الميثاق الزجري للصحافة بالمغرب



الميثاق الزجري للصحافة  بالمغرب
عزيز إدمين
Aziz IDAMINE

نشرت الجريدة الرسمية بتاريخ 29 يوليوز 2019، الميثاق الوطني حول أخلاقيات مهن الصحافة المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 13.90 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة، مع العلم ان المادة ذاتها تحدد اجال ستة أشهر على نشر هذا الميثاق.
قبل التطرق لمواد الميثاق، لابد من التذكير بالسياق الاعدادي والانتخابي لتشكيل هذا المجلس، فكل المعنيين  والمهتمين بالاعلام والصحافة تابعوا الطبخة والكولسة التي سبق انتخاب أعضاء وعضوات المجلس، إذ هيمنت كل القيم في هذه المحطة ماعدا قيم النزاهة والشفافية والديمقراطية، ولأول مرة يشهد التاريخ أن أعضاء اللجنة المكلفة بالاعتداد الادبي والتقني واللوجيتسيتي لانتخابات المجلس، إذ سهرت على إعداد لوائح المنتخبين ومسطرة امكان التصويت وفرز الأصوات والاعلان على النتائج، هي نفسها التي ترشحت للانتخابات وفازت بها، في ممارسة لم تعمل بها حتى أعتد الديكتاتوريات في العالم.
نفس المقاربة الانفرادية والسرية تم إعداد الميثاق حول أخلاقيات المهنة من قبل مجلس الوطني للصحافة، إذا ما استثنينا لقائيين صوريين تم عقدهما، فإن الجمعيات الحقوقية الجادة والمنظمات غير الحكومية المعنية لم تساهم لا في إعداد ولا صياغة هذا الميثاق.
فالميثاق المنشور عبارة عن مجموعة من القواعد الزجرية، وتم تحويل مجموعة من النصوص في القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر إلى مواد الميثاق، والخطورة تزداد أن الصيغ والمفردات المستعملة فضفاضة وعامة ويمكن تأويلها حسب الوقائع والسياقات كما يريد بها أصحاب مجلس الصحافة.
بالعودة إلى أدبيات إعداد المواثيق الأخلاقية، وتمييزها عن باقي النصوص، فإن كانت القانونين والأنظمة الداخلية لها صبغة خاصة تتميز بالزجر والمتابعة، فإن قواعد المواثيق والاتفاقات، تكون هي مجموعة من المبادئ والقيم والواجبات التي لا ترقى إلى مستوى القانون، فهي أدنى منه، ولكنها أسمى من القواعد العامة.
لهذا فإن صياغة المواثيق تتطلب عنصرين:
الأول وجود طرفين، المعني بالمتابعة والتنفيذ، أي مجلس الصحافة من جهة، ومن جهة أخرى الصحفيين، ولكن هذه الأخيرة وفق انتخابات مجلس قد قاطع العملية أكثر من نصف الجسم الصحفي.
ونسبة المشاركة في انتخابات الهيئات التمثيلية لا يمكن أن تقاس ببنسب المشاركة في الانتخابات التشريعية والجماعية، لكون الهيئات التمثيلية محدودة العدد إذ لا تتجاوز ثلاث ألاف صحفي في حالة مجلس الصحافة، وأنها مرتبطة بتدبير مهنة معينة، أي أن الجميع معني مهنيا بشكل مباشر بهذه الانتخابات، لهذا وجب المقارنة مع انتخابات هيئات المحامون، والأطباء والقضاة والمهندسون التي تصل فيها نسبة المشاركة إلى 90 في المائة.
والعنصر الثاني، أن المواثيق تضم بالأساس رزمانة من القيم والمبادئ، وأيضا كثلة من الحقوق المعترف بها للجسم الصحفي، وفي الأخير بعض الواجبات المفروض التقيد بها، وأن مخالفتها هي مخالف للقيم والمبادئ المتفق عليها، وليست مخالفات قانونية، لكون قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي المغربي يجيب على حالات خرق القانون.
لكن قراءة بنود ميثاق أخلاقيات ال 33 بند لمجلس الصحافة، كله بدون استثناء، عبارة عن قيود وواجبات، بل بعض الصيغ جاءت من قبيل الوعيد : يقتضي الواجب تقديم مواد بشكل يستطيع المتلقي التمييز بين الخبر والتعليق" ويضيف في نفس البند "لان الخلط المقصود بين المعطي الخام والرأي الشخصي يعتبر خداعا".
الأسئلة النموذجية في هذا المثال، والتي يمكن إسقاطها على باقي البنود الأخرى:
كيف يمكن قياس أن هذا "المتقلي" استطاع أن يميز بين الخبر والتعليق؟ أن "المتلقي" الاخر لم يستطع التمييز؟
هل يمكن متابعة الصحفيين بسوء النية لفعله "المقصود"؟ في حين أن الحركة الحقوقية والمهنيين، ناضلوا من أجل مبدأ حسن النية للصحفي وليس سوء النية؟
من سيتكفل بقياس حجم ال "خداع" ؟ وبأي مؤشر؟
هذه الأسئلة مجرد نموذج، لكون بنود الميثاق كلها عبارة عن سيف فوق رؤوس الصحفيين، الذي يتحملون كامل مسؤوليتهم في ما وصل إليه المجلس الذي يعنيينهم، كالية للتدبير الذاتي، تهاونوا في محطة اعداد انتخابات المجلس، ومحطة الانتخابات، وأيضا لحظة إعداد هذا "الناموس" الجديد في عالم الصحافة المغربية.
في قراءة أخرى للميثاق هذا، وجدت أن قانون الإرهاب 03.03 والقانون الجنائي أرحم للصحفيين.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين