حوار مع محمد الساسي: النظام الوراثي الملك لا ينتخب.والبيعة ليست تعاقدا انتخابي

النظام الوراثي الملك لا ينتخب.

س: البيعة أليست نوعا من الانتخاب؟

ج: هناك من يطالب بدسترة البيعة. جيد، نحن أمام قواعد كونية وتقول بالانتخاب، هل البيعة انتخاب؟ لكي نعرف ذلك، هل هي تعبير عن إرادة؟ لان الإرادة العامة هي سلطة مناط الحكم المعبر عنها بالانتخاب. هل البيعة تحقق معنى الانتخابات؟ لا، لانه إذا أرادت البيعة أن تحقق الانتخاب فمن حق من يمنحون البيعة الدعاية لأرائهم والأمان الشخصي وحق اختيار من يبايعونه وفي المقابل الأشخاص الذين لا يريدون منح البيعة من حقهم الأمان الشخصي والتعبير عن أرائهم والدعاية لها، هكذا يمكن للبيعة أن تحقق الانتخابات من الناحية المجردة.

من الناحية المطبقة في البيعة المغربية واضحة، فهي ميثاق غليظ يرتب على الرعايا كل الالتزامات الممكنة اتجاه الحاكم ولا يرتب على الحاكم أي التزام. هذا عدم التوازن يخرجنا نهائيا وبصورة مطلقة عن المفهوم الذي بني عليه الانتخاب وإذا قبلنا هذا المنطق يمكن أن نقول أن الإرادة العامة هي مناط سلطة الحكم ولكن التعبير عنها بأشكال مختلفة كالقول بأن الحاكم هو بصورة أدبية يعبر عن الإرادة العامة مادام هو حاكم. أعطيني حاكما واحدا في العالم يقول عن نفسه انه لا يمثل الإرادة العامة وان قراراته لا تعكس الإرادة العامة، فلا يصطدم هؤلاء بالحقيقة إلا عندما تقع الثورة عليهم.

البيعة بالمغرب تعطي صلاحيات مطلقة للملك ولا تفرض عليه أي التزام.

س: البيعة تتم وفق مجموعة من الطقوس التي تحمل دلالات تاريخية وسياسية وإيديولوجية، كيف يمكن التوفيق بين نظام ديمقراطي والبيعة؟

ج: هذا سؤال مهم ويجرنا للفصل 19 يمكن لبعض الطقوس والتقاليد أن تبقى، ويبقى لها طابع ثقافي وليس لها معنى سياسي أي أن تنحصر في مجرد طقوس. ما هي الطقوس وما الغرض منها؟ تذكرنا بكيف كنا في الماضي وتمتعنا به، مثلا كيف كان الملك يخرج على مثن الحصان، كيف يبايعه كذا، وحفل للولاء. أي الطابع الثقافي للشعوب التي هي في حاجة إلى معرفة تاريخها، بدون أن يعني ذلك الخضوع لذلك التاريخ، نتجاوز ذلك التاريخ سياسيا ومؤسسيا وبقى عليه من الوجهة الثقافية. مثلا بعض الطقوس الإمبراطورية اليابانية فيها نوع من العبودية ولكن لها طابع احتفالي ولا علاقة للسياسة بها.

اليوم تلك الطقوس الموجودة عندنا لها معنى سياسي والانتفاض عليها عليه جزاء سياسي، وبالتي أقول أن تكون هذه الطقوس ولكن بشكل احتفالي، فني وليس بالضرورة أن يكون فيها فاعلون سياسيون بل ممكن أن تضم فنانين وممثلين... ولا علاقة له بتسيير المؤسسات.

س: أطرح مسألة البيعة لأنه لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي يتم انتقال الحكم أو الاستخلاف بوجود قاعدتين هما البيعة والفصل 21 من الدستور، وبالتالي البيعة هل هي مؤسسة أم مكملة لنظام الحكم بالمغرب؟ من جهة أخرى بيعة 1999 لمحمد السادس نجد عناصر جديدة من ناحية الجنس ومن ناحية الفاعلين. ألا يشكل ذلك تحولا في مفهوم البيعة؟

ج: اتفق معك في هذا السؤال، أقول أن النظام لم يكن محتاجا للبيعة التي تمت والتي انفرد النظام بصياغتها وفرض تطبيقها وبالتالي لم يكن محتجا لها بالمنطق التأسيسي، لان الدستور يحسم في هذه المسألة وبدون أية مشاكل.

س: إذن لماذا لجأ النظام إلى البيعة؟

ج: أظن أن النظام بحاجة إلى البيعة هي تفيض على فكرة موجودة في النظام المغربي اسميها شخصيا "بديمقراطية الرفوف"، حيث النظام السياسي في الأحوال العادية يعتمد على نصوص قانونية في علاقته مع الفاعلين وفي بعض الظروف الاستثنائية يستخرج بعض النصوص التي لم نكن نتصور انه سوف يتم استخراجها في تلك الحالة. فمثلا أنت تتصور في تعامل النظام مع الصحافة بأنه يعتمد على قانون الصحافة وإذا به يستخرج نصوص غريبة ووضعت مقتضياتها في ظروف معينة ولأشياء معينة كنصوص المخدرات وجرائم أخرى يتم تطبيقها على الصحافة.

يريد النظام أن يبقى له سلاح احتياطي وهو سلاح البيعة متى ما لاحظ أن النصوص لا تسعفه في تمرير قرارات ضد النصوص فيبنيها على البيعة. طبعا هذه أشياء عشناها مع الملك الحسن الثاني في معاقبة النواب البرلمانيين الذين خرجوا من البرلمان لانه ليس لديه النص، فقال أنا بوصفي أمير المؤمنين. إذن إمارة المؤمنين لا تستقيم من المنظور الكلاسيكي إلا بوجود البيعة إذن فهي بالإضافة إلى أنها تذكير وتنبيه وإنذار عقلاني للفاعلين السياسيين بأن علاقتهم مع النظام لا يمكن أن تبنى على نوع من الندية والمساواة وبأنهم في حالة تبعية مطلقة للنظام، بالإضافة إلى هذا المعنى الرمزي للعلاقات السياسية هناك في رأيي المعنى الاحتياطي أو "ديمقراطية الرفوف" الذي يمنح للملك متى تضايق من "القيود" على محدوديتها، يمكن أن يتجاوز كل النصوص المكتوبة ويتجاوز الدستور بكامله بدعوى انه يستعمل سلطة غير موجودة في الدستور بالارتكاز على البيعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين