمؤسسة الملكية على باقي المؤسسات باعتباره أمير المؤمنين لا تقبل بالسلطات المضادة وفصل السلط كما أن القضاء يلعب وظيفة الردع والعقاب للخارجين عن الإجماع (الإجماع مسألة خارجة عن الهندسة الدستورية) والماسين بشخص الملك والمخالفين للتصور الرسمي والإيديولوجي للدولة كما أن القضاء في المغرب بناء على الفصل 82 لا يرقى إلى مستوى سلطة وبالتالي لا يجب أن يقارن بالمؤسسات المتمثلة في المخيال حول القضاء الفرنسي في الجمهورية الخامسة حيث القضاء هو متأصل في القانون الخلافي الذي يعتبر القضاء جزء من وظائف الإمام يفوض فقط ممارسة القضاء الفصل 83 أي فقط النطق بالأحكام.















خاتمة
يعتبر نظام الحكم في المغرب من بين دول العالم الثالث التي لم تحدث قطيعة مع الماضي بل تم التغيير في إطار الاستمرارية بوجود مؤسسات جديدة من الناحية الشكلية لكن من حيث روحها وفلسفتها فهي امتداد للماضي الثقيل بالموروث الثقافي والديني مع تكييف هذه المؤسسات الجديدة مع مؤسسات كانت سابقا وبقيت كأمير المؤمنين والبيعة والبلاط الملكي والبروتوكول السلطاني وإحياء مؤسسات جديدة كالحسبة والظهير الشريف عوض المرسوم الملكي هذا التعايش جعل من التقليدانية الدستورية المغربية ترتكز على مقومات ثلاثة أساسية تتمثل في الإرث الإسلامي والآداب السلطانية والثرات البربري إذ أعطت للجسم المغربي قالبا خاصا به بعيد عن النماذج الغربية المبنية على السيادة الشعبية وفصل السلط، والتي كانت نتيجة تغيير في نمط الإنتاج وظهور برجوازية وطنية متوسطة أو صغرى أدت بالصراع مع الملكيات الغربية إما إلى ملكيات برلمانية يسود فيها الملك و لا يحكم أوأدت إلى ظهور أنظمة جمهورية مبنية على دماء الملوك الأوروبيين.
إذ تبني التقليدانية الدستورية ليست هروب الباحث والاختباء وراء خصوصية ضيقة لا مثيل لها في الأنظمة الأخرى بل محاولة لكشف طلاسم النظام القائم في المغرب وسبر أغوار الوثيقة الدستورية بدل الخلط وإقامة اللبس وتعتيم بل وأحيانا حتى التبرير لممارسات وسلوكات غامضة.
فالدستورانية المغربية لا تقوم فقط على الدستور المكتوب بل يوجد أعلاه دستور ضمني يحتوي على دستور تاريخي يشرعن السلطانية ودستور خلافي يعتبر بمثابة الوقود الإيديولوجي لأمير المؤمنين.



لائــــــحة المـــــــراجع
1/- جون واتر بوري أمير المؤمنين "الملكية والنخبة السياسية".
2/- ريمي لوفو، "الفلاح المغربي حامي العرش"
3/- عبد الباقي الهرمسي: الدولة والمجتمع في المغرب
4/- خالد الناصري : " القانون السياسي في المغرب"
5/- عبد اللطيف أكنوش " constribution à l'étude du stratégie de légistimation du pouvoir"
6/- محمد ظريف "قراءة أولية في النسق السياسي المغربي"
7/- هشام شرابي: النظام الأبوي
8/- محمد المدني: مقال حول الفاعل والنسق" المركز الاستراتيجي المصري لحقوق الإنسان
9/- محمد المدني: " الحركة الوطنية وسؤال الدستورانية
10/- كلود بالازولي: " المغرب السياسي"
11/- محمد معتصم: " الحياة السياسية بالمغرب
12/- عبد الله العروي: " الأصول الاجتماعية والثقافية للحركة الوطنية
13/- عمر بندورو: " النظام السياسي المغربي"
14/- مصطفى قلوش: " النظام الدستوري المغربي المؤسسة الملكية"
15/-Durverger (M): " la nouvelle constitution marocaine
16/-Chambergeat:"le référendum, constitutionnel du1962 au maroc
17/- Colson (J):" aspects constitutionnels du politique du Maroc indépendante.
18/- عبد الرحمن القادري: " الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية
19/- عبد القادر القادري: التجربة الأولى للبرلمان المغربي
20/-عبد الرحمن أمالو، مطبوع خاص بطلبة السنة الأولى تحت عنوانdroit constitutionnel
21/-عبد الرحمن القادري: الوجيز في المؤسسات السياسية والقانون الدستوري
22/- Palazoli: existe-t-il une spécifié du pouvoir dans les pays arabes.
23/- M. Maille: une introduction critique du droit.
24/- محمد الطوزي: الملك أمير المؤمنين انظر أيضا الملكية والإسلام السياسي بالمغرب.
25/- Palazoli: quelques réflexions sur la révision constitutionnelle 1972
26/-Grubal: la supermatie constitutionnelle au maroc.
27/-M. Sehimi "la prépondérence du pouvoir royal dans la constitution marocaine.
28/- رقية المصدق: " القوى السياسية أمام إشكالية الديموقراطية في المغرب.
29/-خالد الناصري: " القانون السياسي في ترتيب الدستورانية.
28/- Mernoumi: "le recours à l'article 19."
29/- روست.م
30/- محمد المدني: البرلمان المغربي مقاربة ودراسة للبرلمانية المغربية.



الفهـــــرس
مقدمة........................................................... 1
الفصل الأول: القواعد الشكلية في القانون الدستوري................... 3
المبحث الأول: اختصاصات رئيس الدولة....................... 4
المطلب الأول: علاقة الرئيس بوزرائه.......................... 6
المطلب الثاني: اختصاصات الرئيس............................ 7
المبحث الثاني: البرلمانية المعقلنة............................... 12
المطلب الأول: مراقبة البرلمان لعمل الحكومة................... 13
المطلب الثاني: وسائل تدخل السلطة التنفيذية في العمل البرلماني... 14
المبحث الثالث: السلطة التنظيمية............................... 16
الفصل الثاني: القواعد غير الشكلية القانون الدستوري المغربي....... 17
المبحث الأول: إنكار وجود قانون دستوري مغربي........... 18
المطلب الأول: خطاب المركزية الأوروبية.................. 18
المطلب الثاني: نقد هذه الأطروحة............................ 19
المبحث الثاني: التوفيق بين الفلسفة الإسلامية والغربية......... 20
المطلب الأول: خطاب الثنائية............................... 20
المطلب الثاني: فراغ الثنائية................................ 21
المبحث الثالث: تقليدانية القانون الدستوري المغربي.......... 22
المبحث الأول: السلطة التأسيسية الأصلية.................... 23
المطلب الثاني: الاستخلاف................................ 24
المطلب الثالث: القضاء كوظيفة للإمام...................... 25
خاتمة..................................................... 27
لائحة المراجع............................................. 28
الفهرس................................................... 30




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين