الرق بين أعين الوزير الداودي





الرق بين أعين الوزير الداودي

شارك السيد لحسن الداودي الوزير في حكومة السيد سعد الدين العثماني، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في تظاهرة منظمة من قبل مجموعة من العمال بشركة الحليب سنطرال، تنديدا بالاثار السلبية التي خلفتها مقاطعة مجموعة من المنتوجات من قبل جزء كبير من الشعب المغربي، إذ بلغ الامر إلى تسريح أزيد من 900 عامل بالشركة.
بعيدا عن الشطحات السياسية التي قام بها الوزير، والتي عبر عنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأشكال متعددة من السخرية أو بمقالات ومواقف، متدمرة من سلوك وزير مسؤول عن قطاع يحتج على مطالب شريحة مهمة من المواطنين والمواطنين، تارة بالدفاع المستميت عن الشركة، وكأنه محام لها، وتارة بكون المقاطعة خطر على الاقتصاد الوطني.
لكن هناك نقطة لم ينتبه لها الوزير، والتي تخدم المصلحة الكبرى للمواطنات والمواطنين، والاقتصاد الوطني، وهي الوضعية القانونية للعمال، كيف يمكن للشركة أن تسرح مئات العمال بشكل سلس وبدون مشاكل؟ وما هي الصيغة القانونية التي تربط العمال برب العمل؟
يسمح القانون المغربي في إطار مدونة الشغل، أن تلجأ الشركات إلى التعاقد بالباطن مع شركات أخرى من أجل التشغيل، وتسمى بلغة السوق، شركات المناولة، حيث تتعاقد الشركة الام مباشرة مع هذا الشركات من أجل جلب عمال بوصفات وأعداد معينة، ويعفي الشركة الاصلية من مسؤولية الحقوق الاجتماعية من الضمان الاجتماعي والتقاعد، وتبقى تلك المسؤولية على عاتق الشركة الفرعية أي شركة المناولة.
ومن أجل تفادي الالتزامات الثقيلة والحماية الاجتماعية للعمال، فإن شركات المناول في غالبيتها إما تلجئ الى عقود شغل محددة المدة وقصيرة الاجل ويتم تجديدها بشكل دوري، أو لا تسجل جل عمالها في الضمان الاجتماعي وإن فعل ذلك فإنها تصرح بعدد ساعات وعدد الأيام أقل بكثير من الواقع.
هذه الوضعية التي يعيشها مجموعة من العمال في المغرب، والمتعاقدين مع شركات مناولة تعمل لدى مؤسسات عمومية رسمية أو شركات كبرى  تجعلهم يعيشون في "إرهاب" يومي من الطرد، فينجزون أشغال تتجاوز المتعاقد أو المتفق عليه، ولا يحق للهم أن يطالبوا بأي تعويض أو زيادة وإلا كان مصيرهم الطرد بشكل "قانوني"، كما أن هذه الفئة محرومة من العمل والانتماء النقابي، وهو حق دستوري وعالمي، وأخيرا فالوضعية التي يعيشونها تعتبر في معايير حقوق الانسان بمثابة"الرق"، وهو أقصى درجات العبودية التي يمكن أن يصلها الانسان.
وفي المقابل الثاني لوضعية الاجير، المستفيد من التعاقد بالباطن مع الشركة الام ، حيث أصبح في الممارسة المغربية "ريع"، تستفيد منه بعض العائلات وأصحاب المصالح، وتتدخل الزبونية والمحسوبية بشكل حاسم في ابرام الصفقات.
إننا اليوم لا نتوفر على أرقام وإحصائيا رسمية ودقيقة حول الظاهرة، ولكن من خلال الافادات والتصريحات التي يلدي بها مجموعة من العمال، بشكل غير معلن خوفا من الطرد، وما يحكي بعض الشباب في المقاهي، يؤكد أن هذه الظاهرة مستفحلة في المجتمع، وهي من بين الاسىباب الرئيسية التي تجعل المواطن المغربي لا يثق في الاقتصاد الوطني.
إن الدفاع عن الاقتصاد الوطني يقتضي حمايته من مخاطر الريع والتلاعب بالقانون ومدونة الشغل، وهي مسؤولية الحكومة، ومسؤولية  السيد الوزير، وعوض مساندة العمال في احتجاجهم كان الاجدر أن يساندهم في حمايتهم من الطرد والتسريح بشكل سلس، أما الشركات فهي خاضعة لمنطق السوق القائم على العرض والطلب، فكما لا يمكن التحكم وضبط "العرض"، فإن "الطلب" هو الاخر حر في اقتناء ما يشاء.
وإذا كانت الشركات الخاصة لها من صلاحيات التعاقد مع شركات مناولة أخرى كما تشاء، فإن السؤال المطروح على المؤسسات العمومية والشركات التي تساهم فيها الدولة برأسمال دافعي الضرائب، كيف تتم إبرام هذه الصفقات؟ ووفق أي دفتر تحملات؟ وكيف يتم مراقبة احترام مدونة الشغل في العلاقة بين العمال وشركات المناولة؟ وهل لمفتشي الشغل الإمكانيات القانونية والبشرية لمراقبة الكم الهائل من هذه الشركات؟ وأخيرا من هي هذه الشركات؟ وهل للحكومة القدرة على نشر لوائحها في إطار الحق في الوصول للمعلومة؟
وفي الختام، فالتعميم هنا غير وارد، إذ توجد شركات مناولة مواطنة، وتحترم حقوق العمال وكرامتهم، ولكن الطيف الكبير يكمن في الاتجاه الاخر.


AZIZ IDAMINE

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين