نقاش الجنس والمثلية والعقيدة في المغرب
نقاش الجنس والمثلية والعقيدة في المغرب
عزيز ادمين
أثير نقاش من جديد حول الحريات الفردية، سواء
العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين، أو حرية المعتقد، أو حقوق المثليين...
وهذه المرة من داخل مكونات الأغلبية الحكومية، فوزير العدل، محمد أوجار، اعتبر أن
"العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين بدون عنف لا تعني المجتمع، لكن يجب
احترام الآخرين عند ممارستها"، فيما ذهب مصطفى الرميد، في تصريح سابق، إلى أن
"المثلية ليست حقا من حقوق الإنسان، وهي افتراء على حقوق الإنسان"،
وأضاف، في ندوة وكالة المغرب العربي للأنباء، أن وزارته "غير معنية بإدارة أي
حوار حول المساواة في الإرث"، وأن "من حق أي شخص أن يعتنق الديانة التي
يراها مناسبة، لكن لابد من التوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك"،
محذرا من "استفزاز المجتمع".
مقابل ذلك، قال نور الدين عيوش، رجل الأعمال
والناشط الجمعوي، من رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المعرض الدولي للنشر
والكتاب: "نريد إقرار حرية الأجساد، والمثلية الجنسية ليست مرضا وإنما
اختيارا"، مبرزا أن المثليين، الذين قال إنهم كانوا حتَّى في زمن الرسول
محمد، يجب أن يُحترموا، معتبرا أنه "من الضروري تدخل الملك لإقرار الحريات
الجنسية والدينية في المغرب، لأن تدخله في هذا الملف لن يكون متعارضاً مع الملكية".
نعود إلى هذا النقاش الذي أصبحت فيه الحريات الفردية على أجندة الفاعل الحقوقي الوطني والدولي، وأولوية في سياق حماية الحياة الخاصة، وسبق لجمعيات مغربية أن قدمت دراسات وأبحاثا حول الموضوع، منها دراسة أنجزتها "جمعية عدالة" في يونيو 2013، وتوصلت إلى ملحاحية إلغاء التشريعات الجنائية، التي تجرّم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار مؤسسة الزواج، ومنع التعدد، وإقرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
هذه المواقف المتباينة تدفعنا إلى مساءلة "العقل المغربي المحافظ"، الذي يرفض المساس ببعض التصورات عن المجتمع، بغض النظر عن أن هذا المجتمع تجاوز واقعيا وممارسة هذا النقاش، وأصبحت العلاقات الرضائية بين الراشدين "واقعا"، ووجود أقلية مثلية "واقعا"، ووجود من اعتنق ديانات أخرى غير الإسلام أو لا دينيين "واقعا".
نستحضر تصريحا كان الفقيه أحمد الريسوني، الذي رفعه بنكيران إلى درجة "مفتي"، أدلى به سنة 2013، قال فيه "الواقع العالمي والواقع المغربي لم يعد ممكنا فيه القول إن هذا مجتمع مسلم سني مالكي مغلق، فهذا غير موجود، لا في السعودية ولا في مكة المكرمة، في مكة يوجد ملحدون ويوجد شواذ، وفيها تم اعتقال شابين يتزوج أحدهما الآخر جنب بيت الله الحرام. في كل مكان اليوم يوجد كل شيء".
نعود إلى هذا النقاش الذي أصبحت فيه الحريات الفردية على أجندة الفاعل الحقوقي الوطني والدولي، وأولوية في سياق حماية الحياة الخاصة، وسبق لجمعيات مغربية أن قدمت دراسات وأبحاثا حول الموضوع، منها دراسة أنجزتها "جمعية عدالة" في يونيو 2013، وتوصلت إلى ملحاحية إلغاء التشريعات الجنائية، التي تجرّم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار مؤسسة الزواج، ومنع التعدد، وإقرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
هذه المواقف المتباينة تدفعنا إلى مساءلة "العقل المغربي المحافظ"، الذي يرفض المساس ببعض التصورات عن المجتمع، بغض النظر عن أن هذا المجتمع تجاوز واقعيا وممارسة هذا النقاش، وأصبحت العلاقات الرضائية بين الراشدين "واقعا"، ووجود أقلية مثلية "واقعا"، ووجود من اعتنق ديانات أخرى غير الإسلام أو لا دينيين "واقعا".
نستحضر تصريحا كان الفقيه أحمد الريسوني، الذي رفعه بنكيران إلى درجة "مفتي"، أدلى به سنة 2013، قال فيه "الواقع العالمي والواقع المغربي لم يعد ممكنا فيه القول إن هذا مجتمع مسلم سني مالكي مغلق، فهذا غير موجود، لا في السعودية ولا في مكة المكرمة، في مكة يوجد ملحدون ويوجد شواذ، وفيها تم اعتقال شابين يتزوج أحدهما الآخر جنب بيت الله الحرام. في كل مكان اليوم يوجد كل شيء".
كما كتب الفقيه نفسه مقالا حول إثبات البنوة في
علاقة جنسية خارج إطار الزواح، بالاعتماد على الخبرة الطبية الجينية، واعتبر في
إطار "نظرية التقريب والتغليب" أنه "في (نازلة المحكمة الابتدائية
بطنجة) أصبحنا أمام معطى جديد تماما، لم يعلمه فقهاؤنا ولم يتكلموا فيه، ولم
يحسبوا حسابه، وهو إمكانية التحقق العلمي الجازم من نسبة المولود، من خلال
التحليلات الطبية اليقينية. فلو أنكر الزاني، فإن الكلمة تكون للخبرة الطبية متى
كانت قطعية الإثبات".
في هذا السياق نسجل الملاحظات التالية:
عندما يتحدث الفقيه أو الداعية عن احترام الحريات
والحقوق، مرشوش بنوع من توابل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تُستقبل على
أنها اجتهادات منفتحة ومتطورة، وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ونفس الحريات
والحقوق عندما يطالب بها فاعل مدني أو ناشط حقوقي، باعتبارها مرجعية كونية لنبل
قيم الإنسان، بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، تُستقبل على أنها استنساخ للغرب
واستلاب لأفكار "الكفار".
اللغط بين المحافظين الإسلاميين والحداثيين ينحصر دائما في المرأة والجنس، وكأن "العقل الإسلامي" لا يفكر إلا في "الفرج"، ولا يتعامل بنفس التعصب الديني مع قضايا أخرى بنفس المنطق، كإلغاء عقوبة الإعدام، والإفطار في رمضان الذي اعتبر الإسلاميون أنه لا ضرر فيه، فقط أن يكون داخل البيوت، وكذا عدم تشبتهم بالحدود في قضايا قطع اليد والجلد والربا...
اللغط بين المحافظين الإسلاميين والحداثيين ينحصر دائما في المرأة والجنس، وكأن "العقل الإسلامي" لا يفكر إلا في "الفرج"، ولا يتعامل بنفس التعصب الديني مع قضايا أخرى بنفس المنطق، كإلغاء عقوبة الإعدام، والإفطار في رمضان الذي اعتبر الإسلاميون أنه لا ضرر فيه، فقط أن يكون داخل البيوت، وكذا عدم تشبتهم بالحدود في قضايا قطع اليد والجلد والربا...
"المخيال الذهني للإسلامي" يتمثل دائما في
ثنائيات، الأبيض أو الأسود، الجنة أو النار، الإيمان أو الكفر، ملائكة أو شياطين،
المسجد أو الحانة، ما يجعل الآراء والأفكار تصنف في إحدى الخانتين، معنا أو ضدنا،
بينما الحياة مزهوة بالألوان، ومتعددة المعتقدات ومختلفة المذاهب داخل الدين
الواحد، وبين الملائكة والشياطين هناك بشر متنوع بانتماءاته المذهبية والعرقية والدينية،
وفي الشارع توجد، بجوار أماكن العبادة، معامل ومسارح ودور السينما والمقاهي
والإدارات العمومية... وليس فقط الحانات.
أثبت التاريخ أنه لا يعود للخلف، فقد تطفو في
مراحل معينة على سطح المجتمع مظاهر ما، خاصة في اللباس وإطلاق اللحي وانتشار
العربات المجرورة لبيع المسك وكتب "عذاب القبر"، لكنها لا تستطيع أن
تؤثر على التحولات في بنية المجتمع، بتفكيك بنية الأسرة النووية والأسرة الأبوية،
إلى معالم أسرة جديدة نيو-باتريمونالية. كما أن الدولة التي تطورت منذ عصر الأنوار
تسير في طريق مستقيم في أفق تجاوز الدولة الحديثة إلى بناء نموذج آخر يستجيب
للمتغيرات الدولية، من عولمة الاقتصاد والسياسة والثقافة وحقوق الإنسان وعولمة
الإنسان كذلك. فالقول بأن مظاهر التدين المكتسحة في الشارع مؤشرات على قرب
"دولة الخلافة"، هو قول واه، أفلا يلاحظون أن حتى كبريات دور الأزياء
العالمية تعود للباس ستينيات القرن الماضي وحتى في القرون الوسطى، من أجل إعادة
إحيائه لاعتباره "موضة العصر".
AZIZ IDAMINE
تعليقات