مهرجو التماسيح والعفاريت
مهرجو التماسيح والعفاريت
كلما خاطب رئيس الحكومة المغربي السيد "عبد الإله بنكيران" عموم المواطنين، إلا وذكر مصطلحين هما "التماسيح والعفاريت"، مهما كان موقع الخطاب، جلسة برلمانية أو خطاب حزبي أو خطاب رسمي عبر الإعلام أو في ندوة عمومية، الشيء الذي يجعل سؤالين يسوقان بخصوص الموضوع، سبب لجوء رئيس الحكومة إلى هذه النعوت؟ ودلالات استعمال مصطلحات من حقل الحيوانات واللامرئيات في حقل السياسية؟
بداية، لا بد من الإشارة أن السيد "عبد الإله بنكيران"، كان له تأثير عضوي بتجربة حكومة السيد "عبد الرحمان اليوسفي"، وب"الاتحاد الاشتراكي" عموما، حيث كان أول تصريح له عقب تعيينه رئيسا للحكومة أنه يريد الاتحاد لكي "يسخن ليا كتافي"، وأثناء الأجوبة عن الأسئلة البرلمانية غالبا ما يلجأ إلى أحد قيادات الحزب سواء رئيس الفريق النيابي "أحمد الزايدي" أو النائب "حسن طارق"، أو للمستشارة "زبيدة بوعياد"، للتأكيد على قوله صحيح، (واش كاينة او لا لا).
كما لا يفوتنا أن نؤكد أن جل تصريحات أو الوعود أو الإقرار بالاكراهات والصعوبات يتم بالقياس على حكومة "التناوب"، بل أحيانا يتم تبرير سلوك أو ممارسة أو إجراء من خلال أخذ بالمثال بنفس التجربة، كمعيار للتدبير الحكومي.
وفي هذا الإطار لا ننسى أن المعارضة البرلمانية التي سبق لحزب "العدالة والتنمية" أن مارسها قبل توليه حقيبة رئاسة الحكومة، استلهمت الكثير من شكلياتها دون القول بمضمونها، من خلال تجربة "الاتحاد الاشتراكي" ما قبل 1998.
وبالعودة لموضوع المصطلحات، فأي متتبع للشأن السياسي للبلاد خلال العشرين سنة الأخيرة يلاحظ ولوج مجموعة من المفاهيم القاموس السياسي المغربي، فكان مصدر المعجم اللغوي السياسي، يأتي من جهتين: إما من الدولة من خلال طب الملك، حيث تواتر مجموعة من المفاهيم جعلها تدخل عنوة الحقل الدلالي السياسي من قبيل "العهد الجديد للسلطة"، "المشروع المجتمعي الديمقراطي"، "مبادرة التنمية البشرية"، وإما يكون مصدرها الاتحاد الاشتراكي من قبيل، "التناوب التوافقي"، "الخروج عن المنهجية الديمقراطية"، "مطاردة الساحرات"، "حكومة الظل" ، "الوافد الجديد"...
يأتي ذكر هذا السياق للخلاصة أننا أمام محاولة دمج مفهوم جديد في الجهاز المفاهيمي السياسي المغربي، من قبل حكومة "بنكيران" يتمثل في "التماسيح والعفاريت"، للبحث عن حد أدنى من وضع بصمة في الحقل السياسي المغربي، ولكن للأسف سوف يبقى مجهوده هباء منثورا، لسببين:
أولهما: أن المفاهيم مرتبط بظاهرة معينة، ويتم التعبير عنها بمصطلحات تحترم الخصم أو العدو أو المخاطب، ومنتقاة من برغماتية سياسية ذكية، وليس مصطلحات مستمدة من حيوانات أو الجن؛
ثانيهما: أن المنتج للمفاهيم سواء من قبل الدولة أو من قبل الاتحاد الاشتراكي، كا يخاطب عقول المغاربة ويحترم ذكاءه، وليس يحترقه ويعلقه في كف عفريت أو بين أنياب تمساح.
بقيت نقطة أخيرة تكمن في الأبعاد الدلالية لهذا الاستعمال؟
هنا يجب التذكير أن الخطاب السياسي، لا تتجسد مصداقية في الفاعل السياسي، بل هي مرهونة بالممارسة السياسية وبالاكراهات والمعيقات والتحديات السياسية، فالتباكي السياسي أمام الجمهور، بوجود أيادي خفية (بمعنى أدم سميت) تحرك الفساد وتدافع عنه، هو دليل على فقر الحكومة للرؤية وغياب إستراتيجية محكمة لتدبير الشأن العام الوطني، وهي معطيات طبيعية لحزب يحكم لأول مرة، وحزب لم يكن يوما ما قادرا على إنتاج رجالات الدولة، بقدر ما أنتج مهرجي الدولة.
فرجل الدولة، يسمع الكثير ويقول القليل، وليس ذلك طمسا للحقائق، ولكن السياسية هي مجال التحالفات والتنسيق والمداولات والتنازلات المتبادلة، مما يقتضي التمييز بين الفضاء العمومي (حسب تعريف يورغن هابرماس) والفضاء الخاص، فالكثير من الأشياء تقال في المقاهي والحانات وحتى في الحمامات، ليس بالضرورة نقلها للإعلام العمومي أو في جلسات البرلمان، بل يقتضي أخذها بالحسبان وإنتاج وفقها إرادات حقيقية للإصلاح أو في إطار سياسات عمومية، سواء كانت موافقة أو مخالفة لما تم تداوله في المجالات الخاصة.
هذا التمييز بين رجالات الدولة ومهرجي الدولة، هو القادر على إنتاج مفاهيم تكون لها صدى في المجال العمومي وداخل المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وهو الخيط الفاصل تدبير الدولة وتدبير الحزب.
إن شماعة "التماسيح والعفاريت" غير كافية لتعليق الأزمة الاقتصادية للمغرب عليها، وغير كافية لحل المشاكل الاجتماعية، وغير كافية لمسح كلمة "إرحل" من الشارع، بل يتم ذلك من خلال سياسات عمومية وديمقراطية تشاركية ومقاربة ادماجية وعرضانية باعتبارها السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة.
ختاما، إذا رأى السيد "بن كيران" "العفاريت" آنذاك سوف يرى "الفساد"، وإن عاد إلينا سالما بعد رؤية دموع التماسيح آنذاك سوف نصدقه.
تعليقات