معتقلو الرأي والمسمار الأول في نعش العدالة الانتقالية



معتقلو الرأي والمسمار الأول في نعش العدالة الانتقالية



تمددت لائحة معتقلي الرأي في المغرب، فبعد الاحكام الصادمة في حق المعتقلين على ضوء الاحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة، تم الحكم مساء يوم الخميس على الصحفي حميد المهداوي، مدير موقع بديل المتوقف بثلاث سنوات نافذة، بتهمة عدم التبليغ عن جناية تمس أمن الدولة".
توبع معتقلي الحسيمة بتهمة أصلية وهي "تدبير مؤامرة للمس بالامن الداخلي للدولة"، والغاية منها هو إعطاء بعد سياسي في مطالب المتظاهرين، وهو بعد يسمح للدولة أن تتدخل بقوتها من أجل حماية أمنها، وأيضا من أجل عزل المتظاهرين عن التضامن من قبل الشعب المغربي، لان هذا الأخير يرفض المس بوحدته الترابية واستقراره، ولكن للأسف ما وقع هو العكس.
فالمغاربة جميعا، لم يتقبلوا ولم يصدقوا كون المتظاهرين الذين خرجوا في الحسيمة يطالبون بمستشفى وجامعة وطريق سيار، لهم خلفيات انفصالية أو مؤمراتية على أمن البلاد، مما جعل تدفق كبير من التضامن الواسع والمطلق بين كل مكونات رافضين هذه الاحكام.
نفس رد الفعل تلقاه حميد المهداوي الصحفي من قبل عموم الناس، فلا أحد صدق أن الصحفي كان يخطط أو يعلم بوجود مؤامرة، تتعلق بإدخال دبابة روسية الصنع الى المغرب وكمية من الأسلحة، بل إن تجاوز رد الفعل على الحكم القاسي عليه الحزن إلى السخرية من أصحاب هذه الادعاءات.
خرج شباب الحسيمة في تظاهرات سلمية وحضارية وذلك بشهادة رئاسة الحكومة، والبرلمان برئاستيه وفرقه، والأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمدنية، ومؤسسة حقوق الانسان، إذ شهد الجميع على الرقي والتحضر الذي تمييزت به التظاهرات، بل حتى مضمون المطالب فالكل اعتبرها مشروع، وأكد على ذلك التقرير المشترك بين مفتشية وزارة المالية ووزارة الداخلية الذي وقف على اختلالات وتجاوزات عرفها مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، فغضب الملك عن من غضب وقوم الاعوجاج التي عرفها هذا المشروع بتوجيها تعليمات صارمة لاستكمال هذا الورش التنموي المهم.
هناك من أبناء المغرب من تضرر بهذه التظاهرات، وهم رجال الامن الذي تعرضوا لبعض الإصابات أثناء فظ التظاهرات، ولكن يبقى السؤال هل جميع من تم نطق الحكم عليهم يوم 26 يونيو هم من اعتدوا أو شاركوا في ذلك؟ أكيد الجواب بالنفي، مع العلم أن جميع التظاهرات في العالم تقع فيها انزلاقات وانحرافات، ولكن تبقى وقائع معزولة ولا تمس بسلمية التظاهر والاحتجاج.
إن مطالب المتظاهرين في الحسيمة، هي مطالب ذات طابع اجتماعي صرف، ولا تحمل في كنهها أي أبعاد سياسية، وبالتالي فهم معتقلي رأي، معتقلين نظرا لاعتمادهم التظاهر كأداة للتعبير، ولرفض السياسات الاجتماعية والظلم والفساد الإداري والمالي الذي تعرفه المدينة مضمون الخطاب الموجه للرأي العام، وليسوا معتقلين سياسيين، فهم لا يحملون عقيدة انفصالية، ولا يحملون مشروع سياسي وأيديولوجي قائم على الانفصال.
أما قضية الصحفي حميد المهداوي، معتقل رأي هو الاخر، فتصلح أن تكون فيلما سينمائيا وليس قضية من قضايا الجايات، فبغض النظر عن كون المعني بالامر الذي تحدث هاتفيا مع الصحفي ويخبره فيه بالتحضير لادخال أسلحة للمغرب ومن بينها دبابات وطائرات، فالصحفي من مختلف مواقعه لها كامل الحق في البحث عن المعلومة "الصحفية" وليس المعلومة "الاستخباراتية" التي هي من اختصاصات أجهزة أخرى، ويمكنه أن يحفتظ بمعلوماته إلى أن يصيغ وينشر مادته الخبرية إذا تأكد من جدية تلك المعلومات، أو إتلافها إذا تيقن أنها مجرد "هرطاقات"، إلا فيجب اعتقال كل الصحفيين في المغرب، نظرا لنشرهم مقالات تكشف عن فضائح مالية أو سياسية أو تتعلق بمناوراة خصوم الوحدة الترابية، وهي ذات الطبيعة الجنائية، بدعوى أن بحوزتهم معلومات كانت تهدد النظام العام وفضلوا نشرها عوض تقديمها للجهات المختصة من أجل البحث والتقصي.
ولنفترض جدلا، أن الصحفي المهداوي، قدم تلك المعلومات لاقرب مركز شرطة أو النيابة العامة، ألا يمكن متابعته بجريمة "التبليغ عن جريمة يعلم بعدم وقوعها" وإهانة وإزعاج الضابطة القضائية والأمنية ووو..
ونحن نقرأ منطوق الاحكام الصادرة، وكأننا بالقضاء يكيف قانونيا البلاغ السياسي المشترك بين أحزاب الأغلبية الحكومية بتاريخ 14 ماي 2017، تتهم فيها المحتجين بالانفصال وتلقي أموال أجنبية لتهديد أمن واستقرار البلاد.
اليوم يتم دق أول مسمار في نعش العدالة الانتقالية بالمغرب

AZIZ IDAMINE

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين