ماهية النظامين الدستوري والسياسي المغربيين -الجزء الاول

تطرح إشكالية تحديد طبيعة نظام الحكم في المغرب من خلال قراءة قانونية لنصوصه الدستورية عدة إشكاليات وذلك من خلال إسقاط نموذج غربي له خصوصية تاريخية معينة على نظام حكم مبني على قواعد شكلية مكتوبة وقواعد لا شكلية مرتبطة بتاريخه التقليدي والديني.

وهذا ما جعل اختلاف عدة باحثين في تصنيف المغرب فإن كان " جون واتربوري" يعتبره نظام انقسامي، من حيث استمد خلاصاته من الدراسات الانتربولوجيا الانكلوساكسونية، التي تنطلق من تقليدية السلوك السياسي المغربي، وتفسر آليات الحكم فيه بآليات الحكم في الوسط القبلي ينتج عن هذه الآليات تطبيع نظام الحكم بالجمود السياسي الذي يسود الوسط القبلي التقليدي بين مختلف العناصر والعلاقات الدائرة حول الشخص المقدس "الملك"، فهذه النظرية رغم دقة منهجها وتحليلها العميق إلا أنها تعرضت لانتقادات بدءا من " ريمي لوفو" لإهمالها للتكوين الطبقي للمغرب، كما أنها لا يمكن نقل الآليات الميكانيزمية للسياسة القبلية إلى نظام وطني شامل، كما عيب عليها أنها تركز على وجود أجزاء وعناصر في المغرب بدل مراعاة وجود مجموعات اجتماعية تعبر عن مطالبها بوسائل تقليدية لعدم وجود وسائل عصرية، كما أن خالد الناصري انتقدها لإهمال الأطروحة للفوارق الاجتماعية واعتبر أن العصرنة حلت محل التجزيئية بفعل نمط الإنتاج الرأسمالي الذي أفرز صراعا طبقيا .

ولاحظ الباحث عبد اللطيف أكنوش أن نظام الحكم بالمغرب هو نظام خلافي فالدستور المغربي يتكون من طبقتين الأول يحتوي على المشروعية الدينية المؤسسة لنظام الخلافة. والمبنية على البيعة أما الطابق السفلي الثاني فهو مجرد تقنيات لتسيير الحكومة والبرلمان فرغم أن هذه النظرية أساسها يرتبط بقواعد ملموسة لكن تجب الإشارة إلى أنه يجب التمييز في علاقة الدين بالدولة في المغرب بين مستويين مستوى أول ويمثل في أساسه المشروعية (التبرير) والثاني مرتبط بالشرعنة أو (التدبير) فالمستوى الأول يستمد أساسه من الدين الإسلامي المنصوص عليه في مجموعة من فصول الدستور، أما المستوى الثاني فهو مبني على القانون الوضعي، فالقوانين المعمول بها في المغرب هي قوانين مستمدة من القانون المدني والجنائي لنابليون.

مما يجعل القول بأن المغرب دولة "علمانية محتشمة"، تختلط فيها المشروعية الدينية مع الشرعيات العصرية.

وهناك من اعتبر أن نظام الحكم في المغرب هو نظام أبوي مستحدث، بقدر ما هو بعيد عن التقليدي ( الأبوي) بقدر ما هو بعيد عن العصرنة ( التحديث) وقد لاحظ الباحث الفرنسي Conforme من خلال خطاب الملك الراحل الحسن الثاني قوله: ...وإني أنتظر منك يا شعبي العزيز أن تصوت لي بنعم على الدستور...." في خطابه 20 غشت 1962 أن التصويت كان لصالح الملك وليس لصالح الدستور، لذا فلا غرابة أن نجد أن نسبة التصويت تتراوح ما بين 98% و99 % بنعم لأنه يستحيل على الأبناء مخالفة مطالب أبيهم، لكن يرى باحث آخر "محمد المدني" أنه في إطار الانفتاح والتحولات السياسية والاقتصادية والعالمية فقد انتقلت الأسرة الأبوية من نظام مغلق إلى نظام مفتوح بفعل خروج المرأة للعمل ومساهمتها في تحمل مسؤولية الأسرة.

هناك من الباحثين من اعتمد على الدراسة القبرية للمشرعية واعتبر أن نظام الحكم في المغرب نظام بترمونيالي كصنف من أصناف المشروعية التقليدية، إلا أنها عيب عليها تهميش العامل الطبقي للمجتمع المغربي وعدم شمول هذا المفهوم وكل أصناف السلطة خاصة تلك القائمة بالعالم الثالث.

من خلال هذه المقدمة التي استعرضنا فيها بعض النظريات حول نظام الحكم في المغرب مع تقديم أهم الانتقادات الموجهة له فإننا نرى أنه لفهم طبيعة نظام الحكم في المغرب يجب دراسته من زاويتين:

الزاوية الأولى: تحديد نظام الحكم في المغرب من خلال القواعد الدستورية المكتوبة في الوثيقة الدستورية لسببين: أولهما لأننا اخترنا المنهجية القانونية لدراسة القانون الدستوري المغربي المبنية على ربط النصوص القانونية ببعضها البعض عوض المنهجية العقيمة للدراسة الخاصة والشكلية للنص الدستوري. والثانية حتى لا يتم الخلط بين البرلمانية المعقلنة مع البرلمانية الموسومة بالتضخيم والسيطرة على التجربة المغربية، وقد دعوناها الشكلية لأنها مدونة في الدستور ومتميزة عن القواعد الكلاسيكية وهي الزاوية الثانية.

الزاوية الثانية القواعد اللاشكلية أي غير المدونة في القواعد الدستورية واعتمادنا على هذه الزاوية ينطلق من إحدى المقدمات المدسترة عن النظام المغربي ل" كلود بالازولي" أنه قال: "لفهم المغرب السياسي لا بد من العودة للتاريخ وللإطار الذي تتم فيه اللعبة السياسية لأن المغرب من دول العالم الثالث التي لم تحدث قطيعة مع الماضي والتي يتمازج فيها الماضي بالحاضر..

أولا: القواعد الشكلية لنظام الحكم في المغرب

إن اعتمادنا على القواعد المدسترة في الدستور المغربي يهدف بالأساس إلى تصنيف المغرب إلى إحدى الأنظمة الدستورية الكبرى المتعارف عليها عالميا، ونقصد بها النظام الرئاسي المبني على اختصاصات واسعة لرئيس الدولة مع توازن سلط سلبي حيث ليس هناك تعاون أو تداخل بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي، كما يعرف غياب للوزير الأول ولمجلس الوزراء ولمجلس الحكومة. أما النظام البرلماني فهو عكس النظام الرئاسي اختصاصات رمزية وشرفية لرئيس الدولة ودوري محوري ورئيسي للوزير الأول مع وجود توازن سلط إيجابي يسمح للجهاز التنفيذي بالتدخل في الجهاز التشريعي ويسمح لهذا الأخير بالتدخل في الجهاز التنفيذي وأخيرا النظام الشبه الرئاسي يعتمد على وجود رئيس دولة فعلي واختصاصات هامة للوزير الأول لكن ينفي عنه سؤولية البرلمان أمام الحكومة.


1- اختصاصات رئيس الدولة

أهم ما يميز اختصاصات رئيس الدولة هو منع أية مراجعة تهدف إلى المس بالملكية والنظام الملكي. وفي هذا المحور سوف نعتمد على المنهج المقارن مع النظام الرئاسي الذي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية النظام النموذجي له، فمن خلال هذه المقاربة يتبين أن النظام المغربي هو نظام رئاسي من زاوية اختصاصات رئيس الدولة دون أن نقول أنه نظام رئاسي بشكل شامل وذلك لوجود المجلس الوزاري (الفصل 48 من دستور 2011) والمجلس الحكومي ( الفصل 92) ولتدخل عمل البرلمان والحكومة فيما بينهما.

تقر الوثيقة الدستورية المغربية بأن نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية (الفصل 1). أي أن المغرب الذي ظل عدة قرون خاضعا لنظام ملكية شبه مطلقة والذي ظل كذلك على ما يزيد عن 40 سنة خاضعا للنفوذ الأجنبي وللإدارة المباشرة لفرنسا، قد أصبح منذ دستور 1962 خاضعا لنظام حددت فيه سلطات كل من الملك باعتباره رئيسا للدولة وسلطات كل من الحكومة والبرلمان وذلك بنص دستوري تلتزم فيه جميع المؤسسات باحترام أحكامه.

ويؤكد الفصل الأول من الدستور أن المغرب ليس بملكية دستورية فحسب بل إنه أيضا ملكية ديمقراطية برلمانية واجتماعية وبالتالي فهو يرفض رفضا باتا المبادئ الذي تستند عليها الأنظمة الديكتاتورية، كما أننا نلاحظ في نفس الباب من الدستور ينص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة مباشرة بواسطة الاستفتاء أو بطريقة غير مباشرة بواسطة ممثليها ( الفصل 2)، حيث عوضت الكلمة الأخيرة ( بواسطة ممثليها) مصطلح بواسطة المؤسسات الدستورية، وما يقتضيه هذا التعديل من تمعن في النظر، حيث كان في السابق جميع المؤسسات المدسترة تمثل سيادة الأمة، أما الآن فقط المنتخبة، وهو شيء يقطع الطريق على مجموعة من التأويلات السابقة المقرونة بالمحيط الملكي أو التي تدور في فلك القصر وحسم في ثنائية التمثيلية الأسمى مع تمثيلية الأدنى التي كانت في إطار الفصل 19 سابقا.

بذلك فقد اعتمد هذا النظام طريقة الديمقراطية غير المباشرة للمشاركة السياسية للأمة "لجون لوك" ومبدأ السيادة الشعبية لج.ج روسو، أي أن تأثير الفكر السياسي الغربي كان له تأثير كبير على لجنة صياغة الدستور برئاسة عبد اللطيف المانوني، وهو يدون هذا الدستور.

ونفس التوجه يأخذ به النظام الدستوري الأمريكي الذي تشبع بأفكار كل من جون لوك ومن بين الأفكار التي تشبع بها هاذين النظامين بالإضافة إلى السيادة الوطنية التي يمارسها الشعب عن طريق ممثليه نجد خضوع الحكام والمحكومين للقانون وتمثيله السكان في البرلمان وتقليص نفوذ الحكومة..

فإذا كان رئيس الدولة أو رئيس الجهاز التنفيذي ينتخب من طرف الشعب في النظام الرئاسي الأمريكي فهو بطريقة آلية يصبح الممثل للشعب والذي تخول له صلاحيات سوف نتطرق إليها فيما بعد. فإن النظام الدستوري المغربي عرف الملك بناء على الفصلين: 41 بأنه: الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. و42 بأنه: الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. حيث كان هذا التعريف مدمج في الفصل 19 من دستور 1996، مع تعديل بعض المفاهيم. ( سوف نعود للتفصيل بخصوص هذين الفصلين بشكل مستقل).

أ‌- علاقة رئيس الدولة بوزرائه

Ø إذا كان الوزراء في الولايات المتحدة الأمريكية ينعتون بكتاب الدولة فإن تعيينهم يتم بكامل الحرية من طرف الرئيس وفي هذا المجال تعتبر موافقة مجلس الشيوخ مجرد إجراء شكلي. نفس الآلية نجدها في المغرب حيث كان الملك يعين الوزير الأول والوزراء وبالتالي فالحكومة جميعها منبثق من الملك وليس من البرلمان ولهذا فإنها مسؤولة فرديا وجماعيا أمامه لأنه هو الذي ينصبها وليس البرلمان إلا أنه ابتداء من دستور 1992 فإذا كان الملك احتفظ بتعيين الوزير الأول فإن تعيين الوزراء لم يبقى اختصاصا ملكيا خالصا، حيث أصبح للوزير الأول حق اقتراح تعيين الوزراء على الملك فبمقتضى الفصل 24 من الدستور فإن الوزير الأول المعين من طرف الملك هو الذي تناط بت مهمة اقتراح أسماء أعضاء الحكومة الآخرين للملك.... كما أن البرنامج الحكومي الذي يناقش من قبل البرلمان أصبح يخضع للتصويت من قبل ممثلي الأمة لكن مع استمرار انبثاق الحكومة من الملك الذي ينصبها فالحكومة خلافا لما يتبادر إلى الذهن لم تمر في ظل الدستور من وضعية التنصيب من طرف الملك وحده إلى وضعية التنصيب المزدوج إلى التنصيب من طرف الملك والبرلمان فقراءة الفصل 59 قراءة متريثة لا تسمح لنا بالقول بأن هناك إقرار للتنصيب المزدوج للحكومة بل العكس تدفعنا للقول بأن هناك تمييزا واقعا بين التنصيب والمسؤولية، فالملك يمارس وحده التنصيب للحكومة وهذه الأخيرة تكون مسؤولة فقط أمام البرلمان بالإضافة إلى مسؤوليتها أمام الملك.

أما في دستور 2011، فالجديد الذي جاء به أن الملك أصبح مقيد دستوريا في اختيار رئيس الحكومة، من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. كما أنه يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.

وينص الفصل 88 أنه "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.

يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة."

مما يؤكد بأن النزعة البرلمانية في تنصيب الحكومة أصبحت بدون غموض وبدون تأويل، كما أن النقاش بين تنصيب ومسؤولية الحكومية أما البرلمان، أصبحت منتهية حيث نص صراحة على كون " تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب"، مما يجعل الحكومة مقيدة دستوريا بعدم تدبير أي سياسة عمومية ما لم تحظى بثقة مجلس النواب، وهو عكس ما كان قد وقع في مرسوم الحبوب 1998 مع الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي أو توقيع اتفاقيات ثنائية مع الرئيس الفرنسي بمراكش سنة 2007 مع عباس الفاسي.

Ø يمكن للرئيس الأمريكي إقالة كتاب الدولة متى شاء وتعويضهم بآخرين ولا يمكن مطلقا أن يرغم الرئيس على عزل أحد مساعديه من كتاب الدولة. ومع دستور 2011، أصبح الاعفاء يقتضي شروط: لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها." مما يجعل لسلطة المطلقة في علاقة الملك بالجهاز التنفيذي ينظم بقواعد لا تعطي له الصلاحيات المطلقة.

Ø إذا كان كتاب الدولة الأمريكيين لا يشكلون مجلسا للحكومة أو مجلسا للوزراء فانعدام الثنائية أو الازدواجية تعد من بين الخصائص التي يتميز بها النظام الرئاسي الأمريكي، إلا أنه على عكس من ذلك فقد أعطى الدستور للملك صلاحية ترأس المجلس الوزاري وطبعا من خلال هذه الرئاسة فهو يوجه العمل الحكومي بصفة عامة وتكون له الكلمة العليا في القضايا المطروحة على هذا المجلس كما يترأس رئيس الحكومة المجلس الحكومة.

ليس يمعنى هذا أن الرئيس الأمريكي لا يوجه أعمال الحكومة بل على عكس ذلك تماما، فكتاب الدولة يخضعون جميعا للرئيس، وحق التقرير يمارسه هو بمفرده وكثيرا ما يقع التذكير بمقولة abraham lincoln الذي كان قد فرض قرارا رغم معارضة مساعديه كتاب الدولة: " صوت واحد بالإيجاب وسبعة أصوات سلبية فالأصوات الإيجابية هي التي تتغلب".

ب‌- اختصاصات رئيس الدولة:

* السلطة التنظيمية

يمارس الرئيس الأمريكي سلطات واسعة فيما يخص تنفيذ القوانين فانطلاقا من حقه في السهر على تنفيذ القوانين بكيفية سليمة فقد برزت سلطة تنظيمية لم ينص عليها الدستور، هذه السلطة التي تمارس عمليا بواسطة أوامر نافذة تخضع لنفس الشروط التي يخضع لها المراسيم التنظيمية في المغرب مثلا وفيما يخص هذا الأخير في مجال ممارسة السلطة التنظيمية فإننا نلاحظ أن الدستور الحالي ينص صراحة على أن رئيس الحكومة يمارس السلطة التنظمية الفصل 90 ويضيف بأن المقررات التنظيمية الصادرة عنه تحمل التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها.

* المجال التشريعي

Ø لنأخذ أولا الجانب المتعلق باقتراح القوانين، فمن الناحية القانونية الصرفة في النظام الرئاسي الأمريكي لا يتمتع الرئيس بحق المبادرة فيما يخص اقتراح القوانين لكن بواسطة نائب ينتمي إلى حزبه يمكنه أن يتقدم بمقترح قانون إلى الكونغريس، ولكن هناك مجال آخر يمكن للرئيس، التمتع بحق المبادرة ويتجلى في مجال الميزانية حيث ابتداء من سنة 1921 بعد المصادقة على إصلاح الميزانية الاتحادية أصبح بمقتضاها للرئيس تهيئ الميزانية بمساعدة " مكتب الميزانية" في النظام المغربي نجد أن رئيس الدولة (الملك) يتدخل في المسطرة التشريعية من خلال ترأسه للمجلس الوزاري التي تمر منه مشاريع القوانين، كما له الحق في عرض مشروع أو اقتراح قانون على الاستفتاء وهو إجراء يمكنه من تجاوز البرلمان لأخذ رأي شعبه وبالتالي الحد من إصدار البرلمان لقوانين تتناقض والاختيارات الملكية ونجد أيضا من اختصاصاته إصدار الأمر بتنفيذ القانون والذي حدد الدستور أجل 30 يوما للإصدار بتنفيذ قانون توصل به من البرلمان بعد مصادقة هذا الأخير عليه.

Ø يكون الرئيس على اتصال بالكونغريس وذلك لكون الدستور يعترف له بالحق في توجيه خطاب إليه بل من حقه أن يقرأه هو بنفسه. ونفس الشيء نجده لرئيس الدولة المغربي حيث يفتتح دورتي البرلمان أي الدورة الخريفية والربيعية وتبدو أهمية هذا الافتتاح من خلال الخطاب التوجيهي الذي يلقيه أمام أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان وهو بمثابة برنامج للعمل التشريعي.

Ø حق الاعتراض (حق الفيتو): إن السلطات الرئاسية في النظام الرئاسي لا تقتصر على حق التقدم باقتراح القوانين فحسب، بل أنه تمتد إلى ما بعد التصويت حيث يحق للرئيس الأمريكي أن يمارس حق الاعتراض (حق الفيتو) والذي يعتبر من بين حقوقه الدستورية، وفي حالة استعماله لهذا الحق يصبح الكونغريس مطالبا للتغلب على اعتراض الرئيس بالتصويت على القانون بأغلبية 2/3 (لقد استمر الرئيس روزفيلت بكثرة استعماله لهذا الحق ولم يتمكن الكونغريس من حصد الأغلبية الضرورية إلا 11 مرة.
هذه الصلاحية في النظام المغربي إلا في مسألة حق البرلمان تتمثل في طلب القراءة الثانية من قبل الملك حيث لا يمكن رفض طلبه الفصل 95، كما يمكن للملك أن يحل البرلمان بغرفتيه أو غرفة واحدة.

* المجال الإداري

يمارس الرئيس الأمريكي بمفرده السلطة التنفيذية ويعد رئيسا للإدارة الاتحادية فهو الذي يعين موظفي الإدارة، شريطة الحصول على موافقة مجلس الشيوخ كما أنه هو الذي يوجه ويدير نشاطات هذه الإدارة التي تكون تحت تصرفه. أما في النظام السياسي المغربي فلا شك أن الملك يقوم بدور رئيسي فيه لا على المستوى الدستوري فقط بل على المستوى الإداري كذلك ولصعوبة الفصل بين المجال الدستوري والمجال الإداري أحيانا فإن إبراز دور الملك يجب أن ينطلق من بنود الدستور، فقراءة عدة فصول من الدستور 2011 تسجل أن الملك يمارس اختصاصات متعددة تدخل في صميم السلط الثلاث، وهذه الاختصاصات إن لم تكن دائما اختصاصات مباشرة فهي في غالب الوقت تظل إشرافية، وبالتالي فالملك يمارس مهام وليس تدبير إداري لأنه سامي على المجال الإدري المحصور للحكومة.

كما ينبغي الإشارة أنه في إطار الاختصاصات الإدارية التي يمارسها الرئيس في النظام الرئاسي هو مكانة سلطته العسكرية الهامة، فالرئيس يعد القائد الأعلى للقوات المسلحة وكذلك للمليشيات الاتحادية. وإن كان ليس من حقه أن يتخذ قرار الحرب بدون موافقة الكونغريس، فإنه يكون في وسعه ويدون اللجوء إلى الإعلان عن الحرب أن يستخدم الجيش في بعض العمليات وبالفعل قد سبق للرئيس السابق " ماري تورمان" بصفته القائد العام للقوات المسلحة أن استخدم الجيوش الأمريكية في كوريا بالرغم من عدم وجود قرار بإشهار الحرب ضد هذه البلاد من طرف الكونغريس ويمكن أن نقوم بنفس الملاحظة على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على فيتنام. وفي المغرب فإن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية قرار مثل الحرب أو إعلانها فهي من اختصاصه.

* العلاقات الخارجية

إن كلا من الرئيس الأمريكي والملك المغربي لهما صلاحية تعيين السفراء ببلادهما في الخارج وهما اللذان يقومان بإعداد المعاهدات وإبرابهما ولديهما يعتمد سفراء الدول الأجنبية فإن كانت للرئيس لا تكون نافذة إلا بموافقة مجلس الشيوخ عليها فإن الملك يمارس اختصاصاته بدون موافقة أي مجلس أما المعاهدات والاتفاقيات فهي تمر بالضرورة من المجلس الحكومي الفصل 92، كما أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة، إلا بعد الموافقة عليها بقانون، وللملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها.إذا صرحت المحكمة الدستورية، إثر إحالة الملك أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو سدس أعضاء المجلس الأول، أو ربع أعضاء المجلس الثاني، الأمر إليها، أن التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف الدستور، فإن المصادقة على هذا الالتزام لا تقع إلا بعد مراجعة الدستور.

* في الحالات الاستثنائية

إن سلطات الرئيس الأمريكي في النظام الرئاسي تكتسي أهمية بالغة في الفترات الاستثنائية فخلال الحرب العالمية الثانية مثلا منح الكونغريس للرئيس سلطات واسعة منها حق المصادرة كما أن النظرية المعروفة بالوضعية المتأزمة تبيح للرئيس عند الاستعجال باتخاذ تدابير غير منصوص عليها من طرف القانون والتي تصبح ضرورية نتيجة للوضعية التي تجتازها البلاد لكن مع ذلك يجب أن نؤكد بأن امتداد السلطة يكون مقيدا ذلك أنه إذا كانت المحكمة العليا تعترف مبدئيا بشرعية هذه السلطات الاستثنائية، فإنها ما فتئت تعلن بأنه لا يسمح للرئيس مطلقا، باتخاذ إجراءات تعد من اختصاص الكونغريس، نفس الصلاحيات نجدها لرئيس الدولة المغربي حيث ينص الفصل 59 على إمكانية الملك من جمع جميع السلطات بين يديه أو أنه يكرس " ديكتاتورية مؤقتة" غير أن الإعلان عن هذه الحالة يقتضي بعض الشروط محددة في شرطين جوهريين شكليين. بالنسبة للشرطين الجوهريين هما حالة الاستثناء لا يعلن عنها إذا كانت حوزة البلاد مهددة أو إذا وقع ما من شأنه أن يمس سير المؤسسات الدستورية، وبطبيعة الحال فإن الملك هو الذي له الحق في تقدير هذه الأحداث مثلما له الحق في تقدير وجود تهديد لحوزة التراب. أما الشرطان الشكليان فهما استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية وهي استشارة غير ملزمة للملك بالإضافة إلى توجيه خطاب للأمة يبين فيه الأسباب التي دعت إلى الإعلان عن حالة الاستثناء.

وبالتالي تركيز الحكم بين يديه وبالتالي ممارسة سلطات مطلقة لا تخضع لأي قيد أو رقابة، ورغم أن الدستور الأمريكي يأخذ بحالة الاستثناء فإن محتوى الفصل 59 ذهب أبعد مدى من دستور م.م.أ لأنها أكدت على ضرورة اجتماع البرلمان لمتابعة ومراقبة أعمال الرئيس خلال حالة الاستثناء في حين الدستور المغربي ينص فقط على "لايحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية". ويبقى الملك يسهر على رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يقتضيها تسيير شؤون الدولة ويتجلى من خلال هذه القراءة أن رجوع المؤسسات إلى سيرها العادي، ليس بمفرده الموضوع الرئيسي في اتخاذ التدابير الملكية بل بقع الاستمرار في تسيير شؤون الدولة بما فيها البرلمان والحكومة، ومنة خلال مضمون الفصل يصبح بإمكان الملك أن يحل محل السلطتين التشريعية والتنفيذية .

خلاصة الجزء الأول:

من خلال ما سبق يصعب وصف النظام المغربي يتميز بخصائص النظام الرئاسي، بل يمكن الجزم أنه يتناقض معه، مما يطرح تساؤل هل هو بمعنى ذلك نظام برلماني؟.

ذلك ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال الجزء الثاني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين