جهل الرميد بالدستور يقبر "خطته"
جهل الرميد بالدستور يقبر "خطته"
عزيز إدمين
وضعت الحكومة، في شخص وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان،
مشروع خطتها ذات الصبغة الوطنية، في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، وما رافق ذلك
من مطالب الجمعيات الحقوقية بأن تتضمن الحريات الفردية والحقوق الاساسية، والتي
دفع بها السيد مصطفى الرميد الى كونها "قضايا خلافية".
قبل أيام وجهت الوزارة المعنية مراسلة الى عدة هيئات
مدنية ومؤسسات وطنية ودستورية تطالب فيها بإبداء الرأي والملاحظات حول ما أسمته
"ألية التتبع ومواكبة تنفيذ الخطة"، وهو عبارة عن رزمة من الاجراءات
التنظيمية والادارية التي تسمح بتتبع وتقييم تنيفذها، ومن أبرزها تشكيل "لجنة
وطنية رفيعة المستوى" تضم في عضويتها كل من "البرلمان"، المؤسسات
الدستورية المعنية بالحكامة والضبط والتقنين، وحقوق الانسان والديمقراطية
التشاركية، بالاضافة الى القطاعات الحكومية المعنية والمجتمع المدني، وستنظم
مهامها واختصاصاتها وتركيبها بمقتضى "مرسوم".
وفي هذا السياق نذكر بكون الدستور المغربي من خلال
الفصلين 71 و72 يمييز بين المجال التشريعي الذي يختص به البرلمان، والمجال
التنظيمي الذي يختص به رئيس الحكومة ويمارسه بمقتضى مراسيم.
إن تشكيل اللجنة السالفة الذكر بمقتضى مرسوم، أي إدخالها
في إطار المجال التنظيمي والمجال الاداري لرئيس الحكومة، فإنه يمس في العمق بمبدأ
استقلالية السلط، وعدم تطاول الحكومة على البرلمان والقضاء والمؤسسات الدستورية
الاخرى.
فضم اللجنة في عضويتها أعضاء من البرلمان، يطرح سؤال:
كيف سوف يتم انتخاب أو تعيين ممثل هذه المؤسسة في هذه اللجنة؟ ألا يقتضي ذلك تعديل
في النظاميين الداخليين لمجلسي البرلمان؟ وهل توجد في المغرب مؤسسة أو لجنة وطنية
مشكلة من الحكومة والبرلمان والمؤسسات الوطنية مشكلة بمقتضى مرسوم؟ مما يؤكد أن
هذا المرسوم المرتقب مشوب بعيب دستوري ومخالف له، لان مجال تشكيل لجنة بهذه
الاختصاصات وبهذه العضوية تدخل في مجال القانون أي الفصل 71 من الدستور وليس المجال التنظيمي.
أما بخصوص عضوية المؤسسات الوطنية، نحيل على قرار المجلس
الدستور الذي رفض النظام الداخلي لمجلس النواب، حيث ورد فيه امكانية حضور رئيس
المجلس الوطني لحقوق الانسان إلى أشغال الجن البرلمانية لمناقشة الميزانية المخصصة
لمؤسسته عوض الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.
إن هذا العيب الدستوري، والذي يؤكد استحالة تشكيل هذه
اللجنة الوطنية "الرفيعة المستوى" والمشكلة من هذه المؤسسات، تعكس
اللخبطة والتسرع في إخراج الخطة الوطنية، رغم الامكانيات المالية الضخمة المخصص
لذلك، سواء على مستوى "الخبراء" أو على مستوى الاستشارات التي قامت بها
الوزارة.
ومع ذلك فإن للحكومة أن تشكل هيئات تشاور وتتبع وتقييم
مشكلة من القطاعات الوزارية والفاعليين الاجتماعيين والمدنيين بمقتضى الفصل 13 من
الدستور، دون أن تكون في عضويتها لا البرلمان ولا المؤسسات الوطنية.
عدم الامكانية هاته تترجم أيضا مضامين الخطة التي لا
يمكن تحقيقها لا على المدى البعيد ولا على المتوسط، للاعتبارات التالية:
الخطة الوطنية ما هي إلا تجميع عدة أنشطة واردة في
البرنامج الحكومي، وبرامج القطاعات الحكومية، بدون أي إبداع أو إضافات أو تنسيق أو
انسجام، مما يجعلنا أمام برنامج حكومي جديد موازي للتصريح الحكومي، وترتبط هذه
النقطة بمبدأ المسالة الحكومية، فمن المسؤول وعلى ماذا؟ هل هو رئيس الحكومة أو
وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان؟ وهل موضوع المسألة سيكون التصريح الحكومي أم
الخطة؟
تحميل الخطة أكثر من حجمها، حيث تضم تعهدات غير مرتبط
باشكاليات منظومة حقوق الانسان، فالحق في الصحة أو الحق التعليم أو الحق السكن ورد
كأنه التزام حقوقي في حين لا يعدو أن يكون التزام سياسي أو انتخابي، الكل متفق
عليه ولكن يبقى فقط الاختلاف في التقدير والتنفيذ والأجرأة؛
تحول قضايا حقوقية اساسية إلى قضايا خلافية ضد توصيات
هيئات الانصاف والمصالحة، فإلغاء عقوبة الاعدام مثلا، ورد بشكل صريح كالتزام
الدولة ككل من خلال التوصيات الوجهية لعمل الهيئة، وعوض فتح النقاش حول اليات
الالغاء وسبل التدرج من أجل ذلك، فقد أعادها الوزير إلى نقطة الصفر كخلاف بين
المؤيد والرافض.
جعل الوزير من الخطة كسقف للعرض الحكومي، في حين أن
الحركة الحقوقية ترى فيها مجرد حد أدنى الممكن بينها وبين الحكومة، وبالتالي فقبول
التدابير الواردة، لا يعفي النشطاء من الاستمرار في الترافع والاشتغال على النصف
الثاني من الكأس الذي لا زال عالقا.
وأخير، فقد تموقع السيد الرميد كطرف مجتمعي، وليس كحكومة
لجميع المغاربة حاضنة لكل النقاشات والمقترحات والاشكاليات التي تطفو على سطح
المجتمع، فتصريحاته وحسمه بشكل مطلق في القضايا "الخلافية" يطرح سؤال:
ما الجدوى من النقاش مع حكومة عبرت عن موقفها الرسمي من هاته القضايا.
من خلال كل ما سبق، فإن تفعيل الخطة يبقى من الصعوبة
بمكان لا على مستوى اليات التنفيد غير الدستورية، لا على مستوى حجم التزماتها ومضمونها.
Aziz IDAMINE
تعليقات