الوساطة المفترى عليها




الوساطة المفترى عليها
عزيز ادمين
Aziz IDAMINE
.
يتابع المواطن المغربي تناسل مبادرات كالفطر تدعي القيام بالوساطة بين الدولة والمجتمع في الشق المتعلق بمعتقلي الحسيمة، وإن لم تتجاوز الإجراءات التي قامت بها بلاغ أو بيان التأسيس والمطالب، فإنها تقوم ببعض "الخرجات" هنا وهناك دون أن يكون لها أي أثر في إطلاق سراح معتقلي الحسيمة ولا التنمية بالاقليم.
يذكر أن الوساطة تنقسم إلى قسمين، وساطة رسمية، ووساطة غبر رسمية.
الوساطة الرسمية تقوم بها الهيئات معينة موكول إليها بالقانون أو لطبيعة وجودها أن تلعب هذا الدور، وفي هذا الاطار فإن المجلس الوطني لحقوق الانسان، هي الجهة الرسمية الوحيدة الخول لها ذلك، سواء بمقتضى المادة 10 من القانون رقم 15.76 المحدث للمجلس، وأيضا لما نصت عليه المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، والمسماة بمبادئ باريس، لسنة 1993.
فإذا كان المجلس في عهد الرئيس السابق إدريس اليزمي، قد بادر إلى فتح باب النقاش حول أحداث الحسيمة في أفق لعب دور الوساطة، وترجم ذلك بمبادرة اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بالحسيمة بالقيام باستقبال والاستماع للساكنة، وأيضا للزيارة التي قام بها الأمين العام السابق للمدينة، والتي باءت بالفشل، فالمجلس الوطني في عهد رئيسته الحالية، أصبح جزء من المشكل بسبب الخرجات والمواقف التي عبرت عنها رئيسته، والمتناقضة مع منظومة حقوق الانسان ومع روح وجوهر "الوساطة".
لم يعد للمجلس الوطني أي مشروعية أو صدقيته للعب دور الوساطة، بعد أن حدد موقعه كمحامي ومدافع عن أطروحة الدولة، في مواجهة شكاوى عائلات المعتقلين والمعتقلين أنفسهم.
كما أن المجلس يسير في اتجاه طمر التقرير حول ملاحظته للمحاكمات وتقرير المتعلق بادعاءات التعذيب، وفي أقصى الحالات أن يصدر ملاحظات عامة لا تجيب لا على الحالات الفردية ولا على الادعاءات ولا على المساطر، وإنما ملاحظات تسمح لمنتهكي التعذيب من الإفلات من العقاب ولا تساءل لا القضاء ولا السلطات الأمنية.
وفي سياق المبادرات المتعلقة أيضا بالوساطة، نجد المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان، وهذه الأخيرة لا من حيث قانونها المنظم أي مرسوم المهيكل لها، ولا من حيث أدبيات القانون الدولي لحقوق الانسان، يسمح لها أن تقوم بهذا الدور، بكل بساطة لأنها جزء من الجهاز الحكومي، وبالتالي لا يمكن أن تكون الخصم والحكم في نفس الوقت.
يضاف إلى ذلك التقرير الذي أصدره المندوب الوزاري، والذي أصبح هو في حد ذاته "مشكل"، يقتضي البحث عن وساطات لمصالحة المجتمع المدني وعائلات المعتقلين والمعتقلين مع المندوبية الوزارية.
النوع الثاني من الوساطة، تكون غير رسمية، يقودها المجتمع المدني وفعاليات مدنية وشخصيات مشهود لها بنزاهتها ومصداقيتها، وفي حالة معتقلي الحسيمة، فقد شهدنا عدة مبادرات التي أعلنت نفسها لعب دور الوساطة إلا أنها لم ترقى إلى المستوى المطلوب بل ومنها من عرف رفضا مباشرا وصريحا من قبل بعض المعتقلين وعائلاتهم.
ومع ذلك تبقى "المبادرة المدنية من أجل الريف" مبادرة محمودة ومهنية لسببين:
يتعلق السبب الأولى بتركيبتها من شخصيات لها رصيد كبير في مجال الوساطة، كما أنهم مشهود لهم بالكفاءة والخبرة.
والسبب الثاني يتعلق بالمنهجية المعتمد لحد الان، وهي الاستماع لكل الأطراف، اعداد وإصدار وثيقة مرجعية، عدم التموقع، البحث عن حرية المعتقلين بكل الوسائل المشروعة كأصل والباقي يناقش، رهان رابح-رابح وليس لي ذراع الدولة ولا إلصاق التهم في حق المعتقلين، وأخيرا المصلحة العامة أولا وأخيرا.
إن التتبع الدقيق لعمل المبادرة المدنية، يمكن من رصد مرحلتين من التشويش على عملها، المرحلة الأولى حيث كلما كان تقدم في مفاوضاتها ومبادراتها إلا وقامت السلطات الأمنية بموجة من الاعتقالات ونشر الاشعاعات، والمرحلة الثانية، بعد تراجع التدخل الأمني، أصبحت  خرجات كل من السيد شوقي بنيوب والسيدة أمينة بوعياش، تعيد كل المكتسبات إلى نقطة الصفر، وذلك من خلال تبيض وجه الدولة وإخلاء مسوؤليتها من أي انتهاك وفي نفس الوقت تحميل المعتقلين كامل المسؤولية.
إن إطلاق سراح معتقلي الحسيمة من خلال العفو الملكي، يجب أن يكون في إطار فلسفة المصالحة مع الريف ومع المجتمع، وليس في إطار المنة والهبة والعطف، فإن كان الحقوقي يدفع في اتجاه الاولى، فإن "المخزني" يكرس  دائما لقواعد الأعراف المرعية والتقاليد البالية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين