في شأن نزع الجنسية بالمغرب
في شأن نزع الجنسية بالمغرب
عزيز إدمين
Aziz IDAMINE
حالة الجمود التي يعرفها المغرب، ونهج سياسة الأذان
الصماء، والتقييد بقاعدة كما حاجة قضيناها بتركها، لا تبشر بالخير بالقادم من
الأيام، خاصة بعد بروز مظاهر نادرة في السلوك الاحتجاجي المغربي.
وأستحضر هنا، وذلك في سياق قيام مجموعة من معتقلي
تظاهرات الريف بطلب إسقاط الجنسية المغربية عنهم، ومباشرة إجراءاتها الإدارية مع
وزارة العدل، ولكن قبل ذلك فالكل يتذكر:
قيام مجموعة من
التلاميذ بحرق العلم الوطني أمام البرلمان بسبب الساعة الإضافية؛
قيام الاف المغاربة في منطقة حدودية مع الجزائرية
بالتهديد باللجوء الجماعي للجارة الشقيقة في حالة عدة تجاوب سلطات الراشيدية مع
ملف مطالبهم؛
عزم أساتذة "الزنزانة 9" لوضع طلبات لجوء
لدى السفارة الألمانية بالعاصمة الرباط، في مطلع هذه السنة، احتجاجا على عدم
ترقيهم للسلم 10.
عشرات الشباب المغاربة يوثقون عبر مواقع التواصل
الاجتماعي بالصوت والصورة حرق جوازات سفرهم أو بطائقهم الوطنية، احتجاجا على وضع
اجتماعي معين أو تدبير سياسي أو إداري ما؛
ويبقى أكثر السلوكات الاحتجاجية غرابة، هي حرق
الذات والانتحار، وهذه التعابير أصبحت جد منتشرة وكثيرة، يسعى أصحابها للهروب ليس
من البلد فقط، بل من الدنيا ككل بعد أن اسودت الحياة أمامهم، ولم يعد أمامهم باب
يطرقونه سوى باب "الموت".
هذه السلوكات الاحتجاجية تدفعنا للتساؤول حول
أسبابها، وانعكاساتها المستقبلية، ما الذي يدفع المغربي لأن "يكفر"
ببلاده؟
إن الرجوع لكل الحالات المذكورة الموزعة من طلب
اللجوء السياسي إلى الانتحار، تتعلق إما بمسألة مهنية نقابية أو مطلب اجتماعي
محلي، أو رد فعل عن ممارسة التعسف في استعمال السلطة من قبل احد ممثلي الإدارة
المركزية، ومطلب حقوقي عادل ومشروع.
إن المطالب البسيطة للمغاربة، رغيف بكرامة، مستشفى
قريب، حق في التعليم، انصاف مظلوم ومعاقبة الظالم، التماس توضيح أو بيان حقيقة حول
وضع ما ... كلها تقابلها الحكومة بنوع من سياسة الهروب للامام، بكم من حاجة
قضيناها بتركها وأن الزمن يكسر عزيمة المحاجتين والدولة لا تركع ولا تولى لها
ذراعها، وأن تحقيق مطلب اجتماعي واقتصادي معين هو تنازل من الدولة ومن هيبتها.
المتتبع لما يقع في المغرب، يقتنع أن الدولة بكل
مكوناتها حكومة وبرلمانا ومؤسسات وطنية، لم توجد من أجل من أجل خدمة المواطن
وتحقيق مطالبه، بل وجدت للدخول معه في "مصارعة"، وعلى حلبات متعددةـ حلبة
قضائيةـ حلبة السجون، حلبة الشارع ... مصارعة غير متكافئة، طرف يمتلك كل الأدوات
القانونية والمسطرية، وأجهزة القضاء والامن والاعلام، وامكانيات مالية ضخمة، في
مقابل طرف لا يمكن إلا صوته وقلمه وكرامته.
بالعودة لكتابه حول "الدولة"، يحدد بيير
بورديو أدوار الدلة كونها، أولا " أداة لتدبير المصير الزمني"، ثانيا "خدمة
المواطن أو ضبطه" عبر مؤسسات تمارس جزء من السلطة العامة، وأخيرا
"الدفاع عن الحرية والحق" عبر ديمقراطية الانتخابية والقائمة على نظام
التمثيلية، من خلال اعتبار المواطن الجزء الأهم في البناء القانوني والمؤسساتي
للدولة.
بعيدا عن المفهوم القانوني، الشعب والاقليم والسلطة
السياسية، وقريبا من المفهوم السوسيولوجي، كما حدده "بورديو" في العناصر
الثلاثة، نسائل الواقع المغربي والممارسة والتشريعات، ألا تشكل التراجعات التي
نعيشها هدرا للزمن الحقوقي والسياسي، والعودة إلى ما قبل ورش المصالحة بين الدولة
والمجتمع عبر هيئة الانصاف والمصالحة؟ ألا يشكل تراجع الدولة عن دورها الأساسي وهو
تقديم الخدمات، منها الاجتماعية والاقتصادية، للمواطن، هو ما جعل هذا الأخير (أي
المواطن) منفلت من أي عملية ضبط وتأطير؟
وأخيرا إذا لم يحس ويعيش المواطن في مناخ من الحرية
والتمتع بالحقوق، فما قيمة الانتخابات والمؤسسات؟ وما قيمة الديمقراطية في حد
ذاتها، شعارا كانت أو ممارسة؟ وإذا لم يكن
المواطن محور السياسات العمومية والبناء المؤسساتي والقضائي والاجتماعي
والاقتصادي، يطرح بقوة سؤال "الانتماء"؟ وفق المحدد الثالث لبيير
بورديو.
تعليقات