الخطيبي... وتحرير السوسيولوجيا المغربية
الخطيبي... وتحرير السوسيولوجيا المغربية
عزيز ادمين
roydamine@hotmail.com
كان أول لقائي بالراحل عبد الكبير الخطيبي في صيف 2004 بمرتيل, في ندوة حول موضوع " السلطة إكراه أم قبول". فأعطى مثالا في الحالة الغربية, من خلال سلوك سائقي السيارات عند إشارة الضوء الأحمر, فهناك من السائقين من لا يقف إلا بعد تجاوز الضوء الأحمر ببضعة أمتار و خاصة الوقوف في ممر الراجلين, فهم من جهة يحترمون القانون, لكن ليس في الخط المخصص للسيارات, ومن جهة أخرى فهم ينتظرون إشارات من خلفهم للمضي ما دام هم لا ينظرون للضوء الأحمر.
إن بتوديعنا للخطيبي, نودع احد أعمدة الفكر المغربي المعاصر, الدين اشتغلوا في الظل وفي صمت بعيد عن الكاميرات والمهرجانات.
نكون قد ودعنا صاحب "النقد المزدوج", الذي دعا من خلاله إلى تحرير السوسيولوجيا من الاستلاب وتكييفها مع خصوصية المواضيع المطروحة. في إطار حركة مزدوجة منسقة, تقوم على تفكيك المفاهيم الناتجة عن السوسيولوجيا و الكتابات السوسيولوجية الكولونيالية ذات الإيديولوجية المتمركزة على الذات. و في نفس الوقت العمل على نقد المعرفة و السوسيولوجية التي أنجزها المجتمع المغربي حول ذاته.
فالمفاهيم تأخذ بنيتها ما بين التاريخ والعلم والإيديولوجية, وتتأثر بالسياق العام الذي نشأة به, وهكذا نجد اغلب العلوم الاجتماعية نمت وتطورت في الغرب تزامنا مع العصر التسلطي للاستعمار.
ففي كل سوسيولوجيا نجد إيديولوجيا موازية لها, حيث يرى الخطيبي تقاسما مع جاك دريدا, أن نوعية و خصوبة الكتابة السوسيولوجية بالنقد الذي يتناوله الاقتصاد والإستراتيجية, يسمحان بالتمييز بين المفاهيم التي لها قدرة ابستمولوجيا يمكن تحيينها, والمفاهيم التي يمكن أن تصنف ضمن تاريخ المعرفة فحسب. وهده المهمة يراها عبد الكبير الخطيبي لانهاية لها بدون شك, مع العلم بان في ميدان المعرفة لا يوجد مكان للمعجزات وإنما انقطاعات نقدية.
إن النقد المزدوج عند الخطيبي يهدف إلى إعادة تشييد بنيان العلوم الاجتماعية, و خاصة المغاربية, حتى يمكن أن نعين بدقة توجيها ما, ويمكن التفكير في الاختيارات الحاسمة على ضوء هده الإشكالية, فالمعرفة العربية الحالية تعمل على هامش المعرفة الغربية لا في داخلها, فهي تابعة لها ومحددة بها, ولا في خارجها, لأنها لا تفكر الخارج الذي هو أساس لها, هدا الهامش يتخذ في الحقيقة مظهر جد أسمى. فالنقد المزدوج يمكن بالتالي في معارضته المعرفة الغربية عن الخارج مع تنظيرها ( أي وضعها في نظريات) ليس إلا. أو بتعبير أخر إن نضع ترتيبا تدريجيا للأقطاب الإستراتيجية.
فالامتياز للتاريخ ضد الاثنواوجيا, و أولوية الكتابة السوسيولوجية التاريخية ضد أشكال المذهب الوظيفي, و العمل على إنشاء أجهزة من المفاهيم حسب النظام الاصطلاحي الخاص باللغة العربية ضد السيطرة الثقافية التي لا يمكن فصلها عن السيطرة السياسية و الاقتصادية, حتى لا ينغمر المثقف المغربي في آلية الترجمة مع التشبث بأهمية اللغات الأجنبية على أساس أنها لغة علمية جديدة بالعربية, التي لا يمكن أن تتقدم ادا لم تدمج في كتاباتها فروق السنن المتعلقة بلغات أخرى.
لقد مات عبد الكبير الخطيبي, لكنه لازال حيا بيننا بكتبه وأفكاره التي ستبقى خالدة وشاهدة لتواضع الرجل.
تعليقات