رهانات الجهوية الموسعة بالمغرب – الجزء الأول-



رهانات الجهوية الموسعة بالمغرب – الجزء الأول-

بداية أود أن أبدي ملاحظة أساسية:

تنطلق من كون النقاش الجاري حول الجهوية الموسعة بالمغرب تتّأسس على مستويين، المستوى الأول الرسمي، أقصد هنا بالرسمي التنظيمي وليس القانوني، بين مجموعات من المكونات الأساسية في الحقل السياسي والمدني، من دولة وأحزاب سياسية وجمعيات المجتمع المدني، أي باختصار من طرف المكونين المجتمع السياسي والمجتمع المدني.

والمستوى الثاني وهو النقاش الافتراضي الذي ضحى يشكل طفرة نوعية من خلال انخراط مجموعة من الأفراد وخاصة الشباب في طرح نقاشات والتأسيس لأخرى، مستعينين باليات وميكانزمات تكنولوجية لم تكن متوفر في الستينات والتسعينات وهي تتطلب استراتيجيات منظمة في هذا الطرح.

ومن هنا إذا كان المستوى الثاني طور أدواته في الترافع وفي الحث على إسماع مقترحاته، فالثاني لازال في طور التشكل ولم يبلور بعد آليات الاشتغال في ميدان الاقتراح والترافع.

انطلاقا من المستوى الثاني تأتي مساهمتي هاته لأبدي بوجهة نظري حول موضوعة الجهوية بالمغرب، وفي هذا الخضم سوف أحاول رصد الجهوية الموسعة من خلال التراكم الحاصل في بعض أدبيات علم السياسة والقانون الإداري، أي الجهوية في بعدها السياسي/المؤسساتي في إطار بناء الدولة، انتهاء بالجهوية كتنظيم إداري/قانوني أو كتنظيم مجالي/ ترابي.

وقبل البداية أحذر أني لا أملك ناصية الإجابة على كل التساؤلات والإشكالات النظرية والتي يطرحها هذا الموضوع بقدر ما هي انشغال فكري وقلق ذهني بخصوص الموضوع.

أولا: الجهوية على المستوى السياسي/ المؤسساتي؛

إن النظريات المؤسساتية الكلاسيكية حول تنظيم شكل الدولة يجد سنده من خلال انتاجات مونتيسكيو، حينما يتحدث عن كون السلطة لا تحدها سوى سلطة أخرى، داعيا إلى ضرورة وجود فصل للسل طاو بالأحرى توزيع منظم ومتساوي الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وإذا كانت هذه النظريات صالحة في سياق نشأة الدولة الحديثة، فيكم تطويرها في مرحلة تأسيس للدولة المعاصرة الآن. وبالتالي فصل السلط، ( وللإشارة لا يتم إدراج القضاء في هذه المعادلة باعتباره أنه يجب أن يكون مستقلا استقلالا تاما عن السلطتين الأخرويتين)، فإنه يبني فصل السلط على قاعدة عمودية.

أما القاعدة الأفقية فهي تقتضي، نوع من فصل السلطة المركزية عن السلطة المحلية، باعتبار أن أرقى مستويات الديمقراطية الحالية هي اندماج ما بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، التي تلزم بإشراك السكان في تدبير بالإضافة للشأن العام الشأن المحلي.

وهنا يطرح إشكال مركزي هل التأثير على مستوى النسق المركزي، يؤثر بشكل آلي على الأنساق الفرعية؟ والعكس هل صحيح؟ بلغة أخرى هل التأثير على مستوى المحلي سوف يؤثر على المستوى المركزي، سواء بالايجابي أو السلبي؟

أكدت التجارب سواء الوطنية أو الدولية، أنه صعب جدا ويقتضي مجموعة من الشروط المادية والموضوعية، وبالتالي فإن توسيع وتمكين الأنساق الفرعية لا يتم إلا من خلال تقليص من اختصاصات النسق المركزي.

وفي إطار الحديث عن النسق المركزي يجب تحديده، وهو يتشكل من فاعلين اثنين، فاعل مركزي ورئيسي تمثله المؤسسة الملكية وفعلين ثانويين تمثله الحكومة والبرلمان وغيرهما من المؤسسات التي تدور في فلكيهما.

1- الفاعل الرئيسي في النظام السياسي المغربي.

المؤسسة الملكية هي فاعل مؤسس ومركزي في المشهد السياسي المغربي، إذ هي مؤسسة فوق دولتيه وفوق مجالية، لا تحدها حواجز من أجل تنمية جهة دون أخرى. وتتمتع باختصاصات مهمة على مستوى الهندسة الدستورية، التي هي بمثابة تكنولوجية مؤسساتية تضع الخطوط الحمر لكل التجاوزات وتضع ألغام أمام أي فاعل سولت له نفس التطاول أو تجاوز اختصاصاته.

مما يجعل هذا الفاعل يضع التصورات والبرامج والمشاريع بل وأحيانا حتى الجزئيات التي يمكن للجهات المحلية القيام بها، وهي اختصاصات أحيانا تعطل بل وتكون تتجاوز مناطق الظل في صلاحيات السلطات المحلية.

2- الفاعلين الثانويين.

تتكون الحكومة أساسا من عدة قطاعات وزارية ويشتغل كل قطاع وزاري من خلال مصالح خارجية تتواجد في الجماعات المحلية، وهي تجعل البرامج المركزية مفروضة على المستوى المحلي، لا تعمل هذه الأخيرة سوى في الاجتهاد لتنفيذها بشكل جيد.

وداخل الحكومة توجد وزارة الداخلية، التي تمتلك صلاحيات مهمة من خلال ممثليها في الوحدات المحلية على حساب الممثلين المنتخبين، فتكون شرعية التعيين أقوى بكثير من شرعية الانتخاب، خاصة في مجال الوصاية، والميزانيات الفرعية والمحلية.

أما البرلمان فوجوده يمثل تمثلية مركزية للسكان من خلال الاقتراع العام المباشر وتمثلية شبه مركزية من خلال تمثلية الناخبين الكبار في الغرفة الثانية، وهي الشيء الذي يجعل البرلمان يلعب دور وطني أكثر منه ذو بعد محلي أو جهوي.

كل هذه العوامل تقتضي بالفعل تقليص من صلاحيات أو إعادة هيكلة تنظيم هؤلاء الفاعلين سواء المركزيين أو الثانويين، من أجل جعل الجهوية الموسعة تنظيم سياسي فعال وناجع وذو مردودية تتناسب ومشروعيته.

ثانيا: الجهوية على المستوى المجالي/ الترابي – الإداري/ القانوني

نترك هذا الموضوع للجزء الثاني من المقالة.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين