التعطيل الذاتي للمؤسسات






التعطيل الذاتي للمؤسسات
**Aziz IDAMINE

 من الأسئلة التي أصبحت تؤرق البال، تتعلق بالبحث عن الأسباب التي تدفع مؤسسات الدولة من رئاسة الحكومة إلى رئاسة أصغر جماعة محلية، إلى التخلي عن الصلاحيات التي يمنحها لها الدستور والقانون؟
القراءة السريعة أو العميق للوثيقة الدستورية، تسمح بالقول أن الدستور منح صلاحيات موسعة لمؤسسات الدولة لتمارس مهامها بكل أريحية، باستثناء بعض الكوابح المتعلقة بالامن الاستراتيجي والمصالح الخارجية والحفاظ على المؤسسات، ولكن لا يوجد نص واحد يعيقها عن حماية مصالح الناس وتلبية مطالبهم.
رغم ذلك فالقوانين المصرفة للنصوص الدستورية، قد قلصت من هذه الصلاحيات، أثناء مناقشتها أو التصويت عليها في البرلمان، وازداد التقليص عند ممارستها من أصحبها.
فنجد رئيس الحكومة أو رئيس مؤسسة يتجاهل أدواره المؤسساتية، ويجمد نصوص قانونية واضحة ترفع من نسبة تدخله في قضايا عديدة، بل نكاد نقول أن منهم من سطر خطوط حمراء لنفسه على عدد من المواد القانونية حتى لا يمسها، كنوع من الرقابة الذاتية على مهامه.
أمثلة متنوعة يمكن سردها حول هذه الإشكالية، ولكن سنقتصر على حالة واحدة، وقعت لاحدى الصحفيات، إذ تم اعتقالها هي وشخص وطاقم طبي.
توجد روايتان حول الواقعة، الرواية الرسمية، أن الصحفية متهمة بالفساد، وإجراء عملية إجهاض، والرواية الثانية كون الصحفية بمعية الشخص الثاني غير المغربي في مرحلة الخطوبة بل وأن تاريخ عقد القران محدد بعد أسبوعين فقط من تاريخ الاعتقال بعلم العائلة وسفارة دولة الشخص، وأن زيارة طبيب نساء إجراء روتيني عادي من قبل امرأة.
في نوع من التواطئ مع الرواية الرسمية وتبنيها، هل يعقل أن يتم اعتقال شخصين قد مارس علاقة جنسية رضائية منذ مدة طويلة؟ بهل هل يعقل أن مغرب 2019 لازال يعتقل دكتور في القانون الدولي وصحفية معروفة وراشدة لانهما أقاما علاقة بكل طواعية بينمها؟ هل أصبحت الدولة، بعد أن نقت الشارع من الجرائم، واعتقال ناهبي المال العام، لم يعد همها سوى مراقبة ما فوق السرير وما تحته وأن تكون وسيطة بين مشاعر وأحاسيس الناس؟
ألم يفتح ورش وطني حول حق المرأة في الإجهاض، وأن للمرأة الحق في جسدها وفق التشريعات الدولية؟ أليس هناك 800 حالة إجهاض يوميا في المغرب؟
إذا ما ربطنا واقعة الاعتقال مع ما سربته الصحافة الصفراء في مس بكل أخلاقيات المهنة، باسم المعنية والالحاح على انتمائه لمؤسسة إعلامية معينة و أسرة محددة، يكمل عناصر الانتقام والانتقائية؟ ألا تشكل التسريبات الصحفية هاته، هي القتل المعنوي للصحفي في مجتمع محافظ تثيره هذه "الخبيرات"؟ أليست مجرد كبش فداء لاسم عائلتها واسم الجريدة التي تشتغل داخلها؟
هذه العناصر تدفعنا اليوم، بعد مسائلة الدولة في توجهها الأخير، والمتعلق باستعمال ورقة الاخلاق في مواجهة الناس، مسائلة اختصاصات مؤسستين يتلقيات دعما ماليا من دافعي الضرائب منأجل حمايتهم وهما المجلس الوطني لحقوق الانسان، والمجلس الوطني للصحافة.
إن حالة الصحفية موضوع المقالة، هي انتهاك مركب، يجمع ما بين انتهاك لكونها امرأة ولكونها صحفية تعبر عن رأييها، وما الاعتقال إلا انتقاما منها، سواء بحسب الرواية الرسمية أو رواية المعنيين، تتطلب تدخل مستعجل لإنقاذها من واقع سلب حريتها.
فحسب المادة 6 من القانون رقم 76.15 للمجلس الوطني لحقوق الانسان أن يتدخل تلقائيا في حالات انتهاكات حقوق الانسان.
أما مجلس الوطني للصحافة، والذي أصدر مؤخرا ميثاقه لاخلاقيات المهنة، فهذا الأخير ينص في شأن  قرينة البراءة:
لا يقبل تقديم المشتبه بهم أو المتهمين كجناة في المتابعات الصحافية لقضايا الجرائم، وذلك امتثالا لمبدأ قرينة البراءة. كما لا تنشر أسماء أو صور المتابعين أو الضحايا إلا إذا كانت هناك مصلحة عامة، مبررة، تفوق حق هؤلاء في الخصوصية"، ويضيف حتى عند صدور الاحكام :"في حالة إدانة شخص قضائيا ...مراعاة لمشاعر أقاربه وإمكانيات إدماجه في المستقبل"، أما فيما يتعلق باحترام صورة المرأة: لا يجب أن تقدم المرأة في صورة تمييزية أو حاطة من كرامتها، ولا تستعمل بأي شكل من الأشكال في الإثارة التي تتجاوز فعل الإخبار" أخيرا فإن الميثاق دعا إلى التضامن والتآزر وتعزيز أواصر الزمالة داخل المهنة".
فهل سيلاحظ المجلس الوطني للصحافة هذه المقتضيات في شأن هذه  الواقعة أم لا؟
أم أن التعطيل الذاتي للمؤسسات، يحمي المصالح ويبعد الاصطدامات، كما يقول المثل "الباب لي يجي منو الريح سدو واستريح".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين