حركة 20 فبراير ما بعد25 دجنبر

تعد مسيرات 25 دجنبر المحك الحقيقي للقوى المتطلعة للتغيير من أجل الدولة المدنية والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وهذه القوى لن تكون سوى التيارات والتنظيمات الحاملة لمشروع مجتمعي حداثي، أما حركة 20 فبراير ما هي إلا الغطاء المرجعي لهذه المكونات، أفرادا وجماعات وهيئات، مما يجعل مساءلتها وقياس مدى حضورها وطبيعة خطابها بشكل أكثر موضوعي.

ولكن مع ذلك لا تتوقف حركة 20 فبراير في هذه المحطة، بل لا بد من أن تستمر من خلال مراجعات أساسية، لتحقق الطفرة النوعية من أجل التطور نحو المستقبل، نختزلها في ثلاثة نقط أساسية:

مطلب التغيير: في مرحلة معينة من عمر "الحركة" تحول مطلب التغيير إلى خيط ناظم ما بين "الثورة" و"الفوضى الخلاقة"، الثورة باعتبار أدبيات بعض التيارات التي تستمد مرجعيتها من يوتوبيا الدولة المثالية، أو المجتمع المثالي بعد زوال الدولة، يكون من خلال تغيير الجذري لهياكل المؤسسات وللبنيات الاجتماعية، أما "الفوضى الخلاقة" التي ترى أن الإسلام لا يمكن أن يسيطر إلا في مجتمع لا يوجد فيه سلطة، انطلاقا من نموذج المجتمع المكيّ، وبالتالي المخلص سواء كان مهديا منتظرا أو "شيخا" يبشر بعودة دولة الخلافة،على أنقاض على الحكم العاض والجبري، سيظهر بعد حالة من انعدام الأمن والنظام.

وبالتالي على "الحركة" أن تربط مفهوم "التغيير" كخيط ناظم ما بين "الإصلاح" و"الثورة"، باعتبارهما يشتركان في الأفق ولكن يكمن الاختلاف حول تحليل وتقدير الظرفية من جهة ومن جهة أخرى حول الأدوات واليات الاشتغال.

السقف السياسي: بعد مؤتمر الاشتراكي الموحد، تأكد أن هناك طلب هائل على الملكية البرلمانية، باعتبار أن الحل الوحيد للتوفيق ما بين النظام الملكي الوراثي والنظام الديمقراطي المبني على صناديق الاقتراع، هو ذلك لنظام الذي يسود فيه الملك ولا يحكم، ومن جهة أخرى معلوم أن النظم الملكيات البرلمانيان تكون ديمقراطيات بطبيعتها أكثر من الجمهوريات الديمقراطية، بالإضافة إلى أن مجتمعاتنا العربية التي لم تستطع أن تتحرر بعد من الالتفاف حول الفرد أو الشخص كممثل لمجموعة من القيم إلى الالتفاف حول القيم في حد ذاتها، يبقى هذا النظام الديمقراطي، أمام وجود عدد من الأنظمة الديمقراطية بقدر وجود عدد الديمقراطيين، الأفضل والأسلم للمجتمع المغربي.

ولكن يجب التنبيه، إلى أن هناك من يقول بالملكية البرلمانية "هنا والآن" وله من الحجج والبراهين ما يجعله مقتنع بها، ولكن هناك من يقول بكون الملكية البرلمانية قبل الوصول إليها يجب تأهيل المجتمع وتأهيل النخب، والتحضير البسيكولوجي للمجتمع من أجل الدخول للديمقراطية، وزعزعت المؤسسات والشبكات التي تلعب دور جيوب المقاومة، حتى لا نعيش أي ردة ديمقراطية مستقبلا، وبالتالي يمكن الاشتغال من داخل المؤسسات "اليوم" في أفق الوصول إلى الديمقراطية الحقة في "الغد".

فرهان الحركة أن تضم التصورين معا، مدام هناك رؤية موحدة حول المشروع السياسي، والاختلاف يكون في التاكيتيك، ويبقى معيار القياس في الإيمان بالدولة المدنية، باعتبارها المؤشر الأساسي في الإيمان بالمشروع الحداثي بأبعاده الثقافية والمجتمعية وليس فقط في أبعاده السياسية.

الحسم في التناقض الرئيسي: رفعت الحركة في أولى خرجاتها بعض رموز النظام باعتبارها تقوم بتصريف أشكال الاستبداد داخل الدولة، سواء كانوا أفرادا أو عائلات أو شبكات، ولكن الفخ الذي سقطت فيه، أنه يمكن معالجة مظاهر الاستبداد والفساد، ولكن لا يمكن الوصول إلى أسبابهما، وبالتالي فالتناقض الرئيسي يتمثل في بنية النظام السياسي أو ما يصطلح عليه "بالمخزن"، فهو الداء، أما تصريف الصراع إلى حكومة بن كيران أو بعض ممثلي الجماعات المحلية أو المكلفين بمهام، لن يسمح للحركة بأن تصل دائما إلى "المايسترو"، وبل تبقى تلهو فقط مع عازفي الكمان أو العود أو "الدربوكة" وأحيانا حتى مع المغني، ولكن المهندس الحقيقي الموجود وراء الستار "المايسترو" لا يمكن الوصول إليه.

كما أن مهاجم حكومة منتخبة أو معينة أو مزورة في جميع الحالات هو هدية للاستبداد الأصولي والديني المتربص في هوامش النظام.

حركة شباب 20 فبراير هنا والآن، هي صوت من لا صوت له، وصوت مكمل لمن له صوت، على أساس قاعدة الديمقراطية/ الملكية البرلمانية، الحرية/ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، العدالة الاجتماعية/ التوزيع العادل للثروة الوطنية، الكرامة/مدنية الدولة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين