المسخ الديمقراطي




المسخ الديمقراطي
يختلف الانتقال الديمقراطي عن التحول الديمقراطي، فالأول يقصد به الانتقال من نظام أوتوقراطي أو باترمونيالي كما هو المغرب، إلى نظام آخر ديمقراطي، وفق شروط قد تكون ديمقراطية أو لا، كالانقلاب العسكري في بعض التجارب أو بناء على توافق وطني بين فاعلين سياسيين واجتماعيين. أما التحول الديمقراطي، هو تحول بوسائل ديمقراطية من نظام استبدادي إلى آخر أكثر استبدادا أو تغيير فقط في قواعد النظام السلطوي كي نجد أنفسنا أمام سلطويات جديدة، وتتم هذه العملية باليات ديمقراطية، وهذه المفارقة.
منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي، عرف المغرب عدة تحولات، وتكاد تكون مسوخ ديمقراطية، وتم ذلك بتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مرورا بكل من الإعفاء عن المعتقلين السياسيين، إلغاء ظهير كل ما من شأنه، تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ديوان المظالم، إصلاح المحاكم الإدارية، مدونة الأسرة... وصولا إلى طي ملف مخلفات الماضي. أمام هذا الكم من الإصلاحات المؤسسات والقانونية يطرح تساؤل الكيف؟ أي ما يسمى في أدبيات المنهج الدياليكتيكي، الانتقال من الكم إلى الكيف.
إذ اغلب هذه الإصلاحات لا تكون إجابات على صيرورة مؤسساتية بقدر ما كانت تخرج من القصر الملكي إلى الجريدة الرسمية.
تحول آخر وقع على مستوى الانتخابات، حيث لم يعد يطبخ ملفها في دهاليز وزارة الداخلية، بل أصبحت الانتخابات تصنع من خلال تقطيع انتخابي ونظام انتخابي على المقاس، يستطيع به مهندسو الدولة حسم نتيجة الانتخابات قبل وقوعها.
مسخ اخر وقع على مستوى الأحزاب، إذ يمكن الحديث عن طفرة حزبية وقعت قبيل الانتخابات التشريعية لعام 2002، ودخول كائن انتخابي جديد الساحة السياسية، يراهن على رزمة من الأعيان والانتهازيين الذين يبحثون عن مواقع في سلم الدولة بأقل تكلفة، فتحولنا من تعدد حزبية مطوقة إلى تعددية حزبية محروسة ومدجنة، تتسابق إلى تقديم أجمل التفسيرات والتطبيقات للخطب الملكية.
تحول آخر وقع على مستوى أجهزة الدولة، بإنتاج مؤسسات موازية تلعب الدور المنوط بالحكومة، فلم نعد أمام حكومة رسمية وأخرى حكومة الظل، بقدر ما أصبحنا أمام حكومة رسمية وحكومات البلاط، تنزع بساط التدبير الشأن العام من تحت أقدام الجهاز التنفيذية، وتستمد مشروعيتها من تفويض رئيس الدولة لبعض اختصاصاته لها.
تحول أكثر تقدما هذه المرة، يكمن في تحول دستوري، إذ لم تعد الحياة السياسية مرهونة ب"جوكير" الفصل 19، هذا الأخير الذي أضحى أكثر تقدما من الأحزاب التقدمية، بقدر ما أصبحت الحياة السياسية مؤطر بما يمكن اصطلاحه ب "ميتا دستورية"، أي وفق قواعد "فوق دستورية"، يكفي إشارة أو تلميح للإرادة الملكية حتى يهرول كل الفاعلين إلى تنفيذ قرارات لم تمر بالضرورة من الآليات السلطوية القديمة، وأحيانا إنتاج سياسيات عمومية تكون عبارة عن اجتهادات للإرادة الملكية دون أن يكون هناك أي ترميز لذلك.
نعيش نوع من التحول الشبيه بالتحول على منوال "جريجور" بطل رواية "المسخ" ل"فرانز كافكا"، الذي كان حتميا أن يموت البطل حتى تذب الحياة في أسرته الصغيرة، ويبدأ التفكير في تزويج أخته "ريتا" بعد أن انتبهوا أخيرا أنها أصبحت في عمر الزهور.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين