أحزاب بالتبعية
أحزاب بالتبعية
موقفان ناذران لن تجدهما في أي بقعة في العالم إلا في
مشهدنا السياسي، حزب التجمع الوطني للاحرار ذي النزعة الليبرالية وحزب رجال
الاعمال، أعلن إبان تشكيل حكومة السيد سعد الدين العثماني أنه متمسك وداعم لحزب
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذي المرجعية الاشتراكية العلمية، بل وقدم
مساندة قوية له أثناء الانتخابات الجزئية الاخيرة في كل من من كرسيف والناظور حتى
يحافظ (الاتحاد) على فريقه النيابي بمجلس النواب.
صرح السيد سعد الدين العثماني أمين عام حزب العدالة
والتنمية، الحزب ذي الخطاب الاسلامي والمرجعية المحافظة، على تمسكه وباحتفاظه
بالوفاء تجاه حزب التقديم والاشتراكية (الحزب الشيوعي السابق) في سياق التعديل
الحكومي المرتقب.
موقفان يعكسان قيمة "القيم" داخل الاحزاب
ومنطلقاتها السياسية من جهة، ومن جهة أخرى "انحطاط" المشهد الحزبي
ببلادنا.
سبق للباحث السوسيولوجي "كلود بالازولي" أن كتب في السبعينيات
القرن الماضي مقالا تحت عنوان "الموت
البطيء للحركة الوطنية المغربية"، انطلاقا من مجموعة من النظريات التي ظهرت في الولاية المتحدة الامريكية أنذاك، وتتبنى
فكرة "الانحطاط"، ، وتقول هذه
النظريات، بكون تدني نسبة المشاركة السياسية والانتخابية، وتراجع مؤشرات ممارسة
المواطنة، وتكاثر القلاقل والتطاحنات داخل الدولة، يعود بالأساس إلى عامل
"انحطاط" الأحزاب السياسية، مما قد يؤدي إلى موتها البطيء داخل مؤسسات
الوساطة والتمثيلية، من قبيل البرلمان، و"انحطاط" هذا الأخير أيضا (أي
البرلمان)، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات وفي الدولة . بالإضافة إلى ذلك
تقول هذه النظريات ب"انحطاط" النخب الحاملة لمشروع بدائل الازدهار
الوطني.
نسترجع هذه "المقال" للحديث عن مأل الاتحاد
الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذين فقدا هويتهما الايديولوجية والسياسية من أجل
"تاكتيكات" حزبية للحصول على بعض الحقائب الوزارية، والارتماء في أحزاب
كانت قبل زمن قصير "عدوة" وتشكل "تناقض رئيسي" معها، فالاتحاد
هاجم بقوة طيلة مساره أحزب الإدارة والتي اكتوى بنارها وعلى رأسها التجمع الوطني
للاحرار، والتقدم والاشتراكية بنى أطروحته "الشيوعية" على مناهضة
"الرجعية" و"الظلاميين" وعلى رأسهم التيار الاسلامي.
مستوى انحطاط هذه الاحزاب، التي كانت ترفض التبعية
للادارة أو الدولة، وصل الى مستوى "التبعية" لاحزاب بعينها، بل وتماهت
معها حتى لم نعد نميز بين الاسلامي والليبرالي واليساري، ويبقى التمييز فقط بين
أغلبية حكومية أومعارضة برلمانية، في قتل تام للمعاني الأيديولوجية أو السياسية
كقيمة القيم،
سابقا كانت الاحزاب السياسية تنعث بأحزاب القصر أو أحزاب
الادارة نظرا لتبعيتها لهاتين الجهتين، اليوم أصبحنا أمام مسخ جديد يكمن في تبعية
حزب لحزب أخر.
تعليقات