من أجل "صرخة جديدة"
من أجل "صرخة جديدة"
مرت أزيد من سنة على خروج الشباب المغربي للفضاء العمومي للتعبير عن مطالبه من أجل الإصلاح والتغيير، من خلال دينامية أطلق عليها اسم 20 فبراير، تزامنا مع تاريخ أول يوم لانطلاق الشرارة الأولى للاحتجاجات والتظاهرات السلمية.
فما الذي حصل خلال هذه السنة؟
لا يمكن اختزال الدينامية في طرفين هما: الدولة مجسدة في الملك شخصيا، وشباب المغرب، ولكن كانت أطراف أخرى متعددة، ومتباينة سواء في أهدافها أو في مطالبها أو آليات ضغطها، ومع ذلك سوف أقتصر على هذين الطرفين، لضيق مساحات الكتابة.
بخصوص محمد السادس:
الملاحظ منذ بداية الإعلان عن الخروج للتظاهر من قبل شباب المغرب ضد الفساد والاستبداد، عدم اكتراث الملك نهائيا، ويتضح ذلك في التدشينات والمبادرات التي كان يقوم بها بشكل عادي وكأن لاشيء غير طبيعي في المغرب، كما أن الإعلام الرسمي لم يبالي بالدينامية إلا قبيل يومين من تاريخ 20 فبراير من خلال التشويش على المتعاطفين والمتتبعين بإصدار قصاصات إخبارية "تدعي" إلغاء المسيرات المقررة.
التحول الكبير الذي وقع في تاكيتك الدولة جاء بعيد تاريخ 20 فبراير، حيث تم إخراج مجموعة من المؤسسات والمبادرات كمسكينات مرحلية، تتمثل في مؤسسة الوسيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلي على خلفية "خلية بلعيرج".
ويتضح أن هذه المؤسسات كانت "احتياطي" الدولة من خلال تصريحات وأخبار متفرقة هنا وهناك، إذ صرح "ادريس اليزمي" في حلقة مباشرة لبرنامج على القناة الثانية، أن مشروع الظهير المؤسس للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كان موجود من قبل وأن من أعده كان "المحجوب الهيبة" و"أحمد حرزني"، كما أن ورد في أحد المواقع الاليكترونية خبر نشر منذ شهر نونبر من سنة 2010، أن الملك بصدد تعيين رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأن الشخصين المتنافسين هما "شكيب بنموسى" و"عبد الله ساعف"، مع ترجيح الكفة للأول. وغيرهما من الأمثلة.
وتبقى لحظة " 9 مارس" مفصلية في هذه الفترة، التي قد فيها محمد السادس خطابا، حافظ فيه على ماء الوجه وفي نفس الوقت قدم فيه تنازلات بطريقة غير مباشرة.
فقد ربط الخطاب الإصلاحات المقدمة تأتي في إطار مشروع الجهوية المتقدمة، دون أن يكون ذلك بشكل انعكاسي لمطالب الشارع، ثم قدم "عطية" "للرعية" تتمثل في إصلاح جذري للدستور يمس كل بنيانه مع إعادة تشكيل هندسته الدستورية.
هكذا استطاع الملك أن يعيد الكرة لملعب الشباب، وليتنفس الصعداء بعد فاتح يوليوز، حيث رمي الكرة من جديد في ملعب الأحزاب السياسية، فالدولة أهون عليها ألف مرة أن تتعامل مع المؤسسات والأحزاب، على أن تتعامل مع دينامية غير مؤطرة وغير محددة.
أعلن عن بداية انتخابات جديدة، فكانت أول انتهاك لحرمة الدستور الجديد، وحتى للآليات الديمقراطية، حيث أقيمت انتخابات جديدة في ظل وجود مؤسسة مجلس النواب قائمة، وعشنا نوعا من تأجيل النص لصالح المرحلة الانتقالية الهشة.
بعد إعلان النتائج وفوز حزب العدالة والتنمية، يمكن القول أن المرحلة العصيبة "للدولة" قد تم تجاوزها حيث كان "الاعتقاد" أنه تم إدماج القوى الفاعلة داخل مجلس النواب، فانتقلنا بشكل تدريجي من الصراع داخل الشارع الى داخل الدائرة السياسية وصول إلى داخل المؤسسات (مجلس النواب).
بخصوص شباب المغرب:
خرج الشباب يصرخ بأعلى حناجره يلتمس الديمقراطية والحرية والكرامة بأقل تكلفة وبدون قطرة دم واحدة، بشكل سلمي وحضاري، فكانت تجربته السياسية وإدراكه لحيل الصقور والصراع داخل دواليب الدولة ضعيفة، مما جعله يكون فاعل وفي نفس الوقت ضحية.
مشروعية مطالب الشباب وحقوقه التي تكفلها له المواثيق الدولية، الفلسفات الحديثة، لم تثنيه أن يراكم مجموعة من الأخطاء، كانت أهمها التموقع الحزبي الضيق أو السياسي الهش، بإعلان جزء منهم برفض الدستور ورفض الانتخابات، في حين كان يجدر بهم أن يتعالوا على الدخول لعبة الأرقام ولعبة التموقعات، فمشروعهم ومطالبهم أسمى من مجرد وثيقة دستورية أو إجراءات انتخابية صرفة.
من جهة أخرى أعطى الشباب الفرصة لأعداء الديمقراطية وأنصار الاستبداد بشقيه السياسي والديني، بإعادة إنتاج مشروعيتهم، بل وقعوا شيك على بياض لأطراف معينة للتفاوض بهم وتتزايد بهم على صناع القرار السياسي.
وهكذا رجع حزب الدولة "الأصالة والمعاصرة" بمشروعية جديدة، ما كانت لتكون له لولا الحراك الشبابي، مشروع مستنبطة من الانتخابات النيابية، حيث مكانته الانتخابية وإدماج "فؤاد عالي الهمة" في مربع المستشارين، أبعدت نوعا ما الصفة اللصيقة به كحزب "صديق الملك"، كما أن مؤتمره الأخير منحه شرعية صناديق الاقتراع، فخرج الحزب بقيادة جديدة ومرجعية جديدة وخطاب جديد، مسح بشكل مبطن ماضيه القصير في "الاستبداد" السياسي.
أما أكبر منتصر من الحراك يتمثل في الأصولية الدينية، حزب العدالة والتنمية، إذ استطاع أن يكسب رهان الفوز بالانتخابات وكرسي رئاسة الحكومة، وذلك من خلال لعب ورقة الحركات الشبابية، للتهديد بشكل علني أو سري بالخروج للشارع لنصرة إخوانهم في "العدل والإحسان".
على سبيل الختم:
نحن بحاجة إلى "صرخة جديدة"، ولكنها مستفيدة من تجربة حركة 20 فبراير من خلال ما يلي:
§ أن تكون "الصرخة" سيدة نفسها وحامية ذاتها ومكونة لأطرافها، في رفض كل أشكال هيئات الدعم والوصاية، من قبيل المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير الذي كان حجرة عثرة في وجه تقدم وتطور الحركة، ف"فاقد الشيء لا يعطيه"؛
§ أن يكون "للصرخة" "ضمير" يلعب فيه المثقف والجامعي والباحث دور البوصلة الفكرية والنظرية والفلسفية؛
§ أن تخاطب الملك مباشرة، وليس التيارات المتصارعة في محيط الملك؛
§ أن تعتبر أن خطاب 9 مارس الحد الأدنى من مطالبها، وما دستور فاتح يوليوز إلا مفاتيح هذا الخطاب، وتتجسد الإرادة الحقيقية لبلوغ الديمقراطية والحرية في القوانين التنظيمية والعادية، باعتبار أن ثلثي الدستور الجديد لازالت معلقة في هذه التشريعات؛
§ أن هوية "الصرخة" هي ديمقراطية وحقوقية، كما هو متعارف عليه عالميا، ووفق التجارب الدولية، وأن الخطابات والفتاوي التي تصدر من قبل الشيوخ هو بمثابة "اللعب بالنار" وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، لان التطرف مثل النار في هشيم المجتمع؛
§ أن تبتعد "الصرخة" عن المواقف الظرفية والآنية وردود الفعل وتبقى متمسكة فقط بمبادئها وشعاراتها؛
تعليقات