أجنحة النظام السياسي المغربي

يعرف النظام السياسي بأنه مجموعة من الفاعلين والمؤسسات، التي تنقسم بدورها إلى من هي مركزية ومنها ما هي ثانوية، ومنها ما يشكل النسق الرئيسي ومنها ما يشكل الأنساق الفرعية. وبالتالي يكون هناك صراع وتنافس وتدافع بين الأنساق الفرعية من أجل الوصول إلى مركزية القرار السياسي. ورغم وجود تيارات متعددة فهي تصنف داخل توجهين، إما محافظ أو تحديثي، وليس بالمعنى الإيديولوجي، ولكن بمعنى الحفاظ على المصالح. فالمحافظ يحاول أن يحافظ على الوضع القائم لاستفادته من الريع السياسي والاقتصادي، والتحديثي يسعى إما إلى ضمان استمرارية المصالح واستمرارية الدولة أو البحث عن موقع قدم له داخل هرم السلطة إذا كان مقصيا من الاستفادة من الامتيازات.

ننطلق من فرضية عامة، وهي أن في المغرب تياران: تيار محافظ وتيار تحديثي كل منهما يشتغل من موقعه من أجل ضمان المصالح المشتركة بين نسيج الأطراف داخله، التيار المحافظ يتشبث بالأصول الثقافية والمرجعية لدولة، أما التيار التحديثي فهو يعمل على الانتقال التدريجي والحذر للدولة والمجتمع للمنظومة المعاصرة و"الحداثية". وهي فرضية نجزم من البداية أنها صحيحة تحتمل الخطأ، كما نجزم أنها خطأ تحتمل الصواب، وللإجابة عليها نعتمد جرد سنوي لبعض الوقائع والأحداث من خلال تفكيك عناصرها إلى أجزاء أخرى متنافرة تحتاج هي الأخرى لبحث مضني.

سنة 1999: مات ملك ... عاش ملك

"إننا نطمح أن يسير المغرب في عهدنا قدما على طريق التطور والحداثة وينغمر في خضم الألفية الثالثة مسلحا بنظرة تتطلع لأفاق المستقبل، في تعايش مع الغير وتفاهم مع الاخر محافظا على خصوصيته وهويته دون انكماش على الذات في كنف أصالة متجددة وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيمنا المقدسة."

كان هذا أو خطاب يلقيه الملك محمد السادس بعد استخلافه، إثر وفاة المالك الراحل الحسن الثاني يمزج بين الأصالة والمعاصرة.

سنة 2000: المرأة مفجرة التناقض

في سياق "العهد الجديد"، كانت أول قضية تعرف حراكا عاما في الشارع، هي قضية خطة إدماج المرأة في التنمية التي طرحتها حكومة عبد الرحمن اليوسفي، والتي عرفت من خلالها مسيرتين مليونيتين، في الرباط مدعمة للمكاسب الجديدة للمرأة وفي الدار البيضاء تتزعمها التيارات الإسلامية رافضة لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، غير أن المسيرة ذات النزعة المحافظة كانت أكثر حجما وأكثر تنظيما.

سنة 2001: إرهاب نيويورك ... يقسم ظهر البعير

تم تأسيس لجنة ملكية استشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية بتاريخ 27 أبريل 2001 لتصبح مدونة الأسرة فيما بعد.

وبداية ظهور المربع الذهبي لأصدقاء الملك، والمسؤوليات التي سوف يتحملونها، من نطاق باسم القصر وصولا إلى مناصب في وزارة الداخلية وعلى رأس الأجهزة الأمنية والإستراتجية.

وظهور نزاعات من داخل هذا الجسم، ما بين مؤيد أن يكون التحالف مع الإسلاميين المتنورين، باعتبار أن المرحلة الحالية تقتضي التحالف معهم أمام المد الأصولي عبر العالم ومنه المغرب. ونزعة أخرى ترى في ضرورة التحالف مع اليساريين المعتدلين وخاصة أبناء مدرسة ما يسمى باليسار الجديد في المغرب.

ولكن بتاريخ 11 سبتمبر وقعت تفجيرات برجي التجارة، ليصل دخانه وحريقه للمغرب.

2002: التصويت العقابي

نظمت انتخابات تشريعية عادية سنة 2002، وقد شارك فيها حزب العدالة والتنمية لأول مرة بهذا الاسم، بعد أن عدل اسمه القديم خلال مجلس وطني لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ، ويحصل على 42 مقعدا أي الرتبة الثالثة بفارق ضئيل على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي حصل الرتبة الأولى.

بداية المضايقات على حزب العدالة والتنمية بعد قبول مصطفى الرميد رئيسا للفريق النيابي.

بداية المشاورات مع مجموعة من الفعاليات اليسارية من أجل الدخول في تجربة المصالحة مع الماضي، وخاصة بعد التحرك من أجل تفعيل توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان صادرة بموجب المادة السابعة من الظهير الشريف رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.

2003: تفجيرات الدار البيضاء

سنة 2003 عرفت الدار البيضاء تفجيرات إرهابية سرعان ما تم إلصاقها بالأصولية وخاصة الأحزاب والجمعيات التي تنشر فكرها، مما جعل حزب العدالة والتنمية يتموقع في صف المدافعين على بقاءه ووجوده، بعد أن ارتفعت أصوات بحله من قبل أحزاب سياسية وفعاليات مدنية.

تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة برئاسة، بتاريخ 6 نونبر 2003.

تنظيم الانتخابات الجماعية التي قيل فيها أن حزب العدالة والتنمية منع من الترشح في مجموعة من الدوائر، في مقابل أراء تقول بكون الحزب لم يستطع المجازفة وخاصة وأن أثار الأحداث الارهابية لم تنتهي بعد.

2004: ثوار الماضي يتصالحون مع الحاضر

تم تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة برئاسة الراحل ادريس بنزكري في أبريل من سنة 2004.

الضغط على حزب العدالة والتنمية من أجل تمرير قانون الإرهاب.

استعراض شهادات ضحايا سنوات الرصاص مباشرة على شاشات التلفاز.

2005: سقوط قطع الشطرنج

كان أولى ضحايا مناصري التحالف مع الإسلاميين المعتدلين هو حسن أوريد الذي أبعد من القصر إلى مكناس، حيث سوف يشتغل هناك واليا على المدينة.

تقديم التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة.

2006: اليسار المتحزب يأكل السمك

التقى في هذه السنة قيادات من الحزب الاشتراكي الموحد في اجتماعيين مع فؤاد عالي الهمة في منزل أخنوش، وقد أثيرت الكثير من الأسئلة حول هذه اللقاء التي قام بها كل من محمد الساسي ومحمد حفيظ ومحمد مجاهد، حيث اعتبرها البعض غير رسمية في حيث اعتبرها الساسي رسمية مع ممثل وزارة الداخلية، ولكن لا أحد استطاع أن يقرأها بأنها لقاءات أكثر من رسمية بل مع الدولة، وما تحبكه من سيناريوهات مستقبلية.

رفض الساسي الأكل الفاخر المقدم إليه بدعوى أنه يقوم بالحمية واقتصر على بعض شطائر السمك.

2007: الهمة من جديد

أهم أحداث سنة 2007 هو الانتخابات، من خلال دخول صديق الملك غمارها بعد الاستقالة من وزارة الداخلية، وحصده جميع مقاعد "الرحامنة"، وهي الانتخابات التي قيل عنها نكسة في تاريخ السياسي المغربي، حيث انخفضت نسبة المشاركة إلى 37 في المائة.

تشكيل فريق نيابي شتت المشهد البرلماني والانتخابي سمي بالأصالة والمعاصرة.

تأسيس حركة لكل الديمقراطيين، كآلية تجميع كل القوى التي تؤمن بالمشروع التحديثي في المغرب.

2008: ولد لعروسية ينتصر على الوافد الجديد

تأسس حزب الأصالة والمعاصرة الذي سمي بالوافد الجديد، ودخل غمار الانتخابات الجزئية، بكل من مراكش وأسفي والمحمدية، حيث عرف هزيمة كبيرة لرموز اليسار السابق، وانتصار للأعيان الذين جردوا من العضوية بقرار المجلس الدستوري.

أكدت عملية الانتخابات الجزئية أن الوصول إلى مقاعد البرلمان لا يتم على أساس الرأسمال الرمزي والنضالي وسجله التاريخي، بقدر ما يقوم على شبكة من علاقات الأعيان القادرين على الظفر بأي مقعد مهما كان اللون السياسي.

2009: التراكتور... مياه ظلت راكدة

دخول حزب الأصالة والمعاصرة للانتخابات الجماعية معتمدا على جيش عرمرم من الأعيان وتسخير كل وسائل الدولة له سمح له بأن يتصدر الانتخابات.

مجموعة من المياه مرت من تحت التبن، فتحركت بركة ولكن أكثر البرك الآسنة استطاعت أن تقاوم الوافد الجديد، بل جعلته يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.

2010: العبث بمصير المغرب

شكلت سنة 2010، العبث السياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سواء بظهور أشخاص نافذين، مثل إلياس العمري، الذي طالما اشتغل في الظل منذ تحريك ملف الأسلحة السامة والغازات المحظورة في الريف، من خلال مطالبته بعقد ندوة دولية حول الموضوع، ودخوله "للشلة" التي كان فؤاد عالي الهمة يجتمع بها بشكل مستمر إلى غاية أحداث "أكدم إزيك" التي أكدت أن الرجل يملك من الأوراق الكثير.

أو من خلال التحكم في المشهد الحزبي وفي البرلمان والحكومة. بالانقلابات الحزبية، وانقلابات المعارضة والأغلبية...

أكدم إزيك معركة سياسية بامتياز للتيارات داخل الدولة، قبل أن تكون مطالب اجتماعية لساكنة المنطقة، وهي تمرين حول أي جهة يخدم كل جهاز أمني داخل وزارة الداخلية.

2011: 20 فبراير بامتياز... الكل رابح والكل مغلوب

كانت فضاء حركة 20 فبراير مفتوح على مصارعيه لكل التيارات وخاصة من داخل الدولة، حيث تم تصريف بداخلها كل الصراعات الأمنية والحزبية والسياسية والاقتصادية.

تشكلت لجنة لصياغة الدستور، فأثيرت قبيلة الإعلان عن مسودته مسألة مدنية أو إسلامية الدولة، وانتصر الرأي الثاني، أمام صمت القوى السياسية والمدنية ذات النزعة التقدمية، وأجريت انتخابات احتل فيها حزب العدالة والتنمية الصدارة ضاربا بعرض الحائط كل الأطروحات والنظريات في العلوم السياسية حول نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، حيث استفادة كثيرا من الفاعل الرئيسي فيها وهي الأصوات الملغاة. مما طرح ألف سؤال استفهام حولها.

خروج العدل والإحسان من الاحتجاجات، بعد سحب البساط من تحت أقدام الدولة والعدالة والتنمية.

20 فبراير والكل ربح، الجناح التحديثي من خلال حث الدولة على المزيد من تقديم الإصلاحات، فرغم محدوديتها فإنها كانت جريئة. والجناح المحافظ قوى من مواقع كل العدالة والتنمية مؤسساتيا والعدل والإحسان اجتماعيا.

تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا للملك، بعد أن استنفذ كل أوراقه، أوراقه ككاتب دولة في الداخلية، وأوراق كفاعل حزبي، ليلعب بأوراق أخرى جديدة من موقعه كمستشار كانت بادية للعيان في التعيين الأخير لحكومة بعد الاله بنكيران.

2012: سنة سعيدة

أهم الخلاصات التي يمكن الخروج منها:

أن الأصالة والمعاصرة كفكرة تولدت منذ الخطاب الأول للملك محمد السادس، وكآلية قديمة تعتمد على أن يتم نقل الناس إلى السعادة قصرا وإكراها؛

الصراع بين التيارات المحافظة والتحديثية لم يعد صراعا عموديا بين الدولة والمجتمع، بل أصبح صراعا أفقيا حيث نجده داخل الدولة وله امتدادات داخل المجتمع من خلال أدوات حزبية أو مدنية أو حقوقية أو صحافة مستقلة أو اليكترونية، بل قد يكون الصراع أحيانا داخل الجهاز الواحد خاصة إذا كان أمنيا؛

الصراع بين التيارات لم ينتهي بل لازال مستمرا وفي استمرار يته، استمرارية الدولة وكأننا نعود من جديد إلى أطروحة جون واتربوري القائلة بأن التناقضات والصراعات الداخلية تحافظ على جمود واستمرارية النظام مادامت تبقى داخله ولا تنفجر خارجه.

فكل الأجنحة تبقى لنفس الطائر، يعلي بعضها وينزل بعضها الآخر والعكس كذلك في تناغم تام متى أراد وكيف أراد وأين أراد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين