قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين


قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين

بدعوة من جمعية خريجي العلوم السياسية ومجلة السياسات العمومية

بتاريخ 02 يونيو بكلية الحقوق اكدال الرباط





أولا: على مستوى المنهجي

أبدأ بملاحظات منهجية:

العنوان يتكون من كلمتين أساسيتين وهما:

السلطوية والتي تحيل على طبيعة نظام سياسي مغلق وماهيته متعددة سواء أ كان نظام باتريمونيالي أو نظام أوليغارشي أو نظام خلافي أو تقليدي، أو نظام إقطاعي؛

الديمقراطية وهي تحيل على نظام سياسي مفتوح قائم على التنافسية الشفافة والنزيهة من خلال صناديق الاقتراع.

والكاتبين وإن حسما حول طبيعة النظام الديمقراطي المتمثل في الملكية البرلمانية للنظام السياسي المغربي فهما لم يحددا طبيعة السلطوية في المغرب مما يجعلنا أما كتابات سياسية، جديرة بالاحترام حيث تمزج بين الأسلوب الأكاديمي والتحليل العلمي مع تجربة الممارسة.

تعريف بالكاتبين:

هما وحسن طارق وعبد العالي حامي الدين، وقدما في خلفية الكتاب على أساس أستاذين جامعيين وعضوين في تيارين سياسيين مختلفين من حيث المرجعية ومن حيث المواقف السياسية، ومن هنا أطرح تساؤل حول الحدود بين المعرفة وبين السياسة؟ فإذا كانت لمعرفة تبحث عن الحقيقة والسياسة تبحث عن النجاعة وتتميز الأولى بالصرامة والثانية بالبرغماتية، حسب ماكس فيبر، ألاحظ كيف الباحثان يفككان الظواهر وكل منهما ينتقيان عناصر من نفس البنية دون أخرى، كمثال من بين الرموز والدلالات حول سقوط نظام حسني مبارك من قبيل حرق صوره الرئيس المستقيل، أو إسقاط تماثيله أو حرق مقرات الحزب الحاكم، نجد عبد العالي حامي الدين من ألاف الرمز يختار في الصفحة 18 كيف تم إنزال صورة حسني مبارك من البرلمان وتعويضها ب"لوحة جميلة مرصعة باسم جل الله جل جلاله"، أو كيف ينقب حسن طارق في تراث عبد الرحمن اليوسفي ليجيب عن إشكالات الحاضر. مما جعلا الكاتبين لا ينسلخا من جلدهما، بل بقيا وفيا نهجهما السياسي.

وكأنني أعود لجاك دريدا في نقاشه حول الذات والموضع يقول "من ذاتيتي أفرض موضوعيتي".

كما أضيف بخصوص تقديم للكتابين من قبل الناشر، أنهما درسا في كلية واحدة وتحت سقف واحد ومن إشراف الأستاذة رقية المصدق لهما، وهنا أساءل دور الجامعة في التأطير والتكوين؟ هل لنا جامعة بمفهومها كمدرسة فكرية أم مجرد بناية لإعطاء الدروس حول المفاهيم والمبادئ؟

ومن هنا فنحن أمام كتاب كما سماه كاتباه متقاطعة للأفكار وليس حوارا الذين يذكران بمطارحات ألبير كامي وجون بول سارتر.

ثانيا: على مستوى الموضوع

نلج للكتاب الذي يتحدث عن سياقين، سياق عام وسياق خاص:

1- السياق العام

يتحدث الكتاب حول تجربتي كل من مصر وتونس، ولكن هل استنفدنا المسافة الموضوعية حتى يمكن الحديث عن ربيع ديمقراطية في المنطقة، أمام خريف الاستبداد الذي عاشتها المنطقة؟ بمعنى أليس من سابق من أوانه الحديث ديمقراطية تونس ومصر كبرايغم للمقارنة، قبل أن يتم استكمال تشكيل بنى مؤسسات الدولة الديمقراطية؟

أ‌- تونس الثورة:

يجمع الكاتبان أن محددات ما وقع تعود بالأساس إلى:

نهاية أسطورة الثنائية الاستبداد أو التطرف، من خلال حشد الدعم الخارجي، باستغلال الاسلاموفوبيا، وبالتالي نهاية مقولة أن قيم الإسلام تتعارض مع قيم الديمقراطية، كما شرح لنا ذلك هانتيكتون وآخرين من المنظرين الغربيين؛

مستوى تعليمي جيد ومتطور، جعل المواطنين التونسيين يدركون بين الخيارات الصائبة والخاطئة؛

إضعاف المؤسسات الوسيطة من خلال أولوية الاقتصادي على السياسي؛

ب‌- مصر الثورة:

مصر كتونس بالنسبة للكاتبين، لها محددات علت من الثورة ممكنة فيها من قبيل:

تزوير الانتخابات وصنع الخرائط البرلمانية؛

فشل مشروع التنمية الاقتصادية مما أدى إلى نسبة الفقر مرتفعة؛

الاستقواء بالخارجي من خلال تقديم قربان دعم إسرائيل والتنفيذ الحرفي لاتفاقية كام ديفد؛

من خلال ما تقدم حول السياق العام أود أن أتساءل مع الكاتبين من خلال هاتين التجربتين، وأعود لعشرين سنة من قبل حينما صدر كتاب تحت عنوان ديمقراطية بدون ديمقراطية، وهو مؤلف جماعي أشرف عليه "غسان سلامة"، وأذكر بالضبط مقالين لكل من جون واتربوري وجون ليكا، الذين أكد أنه يمكن من خلال المدخل الاقتصادي أن نحقق الديمقراطية، وخاصة في الجوانب المالية كالضرائب، لأساءل التجربتين متباينتين من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية، فتونس متطورة، ومصر متخلفة، وما عرفا من ثورات، وبالتالي مسألة محدد المتغير الاقتصادي كمتغير مستقل قادر على تحريك الديمقراطية كمتغير تابع؟ وبالتالي فشل هاته الأطروحة.

بخصوص نفس الكتاب وصفا الباحثين الأمريكي والفرنسي دول الخليج، وخاصة المملكات بدول "الملح" يكفي بعض الهزات من الأمطار لتذوب، في حين نرى أن الحراك الاجتماعية والثورات مست الجمهوريات في حين الملكيات بقيت صامدة. لأختم بنهاية وموت أطروحة ديمقراطية بدون ديمقراطيين، لأخلص أنه لا ديمقراطية بدون وجود ديمقراطيين.

التساؤل الثاني يكمن في بعض المفاهيم المستعملة، وخاصة مغزى علم الانتقال الديمقراطي العربي، هل ممكن أن نأدلج العلم، ونعود كما كان سابقا القول بأسلمة العلوم الاجتماعية وأسلمة مناهج العلوم الاجتماعي، وبالعودة لتجربة لانتقال الديمقراطي التي انتقلت منذ منتصف السبعينات، والتي مست دول جغرافيا متفرقة بين أوربا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ولم نسميها جغرافيا، كذلك مست أعراق ومذاهب وأديان مختلفة، ومع ذلك لم نسمي علميا تلك التجارب لا من حيث المذهب والانتماء ولا العرق ولا الدين، فكيف اليوم نسمي تجارب معينة، بالعلم العربي؟

مفهوم أخر أثارني ويكمن في ثورة الفل وثورة الياسمين التي أصبحت تلقب بها تجارب العالم العربي، وهي مفاهيم تنتمي للثورات المخملية التي عرفتها أوربا الشرقية والتي استطاع فيها المجتمع المدني أن يشكل قوة ضغط ل"رحيل" مجموعة من الديكتاتوريات، في بداية التسعينات، بالاعتماد على اعتصامات سلمية للإطاحة بالأنظمة التوتاليتاريا، كثورة الزهور بجورجيا، وثورة البرتقال بأوكرانيا، وثورة الأقحوان بقيزغيريا... هل يمكن القول أن تونس ومصر ينتميان لهذا الجيل من الثورات؟

المفهوم الأخر يمكن في مصطلح الموجة الرابعة، وبالعودة لأصل المفهوم نجده يتحدث عن موجات تبعثها، ردة ديمقراطية أو انتكاسة ديمقراطية، فالموجة الأولى ظهرت في أواسط القرن 19 إلى بداية القرن العشرين وعرفت الجزر 1920 إلى 1944، ثم المد من سنة 1945 بعد الحرب العالمية لثانية إلى 1962، والتي عرفت انتكاسة ديمقراطية منذ 1963 إلى غاية 1974، ولكن الموجة الثالثة انطلقت في ربيع 1974 بالبرتغال مع نظام سلا زار، وهنا أطرح سؤال متى وقع الجزر أو الانتكاسة حتى نتحدث عن الموجة الرابعة؟ فبالأحرى القول الانتماء للموجة الثالثة ولو بشكل نسبي متأخرين؟

ومن خلال هذه الأسئلة ألج للسياق الخاص المرتبط بالمغرب والذي يعكس الكتاب نقطتين فيه وهما حركة 20 فبراير وخطاب 9 مارس.

2- السياق الخاص

أ‌- حركة 20 فبراير:

نقاش حركة 20 فبراير لدى الكاتبين يجب أن ينطلق من خلال التصويت على دستور 1996، ثم مرورا بحكومة التناوب وتوقف مسلسل الانتقال الديمقراطي سنة 2002، وانتخابات 2007، وأخيرا 20 فبراير 2011 كمحطة تاريخ في المغرب.

مطالب حركة 20 فبراير حسب الكتاب تمزج بين مطالب مؤسساتية كمطلب الملكية البرلمانية، وشعارات كمحاربة الفساد والاستبداد والتي ترجمت على مستوى الأشخاص ممثلة في كل من فؤال عالي الهمة ومنير الماجدي، الأول يمثل الاستبداد السياسي والثاني الاستبداد المالي والاقتصادي.

كما أن الحركة سمحت لنا باكتشاف تلك القارة المعزولة والمسماة الشباب الذي يقدم بشكل كاريكاتوري وفق كليشيهات العزوف عن السياسة، وهي أكدت أن الشباب له طلب هائل على السياسة، من خلال الولوج للفضاء العمومي من خلال الفضاء الافتراضي، مستثمرة شبكات التواصل الاجتماعي.

وهي حركة ضد ممارسة الأحزاب السياسية التي ترتكن للغة الإشارات والرموز وأن الصراع ليس ضروريا تعبير عن لحظة تدافع وتدبير للنخب، بل الحركة استطاعت أن تولد لنا من جديد مجتمع مدني.

أطرح سؤالين بسيطين فقط في هذا الصدد للكتاب هل نحن أمام تشكل مجتمع مدني؟ أم تشكل سلطة مضادة جديدة في المغرب اسماها الرأي العام؟ وهل يمكن الآن تقييم وقراءة حركة 20 فبراير؟

ب‌- خطاب 9 مارس:

وهو نقاش أساسي حول الدستورانية المغربية في مستوين المستوى الشكلي ثم مستوى المضمون.

على مستوى الشكل:

تنصيب لجنة صياغة الدستور أعاد النقاش حول السلطة التأسيسية بالمغرب، والذي أطلق منذ حصول المغرب على الاستقلال، وصول إلى مرحلة الحوار بين القصر والمعارضة من خلال لغة الإشارات، والآن اللجنة كقفزة نوعية في التاريخ السياسي المغربي.

على مستوى المضمون:

يتناول الكتاب مسألة البيعة بالمغرب، ثم إمارة المؤمنين والتي لم تكن تحمل نفس الدلالات مع دستور 1962، والحديث اليوم عن الجهاز التنفيذي، بتنظيم سلطته من الداخل.

وأخيرا الملكية البرلمانية كنظام سياسي مؤسس من خلال ملكية دستورية، أي الملكية البرلمانية كتعاقد سياسي والملكية الدستورية كتعاقد دستوري، تسمح لنا الانتقال من الدستور المجازي وثنائيات الدستور المكتوب-العرفي، الضمني- الصريح، السفلي _ العلوي إلى الدستور الصريح والوحيد وهو الوثيقة المكتوبة وغير الخاضعة للتأويل فوق دستورية، ميتا دستورية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب