زمن الشعارات ... " كل ديمقراطية تبنى في رحم الاستبداد، ليست إلا استبداد في رحم الديمقراطية"،
.
زمن الشعارات ...
" كل ديمقراطية تبنى في رحم الاستبداد، ليست إلا استبداد في رحم الديمقراطية"
يرفع شعار في المرحلة الراهنة مفاده، وإن لن يكن بهذه الصيغة : " كل ديمقراطية تبنى في رحم الاستبداد، ليست إلا استبداد في رحم الديمقراطية"، من قبل مجموعة المتياسرين العنتريين وبعض أصحاب السلوك الحلقي العقيم وقليل من التيارات الغوغائية، التي تعمل على تنزيل يوتوبيا أوالأحلام فوق أرض ليست بعد خصبة لنمو نبتة الحرية والديمقراطية في أبعادها الفلسفية والفكرية، لان شعار "النضال ممارسة وسلوك" لازال قائما، ولازالت راهنيته تفرض نفسها "هنا والآن" قبل أي وقت كان.
فمن قال نحن ضد شعار " لا حرية للجائعين ولا مواطنة للعبيد" فهو واهي، بل "الخبز ولحرية "متلازمين ولا يمكن فصل أحدها عن الآخر، ولا يمكن السقوط في بيزنطية من الأسبق منها على الآخر، فكل منهما في حاجة للثاني، لان الأمر يتطلب أكثر من مجرد الغوص في مراهقة سياسية بل تقتضي الارتقاء إلى سن الرشد، الذي يسمح بتحمل المسؤولية، والقادر على الإدراك بين التكتيك والإستراتيجية، وبين السياسة والإيديولوجية، بين السياسات العمومية والهندسة الدستورية.
إن من طبيعة الأنظمة التوتاليتارية أو الأنظمة الاستبدادية بشكل عام أن لا تعتمد في استمراريتها على الترسانة لقانونية والدستورية فقط بل ترتكز على أسس أخرى داخل أجهزة الدولة وداخل البنيات الأساسية للمجتمع.
فمن أهم أدوات الدولة المستبدة هو صناعة رعايا على المقاس الذين يرون في طاعة الحاكم واجب، وفي فداءه تضحية، بل وأحيانا الذوبان في جسم الحاكم كعرش وكنمط للحكم مع تقديسه كذات وكجسد، من خلال إعمال مجموعة من طقوس العبودية ومن تقديم لصنوف متعددة للطاعة والولاء، وهذا الإنسان لا يكون من خلال توجيه بالقانون فقط، بل لا بد من مجموعة من أدوات الدعاية.
وتفكيك الاستبداد لا يقتصر على مستوى، دمقرطة الدولة بل يلزم تحديث ودمقرطة المجتمع أيضا، من خلال استهداف أسس النظام، الذي يكون غالبا في الأجهزة الدعائية التي تقدم نوع من البروبغاندا تخدم مصلحة المستبد متجسدة في الأجهزة الإعلامية والتعليمية، التي تمس بشكل مباشر المواطن، بالإضافة إلى الأجهزة القمعية من بوليس وشرطة سرية، دون أن نتجاهل دور العطايا والمنح التي تدخل في إطار الريع السياسي والاقتصادي لبعض الشبكات التي تبقى تقدم الولاء دون عفاف ودون كفاف، ولكن كلها تبقى محدود إذا لم يكن هناك نوع من التجيش ووجود وقوع إيديولوجي يشبع الجماهير
فهل يكفي أن نقتصر على معركة الدستور كأسمى قانون ينظم العلاقات بين السلط وشكل الحكم؟ أم أن الأمر يتطلب الانخراط من داخل المجتمع بـتأهيله أولا لقبول قواعد الاختلاف والتباري حول المشاريع وتعددية البرنامج والأفكار والايدولوجيات؟ ألا يمكن أن يشكل إعطاء أرقى دستور في العالم لمجتمع "متخلف"، حتى نبني الديمقراطية، ألا يمكن أن يشكل ذلك بمثابة وأدها في مهدها، ألا يمكن أن يشكل ذلك مغامرة تؤدي بقبر الديمقراطية، بصعود تيارات أصولية أو فوضوية؟
إن التحدي اليوم لا يتعلق فقط بإعطاء الحقوق فقط بل بالتمكين من تلك لحقوق، بالأدوات والأساليب التي لا تسمح بالعبث مع الحرية. فهناك خيط رفيع بين المخاطرة والشجاعة كما هناك هو الشأن بين الحرية والميوعة.
فقديما قيل في مثل صيني بدل أن تعطيني سمكة علمني أصطاد سمكة، فبدل أن تعطيني حقي علمني كيف أنزع حقي، وبدل أن تعطيني الديمقراطي علمني كيف أمارسها أولا.
تعليقات