مسارات الإصلاحات الدستورية بالمغرب
مسارات الإصلاحات الدستورية بالمغرب
بداية لدي بعض الملاحظات الأولية:
ü حركة 20 فبراير هي لحظة مفصلية في تاريخ المغرب، وقد دخلت إلى تاريخ المغربي الراهن من أوسع أبوابه بقيادة جيل من الشباب؛
ü مشروع أو طموح 20 فبراير لا ينحصر في البعد الدستوري بل يتجاوزه إلى الأبعاد الأخرى التي هي اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، ولكن تعتبر أن الدستور هو بمثابة البوابة أو المفاتيح التي يمكن أن تكون مداخل لمحاربة (إسقاط) الفساد والاستبداد؛
ü ماهيتها مختلفة عن البنيات التقليدية المعتاد عليها أن تحمل هي مسؤولية فتح النقاشات العميقة، من قبيل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، واليوم من يعتبر أن الحركة هي فصيل أو تنظيم أو تيار داخل المجتمع فهو واهي؛
هذه بعض الملاحظات الأولية أبدأ بها موضوع مداخلتي شاكرا مركز "مدى" على هذه الاستضافة، والتي تحمل عنوان مسارات الإصلاحات الدستورية في خضم النقاش الذي فتحه المركز حول " الشباب والإصلاح الدستوري" بتاريخ 4 يونيو 2011.
حيث يمكن الحديث عن ثلاث مسارات عرفها المغرب في موضوعة الدستور أو ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الصراع
وهي المرحلة التي رافقت دساتير 1962، 1970، 1972، والتي اتسمت بنوع من الصراع حول طبيعة الدولة من خلال مشروعين متقاطبين، مشروع يحمل القصر والآخر تحمله الحركة الوطنية، حيث تجلى ذلك من حصول المغرب على الاستقلال السياسي، وبداية التفكير في بناء الدولة الوطنية.
وأهم ما تم التركيز عليه في هذه المرحلة تمثل في الشكل قبل المضمون، أي في مسطرة وضع الدستور من خلال انتخاب مجلس تأسيسي يعود إليه وضع الدستور قبل إحالته على الاستفتاء الشعبي، إلا أن المؤسسة الملكية حسمت الصراع بوضعها لدستور، اعتبره الراحل الحسن الثاني ليس انقطاع عن الدولة بل هو فقط تجديد لرابطة البيعة بين الملك والشعب، وذلك في خطابه سنة 1963 والذي تم التذكير بنفس الحمولة في خطابات لاحقة.
بالإضافة إلى ذلك ففي مسار الإصلاح الدستوري، كانت الحركات الاحتجاجية والاجتماعية تؤدي إلى تعطيل الدستور، وهذا ما عاشه المغرب السياسي المعاصر بعد أحداث 23 مارس 1965، حيث أدت الأحداث إلى تعطيل الدستور من خلال إعمال مقتضيات الفصل 35 دستور 62 بإعلان حالة الاستثناء، وتجميد البرلمان، لمدة خمس سنوات ليتم وضع دستور 70 الذي كان بمثابة دستور لدسترة حالة الاستثناء والذي أجمع العديد من فقهاء الدستوري المغاربة على أنه دستور غير دستوري.
المرحلة الثانية: مرحلة الحوارية
وقد ارتبطت هذه المرحلة بدستور 92 و96، والذي عرف ولوج آلية جديدة للحقل السياسي من خلال آلية المذكرات، والتي أسست لفضاء سياسي جديد، جعل القصر يتواصل مع مكونات الحركة الوطنية بإعمال لهذا الميكانيزم الذي أصبح خاضع لمجموعة من المعايير تنتمي للتقاليد والأعراف المخزنية المرعية.
مرحلة الحوارية، تميزت بتجاوز الطرح المسطري والولوج مباشرة إلى المضمون من خلال الحديث عن تقوية مؤسسة الوزير الأول والبرلمان.
كما تميزت هذه المرحلة بسمة أن النص لا يهم ولكن الطرح السياسي هو الأساسي جعل بعض المكونات تقول ب"نعم السياسية"، مادامت السياسة ليست فقط قوانين وإجراءات مسطرة بل يلزم النفاذ إلى الأبعاد السياسية، من قبيل لعبة التوافقات والتسويات السياسية، والتعاقدات التي تعيد بناء الثقة وإن لم تكن مؤسساتية أو عقلانية من قبيل القسم على القرآن وغيرها.
ولعبة التوافقات سمحت للمغرب بأن يعيش مرحلة سميت "بالتناوب التوافقي" والذي أعلن عن وفاته بعد أقل من أربع سنوات بتعيين وزير أول تكنوقراطي سنة 2002، و"الخروج عن المنهجية الديمقراطية".
المرحلة الثالثة: مرحلة 20 فبراير
هذه المرحلة لم تتشكل بعد، مما يصعب الحكم عليها، أو إعطاء تسمية دقيقة لها، خاصة في ضل غياب مسودة دستور حاليا، ولكن يمكن أن نستشف بعض المؤشرات من خلال ثلاثة مستوياتّ:
1- مستوى خطاب 9 مارس:
يمكن القول أن حركة 20 فبراير هي التي جاءت بالخطاب، كما يمكن القول أن لخطاب ما هو إلا تحصيل حاصل، فالحديث عن المرتكزات السبع كانت طبيعية للاوراش السابقة من قبل هيئة الإنصاف والمصالحة، والمعهد الملكي للثقافة الامازيغية، وتعيين عباس الفاسي وزير أول وغيرها، ولكن يمكن القول أن الهامش الديمقراطي الذي عاشه المغرب بموازاة مع تطور دينامية المجتمع المدني ومكونات الأحزاب الديمقراطية والتقدمية، كانت 20 فبراير بمثابة الطفرة التي نقلت المنطق التراكمي إلى المنطق النوعي وصدور الخطاب، الذي كان ممكن أن ننتظره بعد 10 سنوات أو 20 سنة.
الخطاب عام، يمكن أن ننظر إليه بمنظار أسود ونقول أنه لم يأتي بجديد، ويمكن أن ننظر إليه بمنظار أبيض ونقول أنه ثورة، أنا شخصيا أنتمي للمنطقة الرمادية، فالخطاب حمال أوجه يمكن أن يؤول إلى الملكية البرلمانية كما يمكن أن يؤول إلى الملكية التنفيذية، وبالتالي نقول جيد ولكن، سيئ ولكن...
الخطاب أيضا كرس الثوابت وأضاف ثابت جديد، وهو الخيار الديمقراطي، كنوع جديد من أنواع أنماط تصادم أو التدافع حول البحث عن المشروعيات.
انتقل النقاش بعد الخطاب من علاقة الحكومة البرلمان إلى العلاقة من داخل بنية السلطة التنفيذية بين الملك والحكومة، أي من الشكل الأفقي للشكل العمودي في بنية السلطة.
2- مستوى لجنة صياغة الدستور:
لأول مرة يعرف المغرب تشكيل لجنة لصياغة الدستور من مغاربة، بل وتعيينهم بظهير، وهو شيء جديد في تعاطي الدولة لموضوعة الدستور، وهي مسطرة مختلفة تماما عما سبق.
وإذا كانت جل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والحقوقية قبلت بالاستجابة لدعوه المانوني لها، باستثناء النهج الديمقراطي والعدل والإحسان، أما فيما يخص الحزب الاشتراكي الموحد لم يعترض على الآلية في حد ذاتها، بل بعدم الجلوس مع ما سماهم "بالأحزاب الفاسدة"، وبتركيبة اللجنة التي تضم أشخاص يتبنون " الملكية البرلمانية " في طرحهم والاقتصار على أشكال ينتمون إلى المدرسة التقليدانية في الفقه الدستوري لمغربي.
ولكن ما يمكن أن يعاب على اللجنة الآن، يتمثل أساسا في:
Ø معيار انتقاء أعضاءها، ما هو معيار الذي تم الاعتماد عليه في الاختيار، لماذا هذا الشخص وليس ذلك، لماذا هذا الإطار الحقوقي وليس ذاك؛
Ø أن اللجنة نزلت عن سقف الخطاب، والذي دعا إلى وضع دستور يكون بمثابة تعاقد سياسي جديد، في حين أن اللجنة انكبت على الجوانب الفنية والتقنية، وهمشت البعد الفلسفي للسلطة الجديدة، بمعنى الانتقال من فلسفة السلطة المكرسة منذ 62 وصولا إلى دستور 96، إلى فلسفة جديدة مبنية على التعاقد السياسي والاجتماعي، وليس على البيعة؛
Ø كما أن اللجنة إذا لم تكون تتويج لمسار حوار وطني، كان بالأحرى أن تكون مؤسسة لهذا الحوار الوطني، وليس فقط لجنة للاستماع للآراء، كالأستاذ أمام تلميذه يوم الامتحان؛
Ø غياب التواصل، حيث لا أحد يعلم ماذا تفعل أو كيف تشتغل، فكان أضعف الإيمان أن تتواصل بالبيانات والبلاغات وغيرها، أو أن تؤسس لمواقع إليكترونية ولما لا في المواقع الاجتماعية صفحات لها؛
Ø الخطاب تحدث عن المراجعة الشاملة للدستور، في حين أن اللجنة اعتمدت على معيار إصلاح دستوري بمضمون ترقيعي؛
Ø غياب أجندة واضحة لها، فالمتتبع لها يلاحظ أنها تشتغل بنوع من التاكتيك وليس وفق رؤية إستراتيجية؛
3- المستوى الثالث: الفاعلون في المرحلة
وهم الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، حيث لوحظ لأول مرة أن الأحزاب بدأت تتحدث عن الدستور التي تريده وليس عن ما يمكن أن يمر بالدستور، إلا أن الملاحظ أن الأحزاب السياسية وخاصة القوى لتقدمية لم تستطع التكثل أو التحالف، ففشل تحالفاته الحزبية انضاف إليه التحالف الإستراتيجية، فالأحزاب المتحالفة سواء الكثلة، لم نسمع لها صوت، بدأت تعمل بشكل فردي، وأحزاب تجمع اليسار منها من حضر تعيين اللجنة وامتنع عن حضور أشغالها، ومنها من امتنع عن حضور التعيين وحضر أشغالها، كل واحد منها قدم ورقة مستقلة عن الأخر بدون حد أدنى من التنسيق.
الفاعلون غير الحزبيون ضخموا من الخطاب الدستوري، وأرادوا أن يدستروا كل شيء، فلم يكونوا يميزون بين ما هو من مجال الكثلة الدستورية وماهو يدخل في صميم السياسات العمومية، وكمثال على ذلك وصلت عدد المؤسسات الوطنية المطالب بدسترتها لما يزيد عن 45 مؤسسة...
أما حركة 20 فبراير فكانت ذكية برفع شعار المقاطعة، على أساس أنها ليست لها تمثيلية وليست بتيار داخل الفصائل المدنية أو السياسية، وأغلب أعضاءها تنتمي لأحزاب سياسية وهي تحترم خيارات تنظيماتها ولا يمكن أن تتجاوزها، أما بخصوص المستقلين فعلى اللجنة أن تنزل من برجها العالي وتنزع لدوا وير والأحياء الشعبية والقرى وتستمع إلى الشباب المغربي وليس فقط شباب الرباط والدار البيضاء، وبالتالي كان لشعار مجلس تأسيسي، مثل الصفعة للجنة لعلها تستفيق، أننا لا نعيش صراع الأجيال بل تكامل وأوفياء لشهداء ومناضلي ومعتقلي الأحزاب الديمقراطية والتقدمية، ولكن للأسف.
ختما أصل لبعض الخلاصات:
أصبح الاحتجاج والحراك الاجتماعي يؤدي إلى تشغيل المؤسسات السياسية والدستورية، بل وصل إلى تعميق نقاش تغيير الدستور؛
نفكر دائما بالتعاقدات العمودية، بين الدولة والمجتمع ولم نصل بعد إلى بناء تعاقدات أفقية بيننا نحن كمجتمع حول أي مشروع مجتمعي نريده قبل أن نطالب الدولة بماذا نريد، وخاصة مع الفصائل الإسلامية واليسار الجذري؛
الدولة الآن تراهن على السرعة، مما قد يؤدي إلى حادثة سير، قد يخلف تكلفة باهظة في المستقبل سوف نؤدي ثمنها نحن جميعا دولة ومجتمع؛
كان ممكن أن نعيش دستور محمد السادس ابتداء من 9 مارس، كمرحلة سيكولوجية وذهنية نستعد بها للمرحلة المقبلة، ولكن أحداث العنف التي مورست ضد حركة 20 فبراير تؤكد بوجود تيار المحافظين وجيوب المقاومة قوي داخل الدولة الذي لا يريد أي إصلاح في المرحلة الراهنة؛
تعليقات