التعطيل الذاتي للمؤسسات




التعطيل الذاتي للمؤسسات

تأبى مؤسسات الدولة المغربية إلا أن تفاجأنا كل مرة بإحدى الخرجات الغريبة، سواء عبر تصريح مسؤوليها أو بلاغات صادرة عنها كمؤسسة معنية، وهذه الخرجات التي تفقر إلى الحد الأدنى من احترام القانون أو المرجعية التي تأسست عليها، تذكرنا بالخطاب الملكي بمناسبة الذكرى ال 20 لتربعه على العرش، وهو الحاجة للكفاءات التي تتولى مصير بلادنا ومصير أفراد قابعين في السجون.
من بين هذه الخرجات نجد البلاغ الصادر عن المجلس الوطني للصحافة بتاريخ 12 شتنبر 2019، بخصوص قضية التشهير والاعتقال الذي طال الصحفية هاجر الريسوني.
البلاغ الذي أدان حملة التشهير التي تعرضت لها الصحفية، وأعلن أنه أحال الملف على لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية وفق المادة 40 من القانون 90.13، إلا أنه "لا يستطيع أن يمارس العقوبات المنصوص عليها في الفصل 46 "في "غياب النظام الداخلي للمجلس الذي يحدد مختلف الإجراءات المسطرية والمقتضيات الضرورية للنظر في الشكاوى واحترام حقوق الأطراف، وغير ذلك من الشروط والضمانات الكفيلة بتحصين عمل المجلس وقراراته" وذلك تماشيا مع " للمادة 2 من القانون المذكور".
دون الحاجة مرة أخرى إلى التذكير بمسار انتخابات مجلس الوطني للصحافة ولجنة الاشراف على الانتخابات وردود أفعال الجسم الصحفي وضعف مشاركة الصحفيين في عملية التصويت وصولا إلى إصدار ميثاق أخلاقيات بنفس النمط غير التشاركي وهو الميثاق الغارق في الزجر والعقاب للصحفيين أكثر منه حماية لهم، سنناقش في هذه المقالة هذا البلاغ من مستوى قانوني، على أن نناقشه من الناحية العملية والحقوقية فيما بعد.
على المستوى القانوني
بالعودة إلى القانون رقم 90.13 نجد أنه في شأن أخلاقيات المهنة حدد عناصرها بالتفصيل  : خرق الأخلاقيات، المساطر ثم العقوبات.
فيما يتعلق، بموضوعات التي تستوجب التأديب فهي محددة وفق المادة 36 من القانون، وهو كل من أخل بأخلاقيات المهنة أو بالنظام الداخلي للمجلس، والمحددين في المادة 2 من القانون، فميثاق الاخلاقيات صدر بمقتضى قرار، والنظام الداخلي الذي ينتظر نشره بنض تنظيمي.
فأخلاقيات المهنة يوجد ميثاق تم نشره في الجريدة الرسمية فيه بعض الأجزاء الإيجابية في حماية أعراض الناس وعدم التشهير بيهم، قد تم انتهاكها في نازلة الصحفية هاجر، سواء تعلق الامر بمبدأ قرينة البراءة: لا يقبل تقديم المشتبه بهم أو المتهمين كجناة في المتابعات الصحافية لقضايا الجرائم، وذلك امتثالا لمبدأ قرينة البراءةكما لا تنشر أسماء أو صور المتابعين أو الضحايا إلا إذا كانت هناك مصلحة عامة، مبررة، تفوق حق هؤلاءفي الخصوصية" وأيضا فيما يتعلق  باحترام صورة المرأةلا يجب أن تقدم المرأة في صورة تمييزية أوحاطة من كرامتها، ولا تستعمل بأي شكل من الأشكال في الإثارة التي تتجاوز فعل الإخبار «أخيرا، فإن الميثاق دعاإلى التضامن والتآزر وتعزيز أواصر الزمالة داخل المهنة».

فيما يتعلق بالمساطر، والتي علقها مجلس الصحافة إلى غاية صدور النظام الداخلي، فالمشرع في القانون سطر بالتدقيق مسطرة معالجة الشكاية في فصل كامل بعنوان "المسطرة التأديبية" من خلال 7 مواد (من المادة 38 إلى المادة 45)،  تنطلق من التوصل بالشكاية إلى غاية تحرير محضر التأديبي وتوقيعه، بكل تفاصيله من مدد زمنية والاستدعاءات ورئاسة اللجنة ومداولاتها والتصويت داخل اللجنة وترجيح جانب الذي يكون فيه الرئيس في حالة تعادل الاصوات...
وأخيرا فالعقوبات محدد بشكل صريح بمقتضى الفرع الثالث من القانون والمكون من المواد 46 إلى 49، وأعطى المشرع أيضا حق الطعن بشكل جد جد مفصل من المادة 50 إلى 53.
من خلال هذا الجرد الدقيق داخل القانون للمساطر والعقوبات والطعون، يطرح سؤال: لماذا علق مجلس الوطني للصحافة اختصاصاته إلى غاية صدور النظام الداخلي للمجلس بنص تنظيمي؟
إن التخوف هو أن يضيع حق الصحفية هاجر بعد انقضاء مدة ستة أشهر المتعلقة بالتقادم وفق المادة 38 من القانون، وذلك لحسابات سياسية وحزبية، فالنص التنظيمي لن يصدر خلال الأيام المقبلة، إذا علمنا التعديل الحكومي مقبل وهذا النص التنظيمي ليس من أولوياته.
إن المشرع المغربي عندما فصل في مواد عديدة الأخطاء التي تستوجب التأديب ومسطرة معالجة الشكاية أو التدخل التلقائي أو العقوبات وصولا إلى الطعون، وذلك من أجل تنفيذ القانون وليس تعطيله إلى غاية إصدار النظام الداخلي. هذا الأخير، أي النظام الداخلي، له دور مهم فيما يتعلق بتحديد تعويضات أعضاء المجلس (المادة 13 من القانون) ولكن لا قيمة إضافية له في شأن معالجة الشكايات.
نختم هذه المقالة بملاحظة:
ورد في نص البلاغ " وقد تمت إحالة هذه الشكاوى على لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، كما تنص على ذلك المادة 40 من القانون 90.13 المتعلق بإحداث المجلس المذكور" .
ما يعني أن مسطرة معالجة الشكاية بدأت وفتح الملف، فلماذا لم ينتظر المجلس صدور النظام الداخلي؟ ولماذا توقف عند إصدار قرار إصدار التأديب ؟ مادام نبه إلى "بعض الخروقات التي رافقت ما تم تداوله في بعض المنابر الصحافية والإعلامية، بخصوص ملف هاجر الريسوني، والتي يمكن ذكر بعض النماذج منها على سبيل المثال لا الحصر، حيث تم نشر تقارير طبية وصور، ذات صبغة خصوصية، بالإضافة إلى استعمال مصطلحات وتعابير تتضمن تحاملا، وعناوين مثيرة وفضائحية، تمس بالكرامة"
أليس هذا تناقض؟؟؟؟؟

AZIZ IDAMINE

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين