قهوة الرميد: نص نص
قهوة الرميد: نص نص
****
لم يجد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان السيد مصطفى
الرميد، من استعارات لتوصيف حالة حقوق الانسان ببلادنا، سوى القهوة والحليب، وأن
الوضع يقاس بكمية كليهما، وأن المغرب في وضع قهوة "نص نص".
قبيل طرحه لنظريته "نص نص" في إطار الندوة
المنظمة من قبل المنظمة المغربية لحقوق
الانسان، الأسبوع الماضي حول "الخطة الوطنية للدميقراطية وحقوق
الانسان"، صرح بكونه "رغم ممارسته المحاماة منذ 1984 ودخوله لغمار
البرلمان ثلاث ولايات تشريعية، وحمله لحقيبة وزارة العدل، إلا أنه في حاجة إلى
اكتشاف ومعرفة أشياء كثيرة في مجال حقوق الانسان، وأنه على استعداد للتعلم".
وهو على صواب في ذلك.
تسعى الحكومة المغربية مؤخرا في الجواب وتفنيد ما
تحتويها بعض تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، إلى اعتماد مبدأ القياس الكمي،
بتقديم الحصيلة القانونية والممارسة الاتفاقية وعدد الحالات التي سمح السلطات
بممارسة بعض الحقوق، كالقول بكون عدد التظاهرات التي عرفها المغرب بلغ 1000 وقفة
ومسيرة، وان السلطات لم تتدخل إلا في 300 تظاهرة غير مرخص لها، أن عدد الصحفيين
المتابعين قضائيا لا يتعدى صحفي أو اثنين أمام أزيد 2000 صحفي يمارس مهامه يوميا
بشكل حر، وأن حالات التعذيب في المغرب معزولة وغير ممنهجة والقضاء فتح تحقيق بخصوص
حالات الادعاءات ... وغيرها من المبررات التي تهدف إلى تزيين "الوجه
الحقوقي" ببلادنا.
وهي مقاربات خاطئة في المنطق الحقوقي، فتسجيل حالة تعذيب
واحدة، أو منع تظاهرة واحدة، أو اعتقال صحفي واحد ... يمكن أن يهدم مسار طويل من
الإنجاز والمكتسبات، فالحقوقي كالصحفي، لا يوثق لا يهمه القطار يصل يوميا في وقته
بل يهمه القطار الذي تأخر عن موعده، من خلال عملية الرصد والتقصي، لان نقطة واحدة
"سوداء" تبقى مسجلة في السجل "الأبيض" للدولة.
أما مسألة التقدم والتراجع في مجال حقوق الانسان، كما
وردت في مداخلة السيد الوزير، فهي طبيعية جدا، لكون مسارات التطور والتقدم في
الكون، في جميع المجالات، لا تتخذ خطا مستقيما، بل دوائر حلزونية، والاختلاف في
تقييم وضعية حقوق الانسان في الدول الديمقراطية ودولة غير الديمقراطية، مرتبط
التقييم بمركزية حماية الحقوق والحريات في بينة الدولة، فالدول الديمقراطية عند
رصدها لحالة انتهاك معين، تستنفر كل إمكاناتها المادية والمعنوية والفاعلين من أجل
معالجة المشكل في جوهر، أما الدولة غير الديمقراطية فهي إما تبحث لتبرير ذلك
الانتهاك، أو تقديم حل ترقيعي أني وسريع.
ومثال على ذلك، قرار المحكمة الاوربية لحقوق الانسان
والمتعلق بزواج المثليين بفرنسا، (وهو القرار الذي يحب السيد الوزير دائما تقديمه،
إلا أنه يقدم بقراءة مغلوطة)، فعندما انتبه المسؤولين الأوربيين، لكون القانون
الفرنسي لا يسمح بزواج شخصين من نفس الجنس ولكنه يضمن ويحمي فقط التعايش فيما بينهما
بينهما، سارع المشرع الفرنسي سنة 2013 لتعديل القانون، ونظم التلفزيون الرسمي نقل
مباشر لأول زواج بفرنسا، فأغلق القوس نهائيا، واليوم نقرأ قبل أسبوع تصريح لمنير
المحجوبي، الوزير الفرنسي من أصول مغربية، في حوار أجرته معه مجلة ” باري ماتش ”
الفرنسية الشهيرة، عن هوية “شريكه في الحياة” وهو شاب يدعى “ميكائيل جوزيفويتش
،”بعدما كان قد أعلن مثليته قبل مدة.
ملاحظة لا بد من إثارتها، وهو الدفاع المفرط للوزير عن
الخطة الحكومية للديمقراطية وحقوق الانسان، مرتبط أساسا بكونها هي العمل الوحيد
للسيد الوزير، وبدونها فإنه سيكون في حالة عطالة، وهو عكس ما صرح به مرارا بكون
وزارته معنية بكل المجالات وتتدخل في كل القطاعات، ومع ذلك ومن خلال تتبع تعاطي
السيد الرميد مع الخطة، فإن مصيرها سيكون ثلثي زمنها في التعريف بها ونشرها، الثلث
الأخير من ومنها في التفكير في تنفيذها، وهو ما سيحول الخطة من "رزمة من
الاليات والتدابير" إلى "كثلة من الأفكار".
وفي الختام، نوجه للسيد الوزير نصيحة طبيعة، بعدم مزج
القوه مع الحليب لانها مضرة بالصحة، إما يشرب القهوة وحدها أو الحليب وحده.
AZIZ IDAMINE
تعليقات