تدبير مشين للمهاجرين





تدبير مشين للمهاجرين


أقدمت السلطات المحلية لمدينة طنجة على نقل مئات المهاجرين من دول جنوب الصحراء من المدينة وتوزيعهم على مجموعة من مدن المغربية المتواجدة بسوس.
الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تبين حجم الإهانة التي تعرض لها هؤلاء المهاجرون، ودس كرامتهم في الأرض من خلال النقل الجماعي مصفدي الايادي بالأغلال البلاستيكية.
أطلق المغرب سياسة جديدة في مجال الهجرة أواخر سنة 2013، وذلك تحت مباركة ملكية، الذي اعتبرها، في إطار توجيهاته إلى الحكومة بتاريخ 17 يوليوز 2014 : "التزاما ثابتا وراسخا للمملكة للعمل من أجل خدمة افريقيا والمساهمة في تنميتها والنهوض بحقوق الإنسان بها"، بل إن ملك البلاد جعل من السياسة الجديدة في مجال الهجرة عصب خطابه في القمة 29 لقادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا التي دعا فيها إلى "انبثاق رؤية إفريقية مشتركة وبلورة أجندة إفريقية حول مسألة الهجرة" .مما أدى بمجموعة من الدول الافريقية إلى الإشادة بهذا النموذج الفريد في التعاطي الإنساني مع رعاياها في بلاد المغرب.
بالعودة إلى موضوع تدبير تواجد المهاجرين الحالمين بالمرور إلى الفردوس الاوروبي بمدينة طنجة، وهو تدبير هيمن عليه مقاربة أمنية صرفة، تبتغي تشتيتهم في عدد من المدن البعيدة والمتفرقة، حتى لا يبقى بينهم تنسيق ميداني وأيضا وضع عراقيل متوسطة المدى لا تسمح لهم بالعودة إلى طنجة وبالتالي تحقيق حلم الهجرة إلى الشمال، فإن هذا التدبير يطرح ثلاث إشكاليات:
إشكالية العلاقة مع افريقيا، القارة الجريحة بالحروب الاهلية والفقر وانتشار الأوبئة والامراض، والتي دخل المغرب محفلها الدولي من خلال المصادقة على ميثاق الاتحاد الافريقي، وأصبح المغرب عضوا مهما داخله ورقم صعب في معادلة أجهزة وأروقة الاتحاد.
كان هاجس المغرب أن لا يعود إلى كرسيه بالاتحاد الافريقي بيد فارغ، بل برزمة من الإجراءات والاستراتيجيات والاجندات، وأهمها المصالحة مع أهل الدار الافارقة بنهج سياسية جديدة في مجال تسوية وضعية المهاجرون من دول جنوب الصحراء وفق مقاربة انسانية وحقوقية، وهو تدبير يسر للمغرب أن يجد محاورين ومساندين وداعمين لقضيته الوطنية المتعلقة بالصحراء المغربية.
اليوم عندما ترى منظمات حقوق الانسان الافريقية وأيضا عائلات وأسر المرحلين من مدينة طنجة إلى الجنوب المغربي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر التقارير الميدانية المنجزة من قبل الهيئات غير الحكومية، فأكيد يتولد شيء من الحقد والكراهية تجاه هذا البلد، خذلهم بمجرد أنه جلس على كرسيه داخل الاتحاد الافريقي، وهذا طبعا يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على حكومات هذه البلدان.
الإشكالية الثانية، وتتعلق باستضافة المغرب للمؤتمر الدولي للهجرة لسنة 2018 ، والمعروف بالمؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، في شهر دجنبر المقبل، وهي محطة تم اختيار المغرب من قبل  الجمعية العامة للأمم المتحدة لذلك، كما سيعرف نفس الشهر عقد المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، الذي يتولى المغرب وألمانيا رئاسته المشتركة، والذي ستنعقد قمته الـ11 بمراكش أيضا.
مما يطرح سؤال حقوق المهاجرين بين التسويق الخارجي والواقع الداخلي، فالمغرب أصبح جزء من الدورة العالمية لحقوق الانسان في مجال الهجرة، بل ثقة المنتظم الدولي بأن يحتضن فوق ترابه لقائين دوليين هو "وسام معنوي" واعتراف بالمجهودات التي يبدلها في هذا المجال.
لكن الواقع المرير، أمام هذا التراكم المهم، نتابع تدبير "مشين" للمهاجرين فوق التراب المغربي، من خلال نقلهم بشكل تعسفي وحاط بالكرامة، فالسؤال البسيط جدا، ماذا سيقول المغرب للمنتظم الدولي في دجنبر، في حالة ما استطاع هؤلاء المهاجرون إيصال صوتهم ورسالتهم لدول العالم.
الإشكالية الثالثة، وتتعلق بتقييم السياسة الجديدة في مجال الهجرة، وتقييم أيضا أدوار المتدخلين فيها، من مسؤوليين حكوميين ومؤسسات وطنية، وإن كان يصعب هذا التقييم في هذا الحيز، فإن العنوان الأبرز هو الطابع الموسمي والارتجالي في التعاطي مع هذه الفئة من المتواجدين فوق التراب المغربي، وهو طابع ليس بغريب عن المكلفين بإنتاج وتنفيذ السياسات العمومية في مختلف مجالات الشأن العامة.
من خلال ما سبق،  "لي حرث الجمل دكو"، بعد كل المجهودات الوطنية، حتى أضحى المغرب نموذج عالمي في مجال أنسنة الهجرة، يصدر قرار محلي ينسف كل ذلك، وبرمشة عين يتحول المغرب إلى "جحيم" للمهاجرين.

AZIZ IDAMINE

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين