مدنسو بدلة المحاماة
مدنسو
بدلة المحاماة
يتابع الرأي العام الوطني أطوار المحاكمة التي تجري في
الدار البيضاء، والتي يتابع فيها المتهم توفيق بوعشرين بارتكاب جرائم تتصل بالتحرش
الجنسي والاغتصاب والاتجار بالبشر، اتجاه مجموعة من الصحافيات العاملات في مقاولته
الإعلامية، حيث وصلت الجلسات إلى عرض الفيديوهات التي ادعت السلطات العمومية أنها
كانت في حوزة المعني بالأمر لحظة اعتقاله، وهي تسجيلات صوت وصورة وصل عددها إلى خمسين
(50) فيديو يوثق الممارسات الجنسية مع الصحافيات سواء بشكل ثنائي أو ثلاثي، ومنها
تسجيل يوثق ممارسته للجنس مع امرأة حامل في شهرها التاسع وهي في نفس الوقت زوجة
صحفي يشتغل في نفس المؤسسة.
المستجد في هذه القضية هي خرجات وتصريحات بعض المحامين
الذين يدافعون على توفيق بوعشرين، وخاصة منهم المحامي "محمد زيان" الذي
وصف الفيديو المعروض في المحكمة بكونه لا يتعلق بموكله وتمادى إلى توصيف الوقائع
بألفاظ سوقية ومخلة بالحياء، لتاكيد ان الشخص الموجود في التسجيل ليس هو موكله.
يضاف إلى ذلك ما أصبح تتعرض له ضحايا المتهم من شهير
وسخرية تمس من كرامتهن، والصادرة دائما عن نفس المصدر، أي محامو توفيق بوعشرين،
بوصفهن أحيانا بالعاهرات او المجرمات، بل وصل السخافة الى طلب اسقاط حق مدني وهو
التقاضي عن ضحية بعد اعترافها بممارسة علاقة مثلية مع متدربة صحفية بالمؤسسة الإعلامية
تحت إكراه المشغل (المتهم)، ويدعي أصحاب هذه النظرية، كون "الشرع" لا
يعطي "للسحاقية" الحق في الشهادات.
ومن الممارسات الشاذة في اطوار المحاكمة هو تعالي هؤلاء
المحامون على الهيئة القضائية، سواء من خلال التنقيص من كفأتها بدعوتها (سير عاود
تقرا) أو المس بمصداقيتها واستقلاليتها،
بدعوى أن القضاة والنيابة العامة متآمرة مع جهات "خفية" لتوريط موكلهم،
وبمجرد انتهاء أي جلسة إلا وأصدروا الاحكام مسبقا ووزعوا البراءة هنا والاتهام
هناك.
كل هذه العناصر تجعلنا أمام جيل جديد من المحاميين، جيل
يجعل من تسفيه وتمييع القضية والمس بصورة المرأة والضحايا سلاح الدفاع عن موكلهم،
حتى وإن كان على حساب الضحايا والمؤسسات، جيل لم يستفد من الأجيال السابقة من رجال
ونساء المحاماة الذين كانوا يتسلحون بالمادة القانونية والحجة بالحجة في قالب من
فن البلاغة والخطابة، يخرجون موكلهم من القضية منتصرا حتى لو أدانه القضاء.
لقد أضحى الحضور الإعلامي للدفاع في مواقع التواصل
الاجتماعي والاعلام هاجسا، وإن اقتض الامر تمريغ البدلة في الوحل، فالتسابق على
"الكاميرات" جعل البعض ينزلق في انتهاكات حقوقية وقانونية، فما معنى ان
تصدر تصريحات تصف بعض لقطات الفيديوهات توصيفا دقيقا؟ وهي جلسات محفوظة بالسرية
صونا لكرامة الضحايا وصونا لكرامة المتهم في حالة تبرأته.
وفي هذا الاطار فإن المنتظم الدولي انتبه الى الدور
المحوري للمحامي في إرساء العدالة، ولكن ألزمه باحترام مهنته، لهذ أصدرت الأمم
المتحدة مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين سنة 1979، وفصلت
عنها باب خاص ب"المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين" المعتمد من قبل مؤتمر
الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين لسنة 1990، حيث تنص المادة 12 منه على "يحافظ
المحامون، في جميع الأحوال، على شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في
مجال إقامة العدل" وتضيف، "يسعى
المحامون، لدى حماية حقوق موكليهم وإعلاء شأن العدالة، إلى التمسك بحقوق الإنسان
والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم
في جميع الأحوال حرة متيقظة متماشية للقانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة
القانون."
ودعت "المبادئ الأساسية" الهيئات المهنية
للمحامين إلى "توعيتهم إلى المثل والواجبات الأخلاقية للمحامين وإلى حقوق
الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والدولي"، وهنا
يطرح سؤال عن دور هيئات المحامون بالمغرب في التعاطي مع هذه الإشكاليات الدخيلة على
جسم المحاماة.
إن المطلب الأساسي الذي طالما دعت اليه الحركة الحقوقية
والجمعيات المهنية في مجال القانون والقضاء والمتعلق بتخليق القضاء، لكونه من
ركائز استقلالية السلطة القضائية في المغرب، يتكرر مرة أخرى ولكن في اتجاه اخر،
ويطالب بتخليق المحاماة.
ختاما، إن الشوائب التي طفحت في قضية توفيق بوعشرين، غير
معممة على جسم المحاماة، إذ لازال هناك من المحامون والمحاميات المتشبثون بأهداف
ونبل المهنة أخلاقيا وممارسة، ولكن السكوت عنها قد يجعلها قاعدة وممارسة مقبولة،
خاصة أمام صمت القضاة في هذه النوازل.
AZIZ IDAMINE
تعليقات