الجزائر "القاتلة" للصحراويين





الجزائر "القاتلة" للصحراويين

عقدت اللجنة المعنية بحقوق الانسان بجنيف، والمنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، دورتها 123 خلال الأسبوع الماضي (2 و4 و5 يوليوز الجاري)، وهي مناسبة من أجل افتحاص تقرير الدولة الجزائرية عن مدى تنفيذ بنود العهد على مستوى الواقع.
كانت من بين ملاحظات خبراء الأمم المتحدة إلى الدولة الطرف، تتعلق بوجود كيان بمدينة تندوف الجزائرية يمتلك مقومات "دولة" داخل الدولة، من أجهزة أمنية وعسكرية وقضائية وسجون، في حين أن المسؤولية المطلق لأي تصرف أو سلوك فوق تراب دولة معينة، فإن المسؤولية ملقاة على الدولة الطرف المعترف بها أمميا، فكان جواب الجزائر أنها فوضت اختصاصها المركزية لجبهة البولزاريو من أجل تدبير تلك البقعة الجغرافية ومن أجل تسيير شؤون وأمور "اللاجئين" هناك.
إن جواب الجزائر لا يستقيم مع القانون الدولي لحقوق الانسان ولا القانون الدولي الإنساني، لعدة اعتبارات أهمها:
القرار الصادر عن لجنة القانون الدولي في دورتها الـ 53، والمعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 56 بتاريخ 26 نونبر 2001، والمتعلق بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا، حيث اعتبر هذا القرار أن الدول مسؤولة عن أي تصرف غير مشروع دوليا يقوم فوق ترابها، وهذه التصرفات قد تمارس من قبل أجهزة الدولة القضائية أو التنفيذية أو التشريعية، أو من قبل جهاز أو كيان لا يشكل جزءا من الدولة، ولكن الدولة تسمح له وترخص له ممارسة تلك التصرفات فوق ترابها (المادة 5 من القرار).
وتضيف المادة 7 من القرار  نفسه "يعتبر فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصرف جهاز من أجهزتها أو شخص أو كيان مخول له صلاحية ممارسة بعض اختصاصات السلطة الحكومية إذا كان الجهاز أو الشخص أو الكيان يتصرف بهذه الصفة، حتى ولو تجاوز حدود سلطته أو خالف."
كما أن الدولة مسؤولة عن الأفعال الصادرة عن الشخص أو مجموعة الأشخاص يمارسون في الواقع بعض اختصاصات السلطة الحكومية في غياب السلطات الرسمية أو في حالة عدم قيامها بمهامها وفي ظروف تستدعي ممارسة تلك الاختصاصات، وفق المادة 9 من نفس القرار.
ونحيل أيضا على رأي دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية تاديتش، والمنشور في المجلة الدولية للصليب الأحمر عدد 839 لسنة 2000، والتي قدمت اجتهادا للمادة الثالثة من اتفاقية لاهاي يفيد أن الدولة مسؤولة عن أي من الأفعال المرتكبة من قبل أي منظمة عسكرية قامت الدولة بتدريبها أو تمويلها.
للتذكير، فإن ساكنة مخيمات تندوف تخضع لقواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف المعنية بشؤون اللاجئين لسنة 1951. هذه الاتفاقية التي تحمل الدولة الطرف (الجزائر) مسؤولية حماية كل المتواجدين على ترابها، حيث تنص المادة الثانية من الاتفاقية "على كل لاجئ  إزاء البلد الذي يوجد فيه واجبات تفرض عليه، خصوصا، أن ينصاع لقوانينه وأنظمته". وتضيف الفقرة الأولى من المادة 7  "حيثما لا تنص هذه الاتفاقية على منح اللاجئين معاملة أفضل، تعاملهم الدولة المتعاقدة معاملتها للأجانب عامة."
واللاجئ يخضع للقوانين الجاري بها العمل فيما يتعلق بالحقوق الأساسية، كالأحوال الشخصية وفق المادة 12 التي تنص على أن "تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولا سيما الحقوق المرتبطة بالزواج، على أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة."
كما يخضع اللاجئ لنفس المعاملة القانونية للدولة الطرف (الجزائر) في ما يتعلق بنقل الأموال وبتأسيس الجمعيات غير السياسية وغير المستهدفة للربح والنقابات المهنية، وتمنح له أفضل معاملة ممكنة في نفس الظروف لمواطني بلد أجنبي.
 اللاجئ يستفيد أيضا من حق آخر يعتبر عصب حقوق اللاجئين ألا وهو الحق في التقاضي أمام المحاكم، وفق المادة 16 من نفس الاتفاقية التي تنص على أن "يكون لكل لاجئ، على أراضي جميع الدول المتعاقدة، حق التقاضي الحر أمام المحاكم وأن يتمتع كل لاجئ، في الدولة المتعاقدة محل إقامته المعتادة، بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن من حيث حق التقاضي أمام المحاكم، ..."
إن الالتزام الأخير للدولة الجزائرية يجعلها مسؤولة عن وفاة تحت التعذيب للشاب إبراهيم ولد السالك ولد ابريكة،  أحد أعضاء حركة "5 مارس المعارضة لقيادة البوليزاريو، يوم 03 يونيو 2018، الذي كان محتجزا في "سجن الذهيبية"، حسب ادعاءات عائلته، ومسؤولة أيضا على وفاة الشاب لارباس ولد عبد الرحمان ولد يحظيه، برصاص الجيش الجزائري بتاريخ 26 غشت 2018 في شمال مدينة تندوف ... وغيرها من حالات القتل خارج اطار القانون والقضاء، أو التعذيب الذي تعرض لها مجموعة من الصحراويين بتندوف.
أما تذرع بتخلي الجزائر عن مسؤوليتها عن تلك الاحداث لكون جبهة البوليزاريو لها دستور قائم منذ سنة 2011، وأجهزة قضائية وأمنية مستقلة عنها، وإبعاد القوانين والتشريعات والأنظمة القضائية وإدارة السجون والشرطة الجزائرية ، فهو خرق سافر للقانون الدولي، فلا يمكن تبرير ممارسة حق من حقوق الإنسان أو انتهاكه انطلاقا من خرق أصلي للقانون الدولي.


AZIZ IDAMINE


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين