الاتحاد الاشتراكي والفرصة الأخيرة



الاتحاد الاشتراكي

والفرصة الأخيرة

المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يصوت بالإجماع على قرار رفض دعوة بنكيران رئيس الحكومة المعين بالدخول للأغلبية، ويحسم في اختيار المعارضة، كجوابا على مطالب مناضليه وقواعده.

فهل انتهت المعركة؟ أكيد الجواب النفي، لأن اختيار المعارضة هي بداية الطريق، وهي بوابة الإصلاحات بجميع مستوياتها، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى الحزب كأداة تغيير نحو مغرب العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة والحرية.

نبدأ على مستوى الذاتي للحزب، إن قبول الحزب المعارضة من خلال تصويت ديمقراطي داخلي للحزب، بمعزل عن مقولات التزامات الكثلة أو تعليق خيار صوت المناضلين بدعوى أن المغرب في مرحلة حرجة يحتاج لتكاثف الجهود مع الجميع من أجل تجاوز سكتة جديدة، بل هي تؤكد أن النفس الديمقراطي هب من جديد داخل جسم الحزب.

إن الحزب اليوم هو مفترق الطريق، إما العودة إلى الوراء وتكرار نفس تجارب السابق أو أن يختار الطريق الصحيح نحو الإصلاح من خلال أربع محددات رئيسية: قراءة موضوعية لتجربة مشاركة الحزب في الحكومات السابقة ، تجديد النخب ، العودة للمناضلين من خلال مشروع فكري وثقافي واجتماعي ، بناء تعاقدات جديدة مع مكونات اليسار.

إن اختيار الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي إطلاق التناوب التوافقي، وتصريحه بأنه صاحب التناوب، جرت على عاتق الحزب إنجاح المسلسل، بأي تكلفة، والالتزام بالاستمرار في الحكومات اللاحقة من أجل الاطمئنان على التجربة وعلى المولود الجديد الذي كان أمل جميع المغاربة أن يخطو بالمغرب نحو الديمقراطية.

إن اللحظة التي نعيشها اليوم، مع الدستور الجديد، والذي كانت نتيجة طفرة نوعية عاشها المسار السياسي المغربي، اسمها حركة شباب 20 فبراير، والتي حولت التراكم الكمي الذي سهامت فيه كل القوى الحية والديمقراطية في بناءه، إلى تراكم نوعي، وسرعت بانجاب الدستور الجديد.

وهي التجربة التي نقول عنها أن ميلاد جديد للمغرب، رفعت الكلفة عن الاتحاد بالاستمرار في الدفاع عن الدستور السابق، والوصاية عليه، وبالتالي لا نقول عنها بضرورة النقد الذاتي للحزب في مسار مساهمته في تجربة التناوب التوافقي الذي انتهى، سواء سلبا من خلال الدستور الجديد الذي أسس لتعاقد سياسي جديد على أنقاض التعاقد السياسي السابق والذي سماه الأستاذ اليوسفي القسم على القران، أو سواء انتهى إيجابا، بالعودة للمنهجية الديمقراطية واختيار رئيس حكومة من الحزب الاغلبي.

ولكن هذا لا يحل دون أن يقدم الحزب تقييما موضوعيا لتجربته في الحكومات السابقة الثلاثة، وهنا نتحدث عن الأداء، وليس عن البعد السياسي، وذلك من أجل مصارحة الشارع وقواعد الحزب في مكامن القوة التي نجح فيها الحزب ومواقع الضعف والخلل التي يمكن الاستفادة منها وتجاوزها في الأداء البرلماني المقبل. خاصة مع دور المعارضة الذي أصبح محدد، ولها صلاحيات جديدة، يمكن للاتحاد أن يؤسس لها أعرافها وتقاليدها الجديدة. ولما لا وصلا بالحزب إلى إنشاء حكومة ظل بالموازاة مع الحكومة الرسمية والتي يمكن أن يستثمر فيها تجربته الطويلة في تدبير الشأن العام واليومي للمواطن المغربي.

النقطة الثانية، وتتعلق بتجديد النخب، ولا يفهم من هذه النقطة، طرد النخبة القديمة في مقابل نخبة جديدة، بل أن يتم تجديد أطر الحزب وقيادته من خلال منهجية ديمقراطية، تتمثل في مؤتمر التيارات والمشاريع والبرامج المتنافس عليها، وليس مؤتمر انتخاب الأجهزة والإجماع حول أرضية واحدة، إن جزء من النخبة التي قادة الحزب أو التي شاركت في تدبير الشأن الحكومي خلقت بسلوكها وبنوع من الإفراط في البرغماتية، هوة بين الحزب ومناضليه وبالأحرى بالمواطن المغربي.

إن استمرار تلك النخب لا يجب أن يكون على أساس حجم الانزلات في المؤتمرات بل من خلال مشروع وأرضية يمكن أن تقنع بها مناضلي الحزب على المستوى الوطني وليس فقط على مستوى المحلي. فيكون المؤتمر تتويجا للنقاشات الوطنية حول المشاريع والبرامج المستقبلية للحزب. فلابد من بناء حزب التيارات في أفق خلق الحزب الاتحاد الكبير.

المحدد الثالث، ولذي يتمثل في التواصل مع المناضلين من خلال مشروع ثقافي وفكري متجدد ومتنور، يعود هذا المحدد بالأساسي إلى ما عرفته المنطقة العربية والمغاربية بهيمنة التيارات الأصولية، حيث يعرف هذا التيار مدا قويا من خلال الحراك الاجتماعي الذي تعرفه المنطقة، ويعود أيضا إلى رئاسة الحكومة التي تستثمر الخطاب الديني بكثافة، حيث يمكن معارضته أن تؤدي إلى معارضة الدين، وتعمق الهوة بين الحزب والمجتمع.

وهنا لابد من فكر متحرر وعقلاني ولكن في نفس الوقت واقعي، ينطلق من هموم المجتمع ومن حاجياته، وعدم السقوط في فخ الدخول في النقاشات البيزنطنية المتمثلة أساس في الخيارات الفردية من خلال مقاربة أبيض /أسود وجنة/ نار، مسلم/كافر بل تستنبط أسسها من التراث الثقافي للمجتمع وحججها من خلال لواقع الاجتماعي، ولابد من العودة إلى دور المثقف والباحث والجامعة باعتبارها قلاع إستراتيجية للفكر الاشتراكي الديمقراطي.

العودة إلى العائلة الاتحادية، والى اليسار بشكل عام، باعتبار أن تجربة 2002 "مولى نوبة"، وتجربة 2011 التي تعتبر الرصاصة الأخيرة في ما يصطلح عليه بالكثلة كخيار مركزي للحزب، إن الحزب اليوم هو في أمس الحاجة إلى أحزاب اليسار كما أن هذه الأخيرة هي في أمس الحاجة إليه، وما النداء الأخير الذي وقعه مجموعة من المثقفين والصحافيين واليساريين هو مؤشر على أن الاتحاد لازال يشكل "الأمل" ودعوة الاتحاد إلى فتح بابه إليهم، فكما جاءت الدعوة اليوم منهم فالعدة على الحزب أن يرد بالمثل أو بخير منها.

إن خيار العودة للتحالف مع أحزاب اليسار، ليس خيارا انتخابيا ضيق الأفق، بل هو خيار مشروع مجتمعي يؤهل المغرب ككل نحو مجتمع العدالة، وهو خيار استراتيجي مفتوح على جميع الأفاق، وعلى بناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكبير.

وهذا الحلم لن يتأتى إلا من خلال جيل الشباب الجديد الذي لا يحمل أية ضغينة أو حقد شخصي، ولا يضع مشروع الفكرة في ميزان نزوات اختلافات ذاتية للأفراد، فالشارع وحركة شباب 20 فبراير والجامعة والملتقيات الشبابية كانت المحك الحقيقي لمختلف التيارات اليسارية والديمقراطية في تجاوز العقد النفسية.

لا نقدم وصفة جاهزة للحزب، ولا ندعي المعرفة العميقة بالتنظيم، بقدر مت حاولنا الإسهام من موقعنا كمتتبع وكمتعاطف مع الحزب في النقاش الدائر بين الشباب حول مصير الحزب، فكما كان الشاب المهدي بن بركة رجل حزبه في الستينات، وكما كان الشاب عمر بن جلون رجل حزبه في السبعينات، فشباب اتحاديو 20 فبراير رجال ونساء حزبهم اليوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين