أعتذر عن قولي لأول مرة "نعم" ولكني أفتخر،



تأخر القطار مرة أخرى عن الركب، الذي طالما انتظرناه، واستقلت قطارا جديدا لعله يقلني إلى محطة أخرى، حيث زادي ما تعلمته من دروب الحياة، بلا شيخ ولا معلم علمني، مرة أخرى أجدني في مفترق الطريق واختيار إحداها، ولعل الطريق التي غالبا ما كانت سهلة تحمل عنوان الرفض وكلمة بسيطة تختزل كل الجهد في الإبداع والاقتراح هي "لا"، فطالما اقتنعت بشطحات باشلار عندما يقول، لما تتوعد أن تقل نعم يكون صعبا أن تقل لا، وعندما تتعود أن تقل لا يكون سهلا عليك أن تقل نعم.

ما الفرق بين محطة الأمس، ومحطة اليوم، مادام الركاب هم هم، ومدام السائق هو هو، ومدام المحرك لم يتغير، فقط مجرد الطلاء التي انتقل من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر.

عندما قيل لنا، نبني الطريق بالقسم، وقلنا لا، الطريق تبنى بالتعاقد، وعندما قيل لنا مرحا، للدخول للحافلة من نفس الباب بدأنا نبحث عن النوافذ أو التشعبط على مؤخرتها كالأطفال الذين يلهون غير عابئين بالمسؤولية، مختبئين وراء شعارات فضفاضة، تعفينا من إعمال المنطقة الرمادية في الرأس.

أسفي على من اختار التعالي على القطار بركوب دراجات هوائية، وأسفي على من اختار طريق غير معبدة على الطريق السيار، منغمسا في تناقضاته لعل يوما يجد مزبلة يرمي فيها عقده الذاتية وصراعاته الداخلية مع قاذورات التاريخ.

أنتظر بشغف الأطفال المحطة المقبلة التي قيل لنا عنوان فاتح يوليوز، لأحسم اختياري، فأنا وكأي راكب لا أملك سوى تذكرة سفر من بين الملايين، فما عسا ها تكون قادرة على التغيير، أو أليس بقطرة غيث يمتلئ النهر، أو أليس بصوتي أجدني أمارس دوري كمواطن بغض النظر عما سأقول، ولكن سأتحدث، لن أحرق تذكرة مروري نحول الضفة الأخرى من المواطنة، لن أمزق أوراق وأضرب الخد في الغد عن حظي المتعس.

تذكرة مروري نحو الصندوق الزجاجي، هي الخيط الفاصل بين وبين الضفة الأخرى، حيث قطار أخر ينتظر، فالزمن لا يعود للوراء، الشيء نفسه للقطار فهو لا يتقهقر للخلف أو ينتظر، قد يعطي مهلة أو هنيهة للصعود، ولكن لن يغفر لأحد تأخر عنه أو وقف أمام.

كرهت العدم، وكرهت مراحيض المحطات، لهذا سأتقدم للأمام، لان عشق الوطن، ينسني مثل زجاجة الفودكا، انتمائي لأية قارة تكون، إن هيامي بالوطني يلغي جميع المدن أمامي، لهذا سأتقدم للأمام، ليس مغمض العنين، معصومة البصيرة عاميا الحدس، بل مترقبا ومتربصا. وليس مستسلما بل معلنا للحرب، من داخل السلام.

أحلامنا هي لم تتغير، وأمالنا لم يمسها خدش، وطموحاتها لم تنكسر، وسنبقى على العهد، رغم عن خسارتي للكثير من الأشياء الجميلة ولكني على يقين أني سأربح أهم شيء، هو المسار الجديد، الذي يتوهج بنبراس العقل والواقعية.

على محطة القطار، يقدم لك دائما كأسا، نصف مملوء ونصف فارغ، فإما أن تشرب بسرعة وتشكر نعمة وليك، وإما أن ترمي الكأس بدعوى فراغ نصفه، ولكن كيف يمكن الاحتفاظ بالكأس وعلى الدوام، فقط من خلال أن تشرب نصف النصف وتترك الربع الأخير فهو قادر أن يجعل الكأس يمتلئ مرة أخرى في حدود النصف من جديد.

هكذا أرى الطريقة الجديدة، فأعلنوا وأشهروا أسلحتكم المعهودة، بلطجي، متملق، "باع الماتش"، فكيف لعدمي يرفض الاختلاف أن يبني الديمقراطية، وكيف لمن يعشق أن يسود رأيه ويحكم به أن يؤسس للتعددية.

أعتذر عن قولي لأول مرة "نعم" ولكني أفتخر،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين