حركة شباب 20 فبراير الأخطاء والتحديات



انطلقت حركة شباب 20 فبراير، تحمل الآمال الكثيرة للشعب المغربي، من خلال مطالبها بتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة والحرية، ولكن يبقى التساؤل هل استطاعت هذه الحركة أن تستجيب لتطلعات المواطن المغربي؟

من خلال هذه الورقة نحاول رصد الأخطاء التي سقطت فيها الحركة، ليس نقدا هداما أو تنقيصا من نضالات شبابها الذين راكموا رأسمال رمزي لا ينكره إلا جاحد أو عدمي، وفي نفس الوقت تبيان الأسس التي يمكن أن تشكل القفزة الجديدة والنوعية للحركة من خلال التأقلم مع المعطيات والتحولات التي عرفها المغرب منذ 20 فبراير 2011.

1) من دينامية إلى فصيل: الحركة كانت دينامية مجتمعية تتكون من مجموعة من الفصائل والتيارات داخل المجتمع، فمن خلال شعاراتها استطاعت أن تستقطب كل الحساسيات السياسية والمذهبية، ولكن بعد ذلك تحولت الحركة إلى تعبير عن فصائل محددة من خلال تحول شعاراتها تجسد مواقف سياسية معينة وتموقعت في صف تيارات ضد تيارات أخرى حملت معها هم التغيير، وقد خلقت هوة بينها وبين باقي مكونات المجتمع؛

2) من حركة شباب 20 فبراير إلى حركة 20 فبراير: النقط المركزية في الحركة هي أنها كانت شبابية، حيث حرقت الصورة الكاريكاتورية والتهريجية عن الشباب بكون عازف عن السياسية وغير ناضج، كما أن الدولة استثمرت أموالا ضخمة لإنتاج شاب نموذج "سطوندار"، لكنها فوجئت بشباب يحملون تطلعات وأحلام المجتمع ككل، ويطالبون بتحقيق شروط العيش الكريم والتمتع بالكرامة، في مقابل اضمحلال النماذج التي أطرتها، وهؤلاء الشباب خرجوا من هامش النظام وأحيانا من داخل النظام نفسه، وبالتالي عودة الثقة في الشباب جعل مجموعة من المناضلين يتذكرون تجاربهم في الستينات والسبعينات والثمانينات، والاقتداء بتجربة شباب ماي 68، ولكن سرعان ما اختفى الاسم ليحل محله شباب حركة 20 فبراير، كقطاع موازي للحركة، وانتقلت الهيئات والتنظيمات الداعمة إلى عضوة ومكون من مكونات الحركة، جعل هذا الأمر بأن يسقط الشباب في حسابات وتقديرات الكبار؛

3) الإفراط في الطهرانية: لبست الحركة جلباب الطهرانية وامتلاك الحقيقة لوحدها، وقد يكون هذا طبيعيا، لوجود فصيل يمثل العصب الاحتجاجي داخلها، يتمثل في العدل والإحسان، إذ تم بناء المشانق لإعدام كل رأي مخالف، والعمل بمقولة معنا أو ضدنا "البوشية"، كما أنها شيدت محاكمات ستالينية لبعض النشطاء فقط لأنهم عبروا عن رأي مخالف أو وجهوا لها نقدا بناء أو لأمر آخر، جعل الإفراط في الحفاظ على عذريتها يخلق لها أعداء من حيث لا تحتسب؛

4) من المركزي إلى الهامش: إن الحركة هي دينامية تبعث برسائل إلى أصحاب القرار، وخروجها يوم 20 فبراير و20 مارس شكل قوة أساسية، ولكن تاكيتكيتها بالتحول إلى الهامش من خلال الأحياء الشعبية، أبعد عنها أهم عنصر في أي عملية تحول أو تغيير وهو المثقف والطبقة المتوسطة، حيث فضلت التحالف مع الفئات الاجتماعية المتضررة والكادحة، عوض طبقة مستنيرة وبعض المتنورين من البرجوازية الصغرى والوطنية، وعلى رأسهم المثقف الذي يشكل البوصلة لعمل الحركة، ولكن التناقض الذي سقطت فيه، هو إقصاء المثقف أو عدم التعالم معه باحترافية وفي نفس الوقت ترفع شعار تخلي أو خيانة المثقف الذي يلزم أريكته المريحة، وعدم الانخراط في هموم المجتمع، وكأن من أدوار المثقف أن يخرج للشعار ويرفع الشعارات فقط، بل دوره الأساسي يتمثل في إنتاج حقل المعرفة لتأطير وفهم وتحليل السلوك الاحتجاجي، لا أن يكون طرفا فيه, وفي نفس الوقت لم يستطع الشباب أن ينتج تراكم معرفي أو على الأقل سيرة ذاتية أو تحليلات مستنبطة من واقع الحركة، باستثناء مقالات هنا أو هناك ولكن في غالبيتها هي تعبير عن مواقف سياسية أكثر منها تحليلات علمية؛

5) من الفعل إلى رد الفعل: منذ انطلاق الحركة في ذلك الصباح الممطر، قلبت معادلة النظام السياسي بالمغرب، الذي كان يبادر في مقابل باقي مكونات المجتمع تقوم برد الفعل سواء بالإيجاب الأغلب الأعم أو بالسلب، حيث منذ طرح ملف الاحتجاج أصبحت الدولة تقوم برد الفعل كان أولى بوادرها خطاب 9 مارس، وبعد 20 مارس ردت الدولة بإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، والقيام بتدابير اجتماعية من قبيل الزيادة في الأجور وإدماج كبير للمعطلين، ولكن مع طرح الدستور كمبادرة من قبل الملك، بعد أن كان من بين المطالب المركزية للحركة، بدستور ديمقراطي، انقلبت الآية وأصبحت هي التي تقوم برد الفعل برفضها للدستور، ولتسقط في نفس الفخ مع مسلسل الانتخابات، وأضحت تابعة لمبادرات الدولة، ولم تجعل لنفسها مسافة من المبادرات وتبقى محافظة على شعاراتها الأولى؛

6) من شعارات موحدة إلى تشتيت المطالب: الحركة رفعت شعارات وجعلت من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين يترجمون شعارات إلى برامج ومشاريع واضحة وقابلة للتنفيذ، رفعت عن عاتقها ثقل الإجابات عن جميع الأسئلة وأحرجت في المقابل باقي المكونات الأخرى التي لم ترقى في الإجابة إلى مستوى مطالب ولتطلعات الشباب، ولكن تحول الشعارات إلى مطالب كثيرة، شتت من مجهودها، وأضعف حججها وآليات إقناعها، كما أنها أصبحت تقدم المطالب من داخل بعض التيارات وكأنها حقائق مطلقة، وكافية لبناء مشروع مجتمعي متكامل؛

7) هيمنة الشعارات في غياب رؤية واضحة: الشعارات التي رفعتها في البداية، لم تكن مؤطرة برؤية واضحة للشباب، فمفهوم الديمقراطية والعدالة والحرية هي مفاهيم معيارية، ولكن يبقى الاختلاف في آليات تحقيقها، خاصة فيما يتعلق بسمو المواثيق الدولية والمساواة بين المرأة والرجل، والحريات الفردية والعقائدية، فهل الديمقراطية لدى شباب العدل والإحسان هي نفسها الديمقراطية لدى شباب اليسار، مثلا، فمعلوم أن الاحتجاج بلا رؤية هو أعمى، ورؤية بلا فعل هي عرجاء، وبالتالي شعار يمكن أن يتوحد عليه الجميع وهو إسقاط الفساد والاستبداد، باعتبار أنه فضفاض ولكن المشروع المجتمعي البديل هل يمكن أن نتفق عليه؟ ما أسهل هدم البيت ولكن ما أصعب البناء؛

8) من فضاء عام إلى فضاء خاص: الحركة كدينامية شاسعة كانت فضاء عام لتصريف جميع الصراعات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن بعد حين أصبحت فضاء خاص، أو بالأحرى ورقة في يد بعض الشبكات أو التيارات بمختلف توجهاتها من أجل تزكية وتعزيز موقعها بالتفاوض بها، سوى بتقديم القدرة على الضبط الأمني لها أو من خلال الاحتجاج بالخروج سياسيا إلى صفوفها والالتحاق بالشارع من أجل كسب المزيد من الريع الاحتجاجي؛

9) من حركة سياسية إلى حركة خبزية: الحركة رفعت شعارات سياسية في بداياتها، وحتى بعض المطالب الاجتماعية كانت تقدم ولكن بمقاربة سياسية، فمن المطلب الدستوري إلى تخفيض الأسعار، كان يربط بمسؤولية الحكومة، وفشل هذه الأخيرة بسبب عدم وجود محاسبة وعدم ربط السياسات العمومية بصناديق الاقتراع، ومع تطور الأمور انتقلت الحركة إلى المطالب الاجتماعية ولكن بنفس نقابي وخبزي، جعلها تزاحم الآليات التقليدية الموكل لها تاريخيا القيام بهذا الدور، وصل أحيانا إلى اصطدامات؛

10) من جواب إلى سؤال: التحول الذي عرفه المغرب أن الصراع فيه كان بين الدولة والمجتمع ولكن مع التطورات التي عرفها، تحول إلى صراع من داخل الدولة وامتدادته إلى المجتمع وأصبح الصراع بين تيارات داخل أجهزة الدولة، ولكل تيار له ما يعكس توجهاته من صحافة "مستقلة" ومجتمع مدني وأحزاب ومساجد وغيرها، فكانت 20 فبراير جواب لكل على أسئلة يطرحها المواطن العادي وصولا إلى أشخاص يصنفون بأنهم نافذين داخل الدولة، ولكن بعد المخاض الذي عرفته الحركة أضحت هي السؤال في مقابل أجوبة تقدم جاهزة من الأعلى إلى الأسفل؛

هذه الأخطاء العشرة المقدمة، حولت الحركة من اسم إلى مسمى ومن فاعل إلى مفعول به، وبالتالي لا يمكن تجاوز هذه الإشكالات والعودة إلى الحركة الأصيلة التي بشرى بها الجميع يوم 20 فبراير ووصلت لأوجها في 20 مارس إلا من خلال عشرة نقط، نطرحها عامة في أفق التفكير فيها:

1) فرض الاستقلالية عن أي تيار أو فصيل سياسي أو اجتماعي، وفرض تسمية حركة شباب وليس شباب الحركة؛

2) تقديم الأجوبة على التحولات التي يعرفها المغرب من داخل الشباب وليس من خلال بيانات أو بلاغات هذا الحزب أو ذلك، هذا التنظيم أو ذاك؛

3) ربط الاحتجاج بمشروع معرفي، واقتحام الأبراج العالية للمثقف؛

4) توضيح الرؤية في قضايا كثيرة وحساسة؛

5) العودة إلى المبادرة والفعل والابتعاد عن ردود الفعل سواء منها المتعلقة بالدولة أو الأفراد؛

6) عدم السقوط في فخ حكومة بنكيران، باعتبار أن التناقض الرئيسي يتمثل في النظام وليس في آلياته (الحكومة) كتناقض ثانوي؛

7) عدم التماهي مع الهيئات الداعمة، وفرض مسافة معها؛

8) تأسيس للتيار الثالث بالمغرب، عوض الرهان على تقديم مكاسب للتيار الديمقراطي في الدولة على حساب التيار المحافظ داخل نفس الدولة؛

9) جعل الاحتجاج كتاكيتك وليس كإستراتجية؛

10) الإيمان بأن "التغيير" الخيط الناظم بين "الإصلاح" و"الثورة"، وعدم إسقاط الشرعية على الفصائل التي تشتغل من داخل المؤسسات، بل البحث عن سبل التكامل وليس عن نقط الاختلاف والصراع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين