الرميد والافلات من العقاب




الرميد والافلات من العقاب
AZIZ IDAMINE

في معرض جوابه حول ما وقع في الحسيمة على إثر التظاهرات التي عرفتها المدينة، صرح السيد مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، في برنامج لإحدى القنوات التلفزية، بأن "العنف وقع هنا ووقع هناك ( أي صادر من قبل المتظاهرين ومن قبل رجال الامن)، ووقعت تجاوزات من هنا ووقعت تجاوزات من هناك"، أضاف "لا يمكن القول أن التدخل الأمني كان سليما، بل الإشكالية من الطرفين" وبخصوص الاستعمال المفرط للقوة أكد الوزير أنه "لا يستطيع أن يبرأ السلطات العمومية منه"، وهو التصريح الذي نسجل عليه عدة ملاحظات.
أولى هذه الملاحظات، أن السيد الوزير يؤكد بشكل رسمي وفق المعطيات المتوفرة له، أن السلطات العمومية تجاوزت القانون في كثير من الحالات بل واستعملت العنف المفرط والقوة غير المتناسبة في فض التظاهرات، وفي مقابل ذلك لم تسجل أية حالة تتعلق بمتابعة قضائية لأي رجل أمن أو أحد رجالات القوات العمومية، بل لم نسمع لو بقرارات تأديبية في حق من ثبتت عليه تجاوز هذا القانون، وهو ما يكرس الإفلات من العقاب، أن القانون استعمل بانتقائية في حق المتظاهرين دون أ يصل إلى الطرف الثاني –أي القوات العمومية-، بل إن الطرف الثاني محمي ويمكنه أن يخرق القانون متى شاء بذريعة حماية القانون، وحتى أن يخرق حقوق الانسان بمبرر حماية حقوق الانسان.
الملاحظة الثانية، تتعلق بشهادات وإفادات لعشرات المتظاهرين تجاه رجل "أمن بذاته"، وهو الضابط "عصام"، والذي ذكر في أكثر من محضر شرطة ومحضر درك، وأيضا في وسائل الاعلام والتواصل وفي تقرير لجنة التقصي الحقوقية التي قام بها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان، بكون هذا الضابط كان يستعمل العنف المادي واللفظي تجاه المتظاهرين، دون أن تتحرك مسطرة متابعته أو الاستماع إليه على الأقل.
الملاحظة الثالثة حول تصرح السيد الوزير، تتعلق بالتنسيق بين مكونات الحكومة والتضامن بين مكوناتها، وهنا نستحضر تصريح السيد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أمام البرلمان في يونيو 2017، أنه "عندما يتم خرق القانون فإن الدولة تكون ملزمة بتطبيق القانون من منطلق حماية الأفراد والجماعات وممارسة حقوقهم وضمنها الحياة الأمنة"، وأن فض التظاهرات تمت وفق المساطر القانونية واحترام تام لحقوق الانسان" ، هذان التصريحان المتناقضان يطرح سؤال جوهري،  هل نحن أمام نفس الحكومة أما أمام حكومات متعددة لكل واحدة من معلومات خاصة بها وتقديراتها وتصوراتها مستقلة عن الأخرى.
الملاحظة الرابعة تتعلق بمصير تقرير الخبرة  الذي أنجزه المجلس الوطني لحقوق الانسان، والذي أكد أن ادعاءات التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تعرض لها الموقوفين ذات مصداقية.
فعندما يسجل وزير الدولة، ثاني منصب حكومي، بوجود خروقات للقانون واستعمال مفرط للقوة ويعزز هذا التصريح بتقرير خبرة منجز من قبل مؤسسة دستورية تؤكد ما ورد على لسان الوزير، فالسؤال يعود من جديد، لماذا لم تتم متابعة أي مسؤول عمومي تورط في ذلك، في ضرب بعرض الحائط  لمبدأ دستوري وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الملاحظة الخامسة، تكمن في الجرح الذي فتحه السيد الوزير، والمرتبط بالفيديو المسرب للسيد ناصر الزفزافي الذي يظهره شبه عاري ، وهو شريط حاط بالكرامة واللاإنساني .
فقد سبق للحكومة والقضاء أن أعلانا بفتح بفتح تحقيق حوله ومتابعة كل من تورط في ذلك، فإلى غاية كتابة هذه الاسطر لم يتم الإعلان لا على نتائج التحقيق ولا متابعة المسؤولين عن هذا الخرق.
إن تصريحات السيد الوزير، تدفعنا اليوم إلى البحث جميعا عن مخارج جديدة لحماية ما بقي من مكتسبات حقوق الانسان في هذه البلاد، وعلى رأسها توصيات هيئة الانصاف والمصالحة في شقيها: وضع استراتيجية وطنية للحد من الإفلات من العقاب، والحكامة الأمنية.
أما أن نعول على الحكومة ومكوناتها غير المنسجمة والمتناقضة في أحيان كثيرة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاعتقالات التعسفية والاعتداءات بالقوة المفرطة من قبل القوات العمومية على المتظاهرين، فالحكومة جد مشغولة بأمور أخرى غير أمور وهموم المواطنات والمواطنين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين