التعذيب بين ميزان "الزفزافي" و"مجلس حقوق الانسان"
التعذيب بين ميزان "الزفزافي" و"مجلس
حقوق الانسان"
صرح ناصر الزفزافي الناشط بحراك الحسيمة، أمام المحكمة
بأنه تعرض للتعذيب، واصفا إياه بأدق تفاصيل ما حدث، بإدخال "أصبع" في دبره وصولا الى ادخال "عصا" ونزع
سرواله، وذلك أثناء إلقاء القبض عليه، وتعليقا على هذا التصريح، عقب الامين العام
للمجلس الوطني لحقوق الانسان لجريدة أحبار اليوم أن "المجلس يتابع الموضوع
منذ توقيف الزفزافي الى أخر جلسة استماع إليه،وأن المجلس سيقدم تقريرا شاملا بعد
انتهاء المحاكمة، أما قبل ذلك فلا يمكن التعليق".
إن موقف المجلس الوطني لحقوق الانسان، لم يجانب الصواب
فقط بل تعداه للمساهمة في التستر على جريمة يمكن أن تكون "قد وقعت"،
وهنا نمييز بين مستويين.
المستوى الاول والمتعلق بملاحظة المحاكمة، والتي تقتضي
أن تبتدأ منذ لحظة الاعتقال بحيثياتها وصولا الى صدور حكم نهائي في القضية، وطبيعي
جدا أن لا يصدر أن تقرير نهائي إلا بعد انتهاء جميع المراحل، ومع ذلك يمكن للجهة
التي تقوم ب"الملاحظة" أن تصدر تقاريرا مؤقتة أو جزئية، وهو ما عمل به
المجلس الوطني لحقوق الانسان عندما أصدر تقريرا أوليا أثناء ملاحظته للمحاكمة
العسكرية لأكديم إزيك. وللإشارة فبعض التجارب الفضلى تجاوزت الملاحظة الى
المراقبة.
والمستوى الثاني، وهو مرتبط بالمحاكمة، ولكنه منفصل عنها
في نفس الوقت، ويتعلق بحالات محددة، كحالة ادعاء التعذيب، والتي يجب أن يفتح لها
ملف مستقل عن الملف الاصلي، والتدخل الاني والعاجل، والسبب يعود لكون التعذيب أولا
جريمة، وثانيا يمكن أن في حالة وجوده أن تلغي جميع المساطر والشكليات والموضوعات
اللاحقة، وإلا ما هي قيمة التقرير النهائي والشامل في حالة ما إذا ثبت وجود
التعذيب ولكن في نفس الوقت صدر حكم نهائي؟ فهل يمكن سيكون المطلوب إعادة المحاكمة
أم اللط على الخذ؟
بالعودة للمعايير الدولية، فإن مطالبة مؤسسة أو هيئة
حقوقية بإيقاف متابعة شخص، أو إطلاق سراح شخص ما رغم صدور حكم قضائي نهائي، أمر
عادي ومطلوب ومعمول به، ولا يمس أبدا
باستقلالية القضاء، فالفريق العامل لدى
مجلس حقوق الانسان بجنيف، المعني بالاعتقال التعسفي سبق وأن طالب مرات عديدة
السلطات المغربية باطلاق سراح شخص متابع أو شخص سبق و أن صدر في حقه حكم نهائي،
لكون هذه الحالات التي تبناه، تولدت لديه القناعة أنها كانت اعتقالات تعسفية، إما تجاوز
مدة الحراسة النظرية أو عيب على مستوى مسطرة الاعتقال، وطالبت بتعويضهم على الضرر
الذي لحق بهم، كما أن لجنة مناهضة التعذيب
والمقرر الخاص المعني بالتعذيب سبق لهما أن طالبا المغرب باطلاق سراح شخص معتقل
نظرا لكونه تعرض للتعذيب وأن اعترافاته "يمكن" أن تكون انتزعت منه نتيجة
لذلك، وأكثر من ذلك فقد تدخل الهيئات الحقوقية الحكومية منها وغير الحكومية، في
عمل السلطة التنفيذية ، حيث طالبت بعدم ترحيل شخص ما إلى دولته لكون هناك 'احتمال'
تعرضه للتعذيب.
ولجنة التعذيب مرة أخرى والفريق العامل المعني بالاختفاء
القسري طالبا أكثر من مرة السلطات المغربية بإعمال مسطرة الانتداب القضائي في شأن
ملف المهدي بن بركة.
وهناك سابقة للمجلس الوطني لحقوق الانسان، وتتعلق بوفاة
"كمال العماري"، حيث قدم "وثيقة" سماها تقريرا وطنيا إلى
البرلمان بغرفتيه، واعتبر المجلس ان وفاة "العماري" كانت بسبب الاستعمال
المفرط للقوة، كما وجه نسخة منه الى وكيل العام للملك، وفي حينها وإبانها كان ملف
"الشهيد" أمام القضاء.
إن كانت تقارير
المجلس الوطني لحقوق الانسان لا تحمل الصبغة القضائية، وبالتالي لا يمكن المتابعة
على ضوئها، ولكنها تقارير مكملة ومعززة
للمساطر القضائية، ويمكن لدفاع ناصر الزفزافي أن يطالب ويتشبث بضم التقرير الذي
سبق وأن أنجزه المجلس الى ملف القضية، باعتباره وثيقة رسمية صادرة عن هيئة
دستورية، بل ويمكن استدعاء رئيس المجلس لإدلاء بإفاداته على ذلك.
أما بدعة عدم التدخل في شوؤن القضاء، فإنها ضلالة،
فالقضاء لا يتأثر الا بالوثائق الوقائع والاحداث التي تقع أمامه، ومن بينها ما
يصدر عن مؤسسات الدولة، وإلا قلنا أن المجلس الاعلى للحسابات يؤثر على القضاء،
ومؤسسة وسيط المملكة عندما تكون مقرراتها ذات صبغة شبه قضائية فإنها توجه القضاء.
حقوق الانسان كثلة لا تتجزء، كما أنها غير خاضعة لميزان
التقلبات الجغرافية السياسية والاجتماعية.
تعليقات