ساووا مواقفكم يرحمكم الله


ساووا مواقفكم يرحمكم الله


منذ أن طرح النقاش حول المسألة الدستورية الأخيرة، وبعيدة خطاب 9 مارس، ظهرت مواقف جمة تحاول كل من موقعها أن تبين مدى امتلاكها للحقيقة الدستورية الممكنة، سواء التي تتلاءم وطبيعة المجتمع أو التي تتلاءم مع القيم الكونية والتجارب العالمية.

ففي الحديث عن المخاض الحالي والذي اتسم في حد أدني وباعتراف الجميع هو النقاش العمومي حول الإصلاح المنشود، يمكن الحديث عن توجهين، كل منهما ينطلق من موقع تواجده في الخريطة الحزبية والخريطة السياسية، فالتوجه الأول مفرط في الواقعية حيث يرى أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لا يسمح بالقفزة النوعية نحو تحقق لديمقراطية، أو على الأقل في المرحلة الراهنة، والمجتمع لم يصل بعد أن "يستحق" تجريب الديمقراطية، لأنه كمن يعطي لطفل صغير مسدس ليحمي به نفسه، وبشكل أو بآخر فهو يضع نفسه في دائرة النظام السياسي وفي خطوط تماس مع الدولة. أما التوجه الثاني فهو مفرط في المثالية، والذي يرى أن المرحلة الراهنة هي مرحلة الانتقال "المكوكي" نحو تأسيس النظام الديمقراطي بكل حزم وبسرعة وعدم التأخر، ويرى في الدستور الحالي هو تكريس للاستبداد ولم يأتي بأي جديد، وهو أيضا بشكل أو بأخر يضع نفسه خارج النظام، ويؤسس لنوع من العدوانية مع الدولة التي يسميها بالمخزن، ولا يقبل أي تقاطع معها.

التوجهين معا يشكلان خطان متوازيين، الأول سفلي لا يريد الارتقاء نحو الأعلى والآخر يوجد في السماء ولا يريد أن ينزل للأسفل، بمعنى رفض التفكير في الخط الثالث الذي يكون أكثر من واقعي وأقل من مثالي، أي "الواقعية المثالية أو المثالية الواقعية". رغم أن الطرفين معا يدعوان للحوار الوطني والتوافق الوطني، ولكن من خلال تجربة دستور 2011 يتبين أن دعوتهما مجرد "دعوة عشاء" للتوقيع على أجندة الأخر وليس في إطار التوافق الذي يقتضي بالضرورة التنازلات من قبل جميع الأطراف.

واليوم بعد أن خرجت مجموعة من الأحزاب من المنطقة الرماية التي كانت هي نقطة تماس ما بين النظام وخارج النظام، والتي كانت تقبل بالاشتغال من داخل المؤسسات ولكن دون قبولها المشاركة في تدبير الشأن الحكومي، بعد أن خرجت من منطقة الظل نحو منطقة الظلام أي إلى خارج النظام، يطرح مجموعة من الأسئلة، وخاصة المتعلقة بالأدوار التي كانت تقوم بها سوى لدى الأحزاب الديمقراطية، حيث كانت تلعب دور الضمير الحي والموجه لليسار الحكومي، وبعد أن كانت تشكل نوع من ضبط التوازنات السياسية للدولة، أصبح موقعها فارغا، مما يقتضي البحث عن البدائل دون تحقيق استنساخ التجربة السابقة، كما يطرح على هذه الأحزاب نفسها، أسئلة معقدة في كيفية البحث عن سبل استمرارها والتي كانت في ما مضى تتصارع من أجل البقاء وضد الانقراض، أكثر من صراعها حول بناء مشروعها المجتمعي؟، ما هي أفاقها لتبقى خارج النظام، بعد أن ترفض طبعا المشاركة في المؤسسات المنبثقة من الدستور الذي قاطعته "شكلا ومضمونا".

ما يقع الآن لهذه الأحزاب التي أصبح البعض منها يؤسس لثقافة جديدة ولتبريرات غير معهودة في التجارب الدولية، والتي تسمح له بالمشاركة في الانتخابات المقبلة وكأن الدستور مجرد تاكتيك وليس إستراتيجية، وهو يتناقض مع خطاباتهم المؤسسة، نجد أن مجموعة من الشباب المحسوب على بعض التيارات السياسية يحرم على الشباب الآخر حقهم في الاحتجاج بل ويجرمهم، إن هم شاركوا في الانتخابات المقبلة، ومتى كان الشارع ملكا فقط للمقاطعين؟ ومتى تم الاتفاق النهائي على مقاطعة الانتخابات من قبل هؤلاء الشباب؟ ما عدا الشباب المنتمي للأحزاب التقليدية المقاطعة وبعض الجماعات الإسلامية؟ وكيف يعقل أن تستمر بعض الأحزاب التي نادت بالتصويت ي"نعم" في دعم الاحتجاجات التي تقول ب"سقوط الدستور"؟ كيف يمكن لأحزاب تؤسس لبعض التناقضات من أجل المشاركة في الانتخابات بوضع شروط إجرائية من قبيل كيفية الإشراف على الانتخابات وتتجاهل المبدأ والفلسفة المؤسسة لهذه الانتخابات، الكامنة في "شرعنة" نظام الحكم حسب ادعاءها، أن تستمر في دعم من يحتج من أجل "مقاطعة الدستور"؟ وكيف لمن ينادي بالديمقراطية أن يجرم ممارسة آلية بناء الديمقراطية؟

مجرد أسئلة نحتاج لفك شفراتها، وليس لخطاب ديماغوجي رديء وغوغائية من الزمن القديم، بل أجوبة عقلانية.

ولان الديمقراطية فكر وممارسة قبل أن تكون مؤسسات واليات، فنحتاج لنقد ذاتي من إستراتيجية المقاطعة كما طالبنا حكومة "التناوب التوافقي" نقدا ذاتيا وذلك حتى تستوي المواقف مع الخطاب ومع الرؤية بشكل عام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

الرجة الثورية العربية على ضوء نظريات الثورات والاحتجاجات لعبد الحي مودن