التعديل الحكومي بعد خطاب العرش


التعديل الحكومي بعد خطاب العرش
** عزيز إدمين
Aziz IDAMINE


مباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة عشرين سنة لتربعه على العرش، أصبح مصطلح "الكفاءة" "موضا" المرحلة، وذلك على إثر طلب رئيس الدولة من رئيس الحكومة البحث عن الكفاءات الوطنية الجديرة بقيادة المرحلة المقبلة للمغرب.
هذه المفهوم دفع ببعض الفاعليين السياسين والمدنيين إلى ابتداع وسائل متعددة، عبارة عن رسائل إلى أصحاب القرار، أو بالاخص صاحب القرار، بأنهم كفاءات عالية وليدهم خزان من الأطر والكوادر القادرة على الاستجابة للمشروع التنموي الجديد، فهذا الحزب دعا إلى جمع "بنك" الكفاءات، وحزاب الاخر أعلن أنه استبق الخطاب وله "رزمانة" من الكفاءات، وابن مستشار ملكي أصدر عبر مؤسسته لوثيقة ال" 100 مقترح" بعيد دقائق من الخطاب الملكي، وفاعلون مؤسساتوية، لم تصدر عن مؤسستهم أي تقرير أو دراسة، أصدروا مقالات حول التجارب المقارنة في التنمية وأصبحوا في رمشت عين متخصصون في الشأن التنموي.
ولكن يبقى السؤال أي كفاءات يحتاجها المغرب؟ وكيف يمكن ربط التقني بالسياسي؟ وتكريس لجدلية النظرية والواقع؟


اطرح هذه الاسئلة، وانا اتابع استعداد رئيس الحكومة لاجراء تعديل حكومي شامل، سيعيد اعادة هندسة تشكيلة الحكومة، وأيضا للخريطة الحزبية المشكلة للاغلبية الحكومية، وتعيين اسماء جديدة في جل الحقائب الوزارية.
بالعود للخطاب الملكي، فان الحاجة الى تعديل حكومي، بكفاءات جديدة مرده ثلاث مرتكزات مباشرة، وفق الخطاب نفسه، بمناسبة الذكرى العشرين لتربعه على العرش، وهي:
المرتكز الاول:
"إن تجديد النموذج التنموي الوطني ، ليس غاية في حد ذاته . وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة، التي نريد..."
المرتكز الثاني:

وفي انتطار ذلك:"ينبغي التركيز على الخصوص ، على الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومن أداء المرافق العمومية" .
المرتكز الثالث:
وبموازاة ذلك:"ندعو الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة."(نص الخطاب)
.
وبالعودة الى نص الدستور، فإن السياسات في المغرب تتوزع على ثلاث مستويات:
اولا: السياسة العامة للدولة 
تعتبر السياسات العامة والاستراتيجية للدولة، من الاختصاص الحصري للملك، وذلك بمقتضى الفصل 49 من الدستور، وفي هذا الإطار فالملك حدد المرحلة المقبلة من حكمه، وفق مشروع تنموي جديد، يتبلور من خلال تعيين لجنة معينة، وتشتغل على ترجمة اربع اهداف كبرى ، وهي : توطيد الثقة والمكتسبات، عدم الانغلاق على الذات، التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية، واخيرا العدالة الاجتماعية والمجالية.
وهذه التوجهات الكبرى غير معنية بها الحكومة الحالية، وقد تكون موجهة لحكومة 2021، نظرا للمدة الزمنية التي ستتطلبها اللجنة المعنية بإعداد المشروع التنموي الجديد. بالاضافة لكون عمر الحكومة الحالية لم يتبقى منه الا شهور ستخصص اغلبه للتحضير للانتخابات التشريعية القادمة.
ومع ذلك، فان الخطاب الملكي، لم يدفع الحكومة الحالية الى العطالة، ولكن حدد لها اطار العمل في شقيه السياسات الاجتماعية، والسياسات القطاعية المندمجة.
ثانيا: السياسات العمومية
حدد الدستور بمقتضى الفصل 92 منه مجال تدخل الحكومة في الشأن العام، من خلال السياسات العمومية، و الملك حدد للحكومة الحالية اولوياتها في المرحلة الجديد بسن سياسات عمومية ،تاعلق بمحورين: الاول الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية، والثاني الرفع ومن أداء المرافق العمومية، مما يطرح سؤال هل رئاسة الحكومة لها تصور فيما يخص هاذين التحديين؟ وهل هناك وثيقة مرجعية تحدد بها حاجاتها لكفاءات محددة ودقيقة، تترجم تصورتها؟ وهل يمكن ان نطالب الوزراء الجدد بنهج سياسات قطاعية في غياب "بوصلة" تنفيذية لقطاعاتها؟ وكيف سيختار هذه الكفاءات في غياب اي مشروع او برنامج حكرمي جديد؟ هل سيعتمد رئيس الحكومة مقياس "تصريحه الحكومي" امام البرلمان، والذي على ضوءه نالى ثقة وتنصيب مجلس النواب له، في اختيار الفريق الذي سيرافقه فيما تبقى من ولايته، ام سيعتمد مقاييس من خارج تعهداته والتزماته السابقة؟
ثالثا: السياسات القطاعية
نص الفصل 93 من الستور على أن " الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي."
ان الكفاءات المقبلة مفروض عليها ان تنفذ "المخططات القطاعية الجديدة" حسب ما ورد في الخطاب، والتي ستشكل اللبنات الاساسية للنموذج التنموي الجديد، وذلك بتأطير وتحت إشراف رئاسة الحكومة.
مما يطرح سؤال، كيف لهذه القيادة الجديدة للقطاعات الحكومية، ان تنفذ المخططات او تساهم في اعدادها، في غياب اي تصور حكومي للمرحلة المقبلة؟ الن تشكل مجرد كفاءات تقنوقراطية "انتظارية" الى حين بلورة النموذج التنموي؟
الخلاصة من هذه المجزوءة، هي كون رئيس الحكومة لا يمكن ان يضع العربة امام الحصان، او كما يقول المثل المغربي "يسبق لعصا على لغنم"، فمن المفروض، ان يعلن عن تصوره العام للمرحلة المقبلة، والا اصبح "رهينة" "جشع" الأحزاب في الاستوزار
ان المستويات الثلاث الواردة أعلاه، سواء تعلقت بمضمون المرحلة المقبلة (النموذج التنموي) او بأدواتها (الكفاءات) ، ترمي المسوولية كاملة على عاتق المستوى الثاني، اي صرامة رئيس الحكومة في انتقاء وطنيين أكفاء، ولكن قبل ذلك وضع خارطة الطريق جديدة حول السياسة العمومية للمرحلة القادمة بأولويات، وخططها وبدائلها.
اما الاحزاب المتهافتة من اجل تسمية الوزراء، فلها اما ان تساهم اولا ب"دفتر تحملات" كفاءاتها المتعلقة بالمشروع التنموي الجديد ، او انتظار مقترحات رئاسة الحكومة حول اي "بروفيلات" تسجيب لتصوراته المؤسساتية حول الاهداف الاستراتيجية الكبرى الاربعة الواردة في الخطاب الملكي
.
التخوف من "طمع" الاحزاب في الريع والامتيازات و"الصفقات" المرافقة للحقائب الوزارية، التخوف، أن يلتحق مصير "حلم" "المشروع التنموي الجديد"، بمصير "حلم" الثروة "اللامادية" للمغرب.
إن عدم العودة لنص الدستور، والانطلاق منه والانتهاء به، بجعل رئاسة الحكومة محور التعديل الحكومي، يجعل من خطاب الملكية البرلمانية، كمن يرى السراب في صحراء قاحلة ويتوهمه ماءا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين