الإصلاح الدستوري في العهد الجديد








الإصلاح الدستوري في العهد الجديد

منذ تولي محمد السادس للحكم 1999, تجدد ملف الإصلاح الدستوري لدا الطبقة السياسية, لكل مدخله, ما بين المطالبين بالتغيير الجدري للدستور و التعديل على مستويات أدنى.
في هدا الإطار يمكن الحديث عن اتجاهين في الفر قاء السياسيين, اتجاه يرى انه لا ضرورة للقيام بإصلاحات دستورية. على أساس أن الدستور الحالي كاف من اجل تعزيز دولة الحق و القانون, و بالتالي فالإشكالية في المغرب ليست قانونية/دستورية بقدر ما هي إشكالية تطبيق و إشكالية ثقافة سياسية سائدة في داخل المجتمع و لدي النخبة السياسية. ومرد ذلك أن جزء كبير من أحكام الدستور غير مطبقة لا من حيث اختصاصات الوزير الأول و لا من حيث اختصاصات البرلمان.
كما أن الدستور هو تعبير عن حاجة تطور مجتمعي معين, فهو نتيجة سيرورة وصيرورة تطور اجتماعي و اقتصادي و ليس سببا فيه. فهل يكفي أن نعطي أرقى دساتير العالم لمجتمع متخلف كي يتطور؟ الاجابة اكيد بالنفي. كما انه هل يكفي أن نقوم بانتخابات نزيهة و شفافة حتى نصبح دولة ديمقراطية؟ ألا يمكن تؤدي ليس إلى إقرار الديمقراطية بل إلى قبرها بوصول قوى أصولية أو راديكالية إلى السلطة؟
أما الاتجاه الثاني الذي يرى ضرورة القيام بإصلاحات دستورية, باعتبار أن الإصلاح الدستوري كمتغير مستقل قادر على التأثير على متغيرات أخرى تابعة من اقتصادية و اجتماعية و ثقافية... اذأن الدستور ما هو إلا مفتاح لحل الاوراش الكبرى.
فالهندسة الدستورية تتكون من أربع طبقات: طبقة خاصة الأحكام العامة و طبقة متعلقة بالمؤسسة الملكية و ثالثة تهم العلاقات بين السلط و أخيرا طبقة للتقسيم الإداري, وعلى أساس هده الهندسة يمكن تقسيم مطالب الإصلاح الدستوري بين تيارين: الأول يهم الطبقات كلها عدى الطبقة الثانية, و الآخر ينطلق في الإصلاح الدستوري من المؤسسة الملكية.
فداخل التيار الأول هناك من ياخد الإصلاح الدستوري كتكتيك انتخابي أو سياسي كمثال الحركة الشعبية التي حركت هدا الملف بعد تشكيل حكومة عباس الفاسي, حيث لم تجد نفسها داخل التشكيل لرفع ورقة الدستور كورقة ضغط. و الاتحاد الاشتراكي الذي سجل في مؤتمره الأخير العودة لمطلب الملكية البرلمانية بعد الإخفاقات السياسية والانتخابية التي أصبح يحصدها مؤخرا, خاصة بعد 7 شتنبر 2007.
.و هناك من الأحزاب السياسية التي اعتبرت الإصلاح الدستوري يدخل ضمن أجندتها و إستراتيجيتها ولكن مع مراعاة توازن القوى السياسية, مما حدا بها أن تعتبر أن أي إصلاح مرهونا بالتوافق مع المؤسسة الملكية. و بالتالي فالإصلاح المطلوب اليوم ينحصر على مستويين:
المستوى الأول الذي أصبحت أحزاب الحركة الوطنية تطالب به يتمثل في تكريس لعلاقة ببن الحكومة و البرلمان تقوم على توازن ايجابي, و دلك بتوسيع من اختصاصات الوزير الأول و بالمقابل إعطاء البرلمان اختصاصات مهمة في مجال التشريع و المراقبة.
و المستوى الثاني و الذي يمكن القول أن حركة لكل الديمقراطيين تساهم به و يتمثل في إصلاح يهم الجهوية و توسيع صلاحيات الجماعات المحلية و الحكامة المحلية, انطلاقا من علاقة المركزي مع المحلي.
أما التيار الثاني الذي يرى في إصلاح جدري للدستور, فهو يرى ضرورة فصل صارم بين السلط, و أن تجميع جميع السلط في يد واحدة من خصائص الأنظمة الاستبدادية, وبالتالي إصلاح الأنساق الفرعية داخل النظام لن تؤثر على النسق المركزي,(و كمثال على دلك القانون المنظم للهيئة العليا لاتصال السمعي البصري). و يمثل هدا التيار اليسار المعارض و بعض فعاليات المجتمع المدني, حيث نجد كذلك في هدا الإطار مستويين من المطالب:
مستوى جدري يربط الإصلاح الدستوري بإنشاء لجنة مستقلة لوضع الدستور مادمنا أمام دستور ممنوح, و دستور يقر صراحة بفصل السلط و إقرار اتفاقيات حقوق الإنسان كأعلى من الدستور.
و في المستوى الثاني نجد فعاليات يسارية و على رأسها الحزب الاشتراكي الموحد, الذي اعد لمشروع دستور نشره في جريدة و أعقبه بندوات و لقاءات مع الفاعلين و المهتمين السياسيين و الجمعويين... و ادا كان أسلوبه هدا يشكل قطيعة مع الممارسات التقليدية السابقة التي تضفي على مثل هده الممارسات السرية و الكتمان و انتظار الإشارات فان السؤال يثار بشأن بعث الرسالة إلى الديوان الملكي كأسلوب المذكرات, بدل من وضعه في البرلمان مادام الدستور يخول له دلك, و بدلك تكون ممارسته أكثر عقلانية و مؤسساتية و ليست تقليدية مثقلة بالقيود البرتوكولية التي مافتئ ينتقدها من أول يوم من اعتلاء الملك الحكم ( مقال لمحمد الأساسي بجريدة النشرة).
و تربط الرسالة الدستور الديمقراطي بالملكية البرلمانية, باعتبار هده الأخيرة هي النظام الوحيد القادر على الجمع بين الملكية الوراثية و الديمقراطية التي تقوم على ربط اتخاذ القرار بصناديق الاقتراع.
ختاما, تبقى هده مجموعة من التصورات لكل فاعل سياسي أجندته و إستراتيجيته و لكن أمام عدم وجود جبهة قوية في المغرب قادرة على فرض تصورها يبقى أي إصلاح دستوري رهبن بالإرادة السياسية للمؤسسة الملكية باعتبارها الفاعل الأساسي و المركزي في الحقل السياسي, فالعهد الجديد لن يكتمل إلا بوجد دستور جديد, فلايمكن أن يبقى العهد الجديد يشتغل بأدوات و وسائل العهد القديم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين