البرنامج الحكومي ودستور 2011

البرنامج الحكومي ودستور 2011

لم يشكل البرنامج الحكومي جدلا دستوريا أكثر مما أثاره برنامج حكومة "بينكيران" طيلة الحياة الدستورية بالمغرب، حيث كان هناك نقاش حول البرنامج الحكومي منذ أول برلمان مغربي سنة 1963 وصولا إلى برلمان 1998، ولكن أكثر ما طغى على تلك النقاشات هو بعدها السياسي، المستلهم من نظريات في العلوم السياسية من قبيل فسل السلط، أو ربط المسؤولية بالمحاسبة... ولكن يبقى البرنامج الحكومي لدستور 2011، أكثر غنا باعتباره يعرف نقاشا دستوريا حقيقيا، يتسلح كل طرف يدافع عن موقف معين بالأدوات والقواعد الدستورية أكثر منها تأويلات لفهم معين لدور البرلمان أو الحكومة أو طبيعة النظام ككل.

وإن كان هذا التمرين الدستوري محمود في التجربة الدستورية الجديدة، فهو يعود لسببين رئيسين:

التنزيل الديمقراطي للدستوري: حيث أكبر المثيرين لقضية البرنامج الحكومي، يجعلون من التنزيل الديمقراطي والسليم للدستور من أولويات المرحلة، فإذا كان تنزيل وتفعيل الدساتير السابقة يقوم على أساس تأويل ثابت "أمير المؤمنين"، فإن دستور 2011، أضاف ثابت جديد تمثل في "الخيار الديمقراطي"، وبالتالي يعتبر هذا التيار أن الدستور الجديد لم يكتب بعد، وأن كتابته تقوم على أساس مدى القدرة على تنزيله وتأويله على أساس الثابت الجديد؛

إشكالية الجهاز التنفيذي: منذ التجربة الدستورية الأولى إلى غاية تجربة 1996، كان الجهاز التنفيذي في المغرب برأس واحد، وهو الملك، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، فكان النقاشات الدستورية كانت قائمة أساس على العلاقة الأفقية بين الحكومة والبرلمان، أو على أبعد تقدير بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولكن بالمقابل مع تجربة دستور 2011، أصبح الجهاز التنفيذي برأسين، الملك باعتباره رئيس الدولة ورئيس الحكومة المنبثق من الأغلبية البرلمانية، مما جعل هذه التجربة تتسم بنوع من الاحتشام في مجال النقاش الدستوري بخصوصها، أي العلاقة العمودية داخل الجهاز التنفيذي بين الملك رئيس المجلس الوزاري ورئيس الحكومة رئيس المجلس الحكومي، وبالتالي كل نقاش في هذا الباب يقتضي القطع ليس النهائي ولكن القطع بالمقارنة بين التجارب السابقة في علاقة الملك بالحكومة والبرلمان، وكل تكفير بشكل جديد وليس متجدد على هذه الوضعية هو يغني هذا الحقل الجديد في الفضاء والفقه الدستوريين المغربي؛

وفي علاقة بالبرنامج الحكومي يمكن تناولها كإشكالية عامة في ثلاثة مستويات:

1) التنصيب الحكومي من قبل البرلمان؛

2) عرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري؛

3) التمييز بين التعيين والتنصيب والمسؤولية؛

أولا: التنصيب الحكومي من قبل البرلمان؛

بخصوص التنصيب الحكومي، طرح موضوع هل لدينا تصيب مزدوج أم تنصيب أحادي؟

يقول الفصل 88 من الدستور: " بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي"

تتحدث الفكرة الأولى أنه "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة"، أي بعد تفعيل مقتضيات الفصل 47 في فقرته الأولى والثانية، "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها." فالملك يملك خيار التعيين على أساس أن يكون الشخص المعين للحكومة من الحزب السياسي الحاصل الأغلبية في البرلمان، وهو ما تم من خلال تعيين الأستاذ عبدالاله بنكيران رئيسا للحكومة بمقتضى ظهير 1.11.183، وعلى أساسه تم تفعيل الفقرة الأخيرة بتمكين حكومة الأستاذ عباس الفاسي بتصريف الأعمال إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، من خلال ظهير 1,11,184.

وعلى هذا الأساس صدر ظهير تعيين الحكومة الجديدة بظهير 1,12.01، حيث تم الاعتماد على الفقرة الثالثة من الفصل 47 وعلى ظهير تعيين بنكيران رئيسا للحكومة لتشكيل الحكومة الجديدة، مما جعل الحكومة السابقة تنهي مهامها بتسليم السلطة للوزراء الجدد، مع العلم أن الحكومة استندت على أحكام الدستور وعلى قسم اليمين بين يدي الملك، وهذا الأخير غير منصوص عليه دستوريا.

يطرح القسم المقدم للملك أسئلة، إما أنه سقط سهوا في تعيين بنكيران حيث لم يتم ذكره في ظهير التعيين، وهذا غير وارد، إما أنه تم تدارك أن يكون بعدا أخر في التعيين الحكومي مرتبط بحقل أخر ذو بعد "تقليداني"، وهو أمر أخر بعيد، يبقى أن القسم المقدم أساسا مرتبط بنهاية تشكيل الحكومة. الذي يمكن أننا انتقلنا من المسؤولية السياسية أمام الملك إلى المسؤولية الأخلاقية.

هل يمكن للحكومة أن تباشر مهامها، بعد التشكيل؟

أكيد الجواب بالنفي ومن داخل الفصل 88 حيث يربط تنصيب الحكومة، بالتصويت على البرنامج الحكومي، " تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب".

ثانيا: عرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري؛

النقطة الثانية لها علاقة بإحالة البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري، وهو ما صدر عن بيان اجتماع المجلس الحكومي، بتاريخ 05 يناير، حيث أكد أنه بعد المصادقة على البرنامج الحكومي سوف يعرض على المجلس الوزاري، ويعود هذا الخلط ما بين مقتضيات الفصل 49 من الدستور الذي يتحدث " التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة؛" والبرنامج الحكومي، وكما هو معلوم فالمشرع الدستوري منزه عن اللغو والعبث واللهو، فكل كلمة أو مفردة هي تعكس توجها وتعكس خلفيات معينة، وهي تكون أحيانا غامضة تحتاج لتأويلات معينة وأحيانا تكون واضحة وصريحة ولا تحتاج سوى للتنفيذ لا التأويل، وهي المعروضة أمامنا الآن، حيث مصطلح البرنامج الحكومي يوجد فقط في الفصل 88 وفي باب علاقة الحكومة بالبرلمان، وبالتالي لا يمكن أن تؤول على أساس أن البرنامج هو يدخل ضمن " التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة؛"، والقول أن الحكومة تشتغل مع الملك أو أنها متضامنة مع التوجهات الملكية، فهي العيب الذي يجب أن يركز عليه الخيار الديمقراطي، حيث يجب الانتقال إلى أن تشتغل الحكومة مع البرلمان باعتباره مشرعا رئيسيا في التجربة الدستورية الحالية، وأن تكون الحكومة متضامنة مع أغلبيتها البرلمانية ومتكاملة مع المعارضة النيابية.

ولكن في إطار منهج المخالفة بالأمور، نطرح تساؤل أن البرنامج أحيل على المجلس الوزاري، وبعد إحالته على البرلمان، وصوت عليه بالسلب، ورفض البرنامج، هل هو رفض لبرنامج حضي برعاية "جلالة الملك"؟ كما لا يمكن أن يقارن البرنامج الحكومي بمشاريع القوانين التي تحال على البرلمان بعد إحالتها على المجلس الوزاري، لان البرنامج الحكومي ذو أبعاد سياسية أكثر منها تدبير لسياسة عمومية.

مسألة أخرى، ألا يشكل إحالة البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري خرقا لمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 47، حيث «...من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها" باعتبار أن اختيار رئيس الحكومة يكون على مدى اقناع الحزب السياسي الفائز المواطنين ببرنامجه الحزبي وليس كأفراد؟ وأليس البرنامج الحكومي هو تعاقد بين الحزب أو الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي مع المواطنين، ويستمد مشروعيتها مباشرة من المواطنين على أساس الفصل الثاني من الدستور أن ممثلي الامة يمثلون سيادة الأمة، وهو الدور المتفرد للبرلمان الجديد وهو أنه هو الممثل الأسمى والممثل الأدنى للأمة.

ثالثا: التمييز بين التعيين والتنصيب والمسؤولية؛

التعيين: هو علاقة عمودية داخل الجهاز التنفيذي بين رأس الدولة ورأس الحكومة، فالملك بتعيين الحكومة تكون مسؤولة أخلاقيا أمامه، بتنفيذ برنامجها الذي تعاقدت مع الشعب على أساسه. وهو أحادي بمقتضى الفصل 47 من الدستور. من خلال الشرعية الانتخابية. التي لا تسمح لها بالوصول للمؤسسات أو التدبير اليومي للشأن العام بل مجرد حكومة تنفيذية لتصريف أعمال الحكومة السابقة، وعلى أساسه يتشكل المجلس الحكومي.

التنصيب: وهو علاقة أفقية بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، حيث بموجبها ينصب البرلمان الحكومة على أساس برنامجها الانتخابي، بمقتضى الفصل 88، وهو التصويت الايجابي هو التأشير على تطبيق برنامج الذي تم على أساسه "التعيين"، مما يجعل لها مشروعية مؤسساتية، الحكومة هنا مسؤولة سياسيا أمام مجلس النواب، وعلى أساسه يتشك المجلس الوزاري في علاقته بباقي المؤسسات الأخرى.

المسؤولية: المسؤولية هنا هي مسؤولية سياسية تتخذ مجموعة من الأدوات التي تسمح للبرلمان بمراقبة تدبير الحكومة للشأن اليومي للمواطن من خلال مجموعة من الميكانيزمات تصل أبعدها إلى إسقاط الحكومة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين