زاوية الفريق النيابي للاصالة و المعاصرة







زاوية الفريق النيابي للاصالة و المعاصرة
إن الحديث عن ميكانزمات العلاقات داخل الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة يقتضي الولوج إلى بنية النسق الثقافي للسلطة في المجتمع المغربي وهي بنية عمودية تربط ما بين "دار الملك" أو "دار المخزن" وباقي الخدم أو الأتباع أو المريدين المرتبطين بها.
وفي هذا الإطار يفترض قبل تشخيص هذه العلاقات تحديد بعض المفاهيم مثل "دار الملك" والانطلاق من تساؤل كيف يمثل فؤاد عالي الهمة ابن دار المخزن (دار الملك)؟
نظريا لا تختلط وظيفة الملك بجسده وبشخصه، ولكن لابد لجسده البيولوجي أن يذوب في جسد الملك والملك[1]. لذا تعبر الحوليات عن الكيان المتكون من العاهل ومحيطه بلفظ "دار الملك". ويسميها الناس في اللغة المتداولة "دار السلطان" أو "دار المخزن". وينبغي أن نعير اهتماما خاصا لهذه الألفاظ لأننا لسنا هنا أمام كيان محصور في مجموعة خاصة بل على العكس، نحن أمام مبدأ للسلطة يتمظهر في كل مكان، بما في ذلك الأماكن التي لا يحل بها أبدا المركز الملكي رغم تنقلاته الشهيرة[2].
يدخل في إطار دار الملك جماعة خدم الأمير وهم يشغلون الفضاء الأبعد من العالم الخارجي ويرأسون وحدات الخدم العادية، وجماعة الخدام بالمعنى الواسع ومجالها هو الفضاء الذي يجاور العالم الخارجي، وهذه الأخيرة هي التي تهمنا والتي نقصد بها "الدولة"[3]، والتي يشكل السلطان والبيروقراطية مركز "دار الملك"، ونجد على رأس هذه الجماعة الأشخاص الذين تميزهم صلات اجتماعية وأوضاع خدمة[4]. فالأولى هي على شاكلة تسلسل بيولوجي (علاقة الدم) مقرونة بخدمة عامة غير معينة، فهم موجودون لأنهم عليهم أن يكونوا هناك بهذه الصفة، والثانية فهي مرتبطة بالوظيفة المحددة سلفا مقرونة بعلاقة من السلطان يتم التنظير لها أو التعبير عنها على شاكلة العلاقة الأولى مع الإبقاء على الإبهام والغموض من حيث معالمها، وهذه حالة فؤاد عالي الهمة، الذي تمت تربيته قصد القيام بوظيفة معينة وتجمعه بالملك علاقة شبه أبوية مما يعطيه امتياز الانتماء إلى دار الملك.
وفي هذا الإطار يمكن القول أن المنتسبين "لدار المخزن" هم الزعماء الطبيعيون في نموذج للسلطة يفرض نفسه ويقومون بالوساطة مع الممثل الأسمى الذي يقود الأمة، ويمتلك هذا الأخير كل الوسائل الرمزية والمادية، في نفس الآن وله سمات من القداسة وينتمي إلى سلالة دينية ممتدة إلى الرسول وكل الذين يتحلقون حول الصورة المركزية للملك ليسوا إلا تلامذته ومريديه وهو الشيخ والزعيم والسيد[5]. والتقرب من أحد أبناء دار المخزن في المخيال السياسي للنخبة السياسية المغربية معناه التقرب من هذه الصورة المركزية ونيل رضاها مما يجعل الراغبين في الوصول إلى الشيخ الذي يشيع نوره أن يكونوا في خطوة أولى في دائرة المرديين المخلصين لشخص ابن "دار المخزن" يقومون بوظيفة تأويل أفكاره وتفسيرها وتطبيقها. ومن هنا الطابع "المشخصن" جدا للسلطة[6].
من خلال ما سبق يطرح تساؤل حول انتظارات أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة من ابن "دار المخزن" وفي المقابل ما هو تأثير ذلك الطوق من الهالة التي تحيط بفؤاد عالي الهمة على عمل النائب البرلماني؟
للإجابة على هذه التساؤلات سوف نخصص المبحث الأول لفؤاد عالي الهمة كزعيم أو شيخ فريق الأصالة والمعاصرة. والمبحث الثاني لانتظارات أعضاء الفريق كمردين داخل نفس "الزاوية".


المبحث الأول: الشيخ/الزعيم بوصفه مفهوما سياسيا
إن التطرق إلى دراسة الزعيم أو الشيخ من خلال تكون بنية سلطاته، يلزم الاشتغال نوعا ما بالخطاطة الثقافية للسلطة بشكل عام والتي ما زالت سائدة إلى الآن، والتي تتكرر في ممارسات دار الملك، وهذا يدخلنا في الدينامية السوسيو ثقافية التي تعد هذه المراكز تركيبا لها بوجه معين، وذلك في علاقة تفاعلية ما بين الشيح ومريديه، حول تنظيم الحياة المادية والطقوسية للزاوية (وهناك المقصود الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة).
ولكن قبل التطرق إلى دراسة البنية السوسيو ثقافية للزعيم سوف نتناول في البداية للمسار السياسي لشخص فؤاد عالي الهمة.
المطلب الأول: المسار السياسي لعالي الهمة
حرص فؤاد عالي الهمة الوزير المغربي السابق المنتدب في الداخلية، الذي التمس من العاهل المغربي الملك محمد السادس اعفاءه من منصبه، لخوض الانتخابات التشريعية في دائرة الرحامنة الواقعة في اقليم قلعة السراغنة (جنوب المغرب)، على اطلاق حملته الانتخابية من قرية احد محرة، التي تتحدر منها عائلته من ابيه، وتبعد عن بلدة بن جرير حوالي 50 كيلومترا.
وترشح عالي الهمة مستقلا، واطلق على لائحته التي تضم 3 مرشحين اسم «الكرامة والمواطنة». وقال مسؤولون عن الحملة الانتخابية لفريقه، الذي يتكون من خاله حميد نرجس، مدير معهد البحث الزراعي في الرباط، والصحافية فتيحة العيادي مديرة الاعلام في وزارة الاتصال (الاعلام)، ان تسمية اللائحة لم تأت من باب اختيار اسم فقط، بل جاءت بعد دراسة وتمحيص ونقاش بين المرشحين الثلاثة واعضاء اللجنة المساندة لترشيحهم. وبالتالي تم الاتفاق على الكرامة ككلمة لها حمولة قوية ومعنى نافذ، ذلك ان الفرد في نظرهم يمكن ان يتسامح مع كل شيء الا في كرامته. اما اختيار كلمة «المواطنة»، فجاء من منطلق انها اصبحت ركنا اساسيا في المسيرة التنموية للمغرب وشعارا لكل عمليات التوعية التي تروم اعادة الثقة للفرد المواطن، سواء في نفسه او في ارادته وفي مقاولات بلده ووطنه. ليخلص القائمون على الحملة الى القول: «لا تنمية بدون كرامة ولا مواطنة بدون رد الاعتبار للفرد المواطن».[7]
واختار عالي الهمة وفريقه «الجرار» او «التراكتور» شعارا لحملتهم الانتخابية، وفي ذلك دلالة على ما يميز منطقتي الرحامنة والسراغنة، كونها منطقة فلاحية غير مستغلة بطريقة حديثة، وتعرف غيابا تاما للآليات الفلاحية، مع العلم ان غالبية سكان المنطقة تعيش على المنتجات الفلاحية. ويروم الشعار المختار توجيه رسالة مفادها ان القطاع الفلاحي سيكون بمثابة القوة الدافعة لعجلة التنمية في المنطقة، وان هذا القطاع لا يمكن تطويره والانتقال به الى قطاع منتج الا بالمكننة، أي الاستخدام العقلاني للجرار، الذي يعتبر العنصر الاساسي في دورة الانتاج الفلاحي.
وتنافست 16 لائحة على دائرة الرحامنة للفوز بثلاثة مقاعد في مجلس النواب المقبل.[8] وبدا برنامج اليوم الاول من الحملة الانتخابية لفريق عالي الهمة، مليئا ومنظما، اذا مضت الامور كما اتفق. ففي خيمة نصبت تحت شمس حارقة في قرية احد محرة، قال الهمة مخاطبا حشدا من مناصريه، وقد بدت عليه حالة تأثر كبير: «انني اتحدث معكم من قلبي.. ولم آت الى هنا لركوب الانتخابات لتبوء مركز، بل جئت ورفاقي بنية خالصة وصادقة، وبتجربة قد تكون كبيرة او صغيرة لاقول لكم ان هذه الارض التي اعطتنا الكثير، وانجبت اناسا استطاعوا تحقيق نجاح كبير في حياتهم، جئنا اليها لنرد لها دينا على عاتقنا».[9]
وقال الهمة الذي كان يعتبر قبل طلب اعفائه، الرجل الثاني في مملكة محمد السادس، واحد رفاق العاهل المغربي الخلص: «لم نأت الى هنا لنعطي الدروس، بل جئنا للاستماع اليكم ومعرفة واقعكم اكثر»، قبل ان يضيف: «اريد ان اعترف لكم بانني غير راض على نفسي، نظرا لانني قضيت في الحكومة ثماني سنوات، ولم تعرف هذه المنطقة أي تطور يذكر، ولم تستفد من مثل ما استفادت منه باقي مناطق البلاد». بيد ان الهمة شدد على القول ان التغيير لن يتحقق في المنطقة الا اذا تحلى كل شخص بالثقة في ذاته، ومارس مواطنته كاملة. واردف قائلا: «اذا كنتم غير مستعدين لتغيير واقعكم والالتزام بذلك، فانه لا شيء سيأتيكم».[10]
وتساءل الهمة انه لا يعقل ان يكون اقليم قلعة السراغنة محاطا بقطب سياحي هو مراكش، وقطب صناعي هو الدار البيضاء، وسطات، وبرشيد، ويظل على هذه الحالة المزرية، مشددا على انه لم يعد هناك مجال للقول بوجود مغرب نافع ومغرب اخر غير نافع، موضحا ان المشكلة في المغرب لا تكمن في الوسائل المادية، وانما تكمن في القائمين على المناطق. بيد انه نبه الى شيء اساسي هو انه ليس من يقيم في الرباط هو من سيحل مشاكل كل منطقة، بل سكانها هم من سيحددون طبيعة الحلول، وبالتالي على الناخبين ان يختاروا من يمثلهم احسن تمثيل، ويستمع اليهم وينزل الى الارض ليقول بصوت مرتفع «انا امثل هؤلاء الناس».[11]
ولعل ما يميز حملة الهمة كونها حملة شبه عصرية غير مألوفة في المنطقة، اذ عمل المشرفون عليها على وضع ميثاق شرف مكتوب. ذلك ان الحملة خلت من الولائم والتصرفات التي تثير حنق الغيورين على الديمقراطية. كما تم اصدار نشرة يومية لمواكبة حملة فريق «الكرامة والمواطنة» والتواصل مع الناخبين، وفي سياق ذلك تم اطلاق بوابة الكترونية عنوانها www.rhamna.ma ولم يفوت عالي الهمة الفرصة لتوجيه رسائل الى عدة جهات، من ضمنها الاحزاب السياسية، فقد شدد على القول «لسنا ضد الاحزاب، جئنا هنا فقط لنمد يدنا لسكان المنطقة». وخاطب الناخبين قائلا: «الوساطة بين السكان والدولة يجب ان تدعم اكثر، وكفى من الوقفات الاحتجاجية ورد اللوم للاخر، وكفى ايضا من الايديولوجيات التي تقود الى الطريق المسدود».[12]
هكدا فاز عالي الهمة بالمقاعد الثلاثة المخصصة لدائرة قلعة السراغنة الرحامنة ليدخل الزعيم المؤسسة البرلمانية بانتصار كبير, صرح شخص في نهاية عقده الرابع من الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي، وسلم عليه بحرارة، قال له انا رئيس الجماعة (القرية)، ومعتقل يساري سابق مثلك، قبل ان يضيف قائلا: «كنت انوي الترشح في الدائرة، ولكن امام تقدم رجل من طينة عالي الهمة، ارتأيت الانسحاب من خوض الانتخابات، ان الهمة الرجل المناسب في المكان المناسب».[13]
المطلب الثاني: المميزات السوسيو ثقافية للزعيم/الشيخ
حين دخل فؤاد عالي الهمة المريد القديم إلى الحقل السياسي لتأسيس زاويته الخاصة به، أثار العديد من ردود الفعل والدهشة لدى الزعماء والشيوخ القدامى، ولا يمكن إلا أن نقاسم الفاعلين السياسيين دهشتهم كباحثين حين نراه كمن قد غير فجأة شخصيته، إنه كما لو كان يحتفظ دوما بالشخصية التي انكشفت لحظة مغادرته الفظة المفاجئة لوضع المريد (الخروج من دواليب وزارة الداخلية) ليقتحم وضع الشيخ، وكأنه ظل يحتفظ بهذه الشخصية لسنوات طويلة[14]، ولم يكن ينتظر غير الإشارة التي تسمح لها بالظهور[15].
إن تحليل خصال الزعيم، يزودنا بوسيلة نتتبع من انتشارها ورواجها، سواء في الأوضاع التي يتم فيها اللجوء إلى بعض التكتيكات أو في المؤسسات والتفاعلات التي يعتبرها المجتمع نفسه داخلة في المجال السياسي، وعلى أساسها يمكن تفسير جاذبية فؤاد عالي الهمة والنجاح في نشاطه السياسي، يمكن الحديث عن خصلة أساسية: "الهمة".
إذا كانت صدفة اسم فؤاد عالي الهمة أثارت انتباه الراحل الحسن الثاني فإنه من الصدفة أيضا أن نجد أن صفة "الهمة" قد اعتمد عليه عبدالله الحمودي لتبيان كيفية تكون بنية سلطة شيخ الزاوية[16].
ويسمي "الهمة" أيضا ما ماسينيون "بالطموح النيل" وتضاف إليها معان أخرى مثل "الحماس الرجولي" و "القوة التوالدية" في بعض الاستعمالات[17].
والهمة هي مفتاح كل نظام[18]. فحين كان فؤاد عالي الهمة لازال مريدا يتكون في دواليب وزارة الداخلية كان يشتغل بهمة، وبهمة كان يقيم الاتصال مع الأحزاب السياسية والتنسيق معها، وبهمة أيضا يؤسس فريقه النيابي، ويربي مريديه، ويستميل التابعين، وتشير فقرة من كتاب "الثريات" إلى الحضور الدائم لهذه الفضيلة النشيطة:«ومن أحوال الشيخ العجيبة تلك الهمة القعساء العالية المنزع، وتنسى بها النفوس أمامه كل حظوظ، همة لا تعرف يأسا ولا قنوطا، ولا يعتريها فتور على أمد الأيام، لا تزال مع الشيخ في كل أحواله حتى أنه أحيانا ينسى، التؤدة من غير شعور منه، فيكون كالريح العاصفة التي تترك كل ما أمامها، تصاحبه في سيره وفي حالة ذكره، وفي مقام الوعظ، وعند الأكل والشرب، وعند مزاولة كل شغل من أشغاله. فلا تعارضها حرارة ولا برودة، فتقتحم بالشيخ حماة القيظ وصبارة الشتاء، وتستصغر أمامه العظائم، فيشجع حيث يكع الشجعان، ويقدم حيث يتأخر الفرسان، فبهمته العلية أطار الأفا من الناس إلى ملكوت رب العالمين، فنسوا أولادهم وأموالهم ومشتهيات نفوسهم، وبهمته يقتنص الرؤساء الجهال، فلا يزال بهم حتى ينقادوا للخير مهطعين»[19].
تحيل هذه الفضيلة في سياق العمل على الحماسة والمثابرة وتعنى في سياق التحدي الشجاعة والرجولة ومن هنا الجاذبية التي تمارس على المحيط من خلال نقل هذه الطاقة وإبلاغها.
إن صفة "الهمة" وإن كانت تطابق اسم الزعيم فإنها تحدد كذلك وجه الزعيم السياسي الاستثنائي، والقادر على حل المشاكل الاجتماعية والسياسية وإعادة ترتيب الأدوار داخل النظام السياسي وتقسيم الأنشطة اليومية للفريق في التسيير والإنتاج، وهذا يطرح باعتباره معطى موضوعيا، يشكل نسقا بمعية قيمة أخرى جديدة وهي "حب النظام"[20].
وهذه السمة تسمى نظاما تارة وترتيبا تارة أخرى يحيل الأول على الإطراء والاستقرار المعارضين للفوضى والعفوية وغياب الحدود، أما الثاني فيظم في مداليله أفكار التدبير والتعاقب والتدرج[21].
وهكذا أصبحت "الهمة" والمفاهيم الأخرى التي تلتصق بها تخدم النظام والترتيب أي "النظام السياسي المغربي" فهل يتعلق الأمر هنا بنقل هده الطاقة إلى مجالات أخرى غير مجالات النشاط الروحي؟ إن التجربة المعيشية ونموذج البنية الأولية للسلطة كلاهما مرتبطان بالحياة السياسية المغربية وكلاهما يقرآن في التعارض والمناورة كما في التراضي سواء في دوائر الحكم أو في دوائر المعارضة.
إن الغايات والأهداف التي يسعى إليها دائما الشيخ يجد في مقابله انتظارات المريدين منه يطمحون للوصول الى اهافهم من خلال استراتيجية تابثة و مستقرة.
المبحث الثاني: استراتيجية المريدين
تربط المريدين بالشيخ في إطار الزاوية بشكل عام علاقة وجدانية وروحية، حيث يرى المريدين في الشيخ الوسيط بينهم وبين الله، طامعين في الجنة وهاربين من النار، حيث يسود التصور في العالم الصوفي من لا شيخ له كان الشيطان شيخه.
بمعنى آخر لدا المريدين "أجندة أخروية" يرون في الشيخ السبيل لتحقيقها، مما يجعلهم يتنازلون عن أجندتهم الدنيوية لصالح الشيخ.
أما في عالم الأصالة والمعاصرة فإن أعضاء الفريق النيابي يرون في شخص فؤاد عالي الهمة "الملك"[22] وهو الوسيط بينهم وبينه وعلى أساس هذه العلاقة فلديهم "أجندة دنيوية" يسعون لتحقيقها عن طريق شيخ زاوية الأصالة والمعاصرة. فهي علاقة تتأسس على مصالح مادية وانية غير مرتبطة بأي مطالب أخروية.
ويعتمد المريد للوصول إلى غاياته إستراتيجية الخضوع، من خلال تكتيكات الخدمة والطاعة، والهبة، والتقرب التي تجمع المريدين بالشيخ وتشكل مواقف خدام "دار الملك" أو على الأقل رغبات الزعيم إزاء رجاله، ومن هذا المنظور فالنخبة السياسية البرلمانية لفريق الأصالة والمعاصرة النيابي تمتثل لهذه القواعد والمعايير، فهم يعتقدون من خلال هذه الممارسات والعادات الخاصة التي يمتثلونها، أنهم يقتربون من النجاح والوفاء والطاعة للشيخ/الزعيم وليس بالمجهود والعمل الشخصين. وهذه الطريقة ترفعهم إلى القمة بتقريبهم من مفردات خاصة بخدمة الملك وخدمة الشيخ في الآن نفسه[23].
فكيف يحقق البرلمانيين إستراتيجيتهم؟ أي ما هي التكتيكات الإجرائية والعملية للوصول إلى أن يكون "خداما". ولكي يصير "خديما" وهو شرف يحسد عليه، لابد له من التقرب إلى حضرة الشيخ[24].

المطلب الأول: التقرب من الشيخ/الزعيم
سواء تعلق الأمر بالنخبة البرلمانية أو النخبة السياسية بشكل عام، أم النخبة الوطنية أو النخبة المحلية، فإن التسابق يكون نحو خدمة الأمير، وهي خدمة شخصية. ولا يتعارض هذا المفهوم عند الفاعلين مع الشروط الأخرى للولوج إلى السلطة، فلكي يتم الولوج إلى القمة ينبغي الدخول في فئة الخاصة، وهذا المصطلح يحيل إلى النخبة يناقض العامة[25]. غير أنه يجب أن نحذر من المظهر الخادع لهذا التقابل. فهو يميز عادة بين العامة والأشخاص الذين هم في مرتبة أعلى، سواء بالنسب أو الحسب (العلم, ومميزات مزايا اللدنية والثروة العريقة...) ويسمون بذلك عن الشعب. وهذا هو التعارض العادي بين الخاصة والعامة. إلا أن كل أولئك الذين يتواجدون في هذه المرتبة العليا ليسو بالضرورة من مقربي الأمير أو أشخاص أقوياء، إن الخاصة هم أولئك الذين لهم "حق الدخول" إذ أردنا تعبيرا دقيقا وموقوفا على دار الملك وعلى عملها. وبهذا المعنى، ينبغي أن نميز بين نخبة البلاد التي تستجيب لمعايير معينة معترف بها عند الجميع والتي يجسدها هنا فؤاد عالي الهمة، وبين النخبة التي يشكلها الفعل السياسي وهنا يجسدها أعضاء الفريق، ويميز الناس بين الخاصة وخاصة الأمير، أو خاصة الخاصة إن صح التعبير[26].
والتقرب هنا، بصفته مصدرا للسلطة، ليس صفة تميز هذا النظام دون غيره، فهو يشبه في ذلك أنظمة أخرى: النظام الجمهوري الرئاسي، والنظام الاستبدادي الديكتاتوري و التوتاليتاري مثلا، أي أنه يشترك في ذلك مع أنظمة أخرى قريبة منه ومختلفة عنه. إلا أن ما هو خاص بدار الملك هو أولا إضفاء القيمة على هذا المعيار وإعلاؤه إلى مرتبة "شبه أخلاقية" وثانيا الوزن الذي يكون لهذا المعيار في إدارة الشؤون، وفي إطار عام لم تنمو فيه قاعدة تقسيم الأعمال والتخصصات إلا نسبيا.
وعلى كل حال تتسع السلطة وتتعاظم بالنظر إلى مدى القرب من محيط شخص الملك، حيث يبحث الأشخاص باستمرار على أقصى تقرب ممكن، وإن كان عبر صديقه أو أحد معاونيه أو رفيقه في الدراسة وهذا التقرب علامة اصطفاء لأجل التمتع بالافضال.
المطلب الثاني: خدمة الشيخ/الزعيم
في علاقة الشيخ بمريده لا يمكن تحديد الراتب أو العائد بالخدمة المقدمة بشكل آلي، فلتحصيل راتب بشكل عام لابد من القيام بعمل، والطرفان يتفقان مسبقا ويبدلان ما في وسعهما لكي لا تبطل المعاملة. ولكن في إطار هذه العلاقة تقتضي الخدمة التقرب من الزعيم من أجل نوال نعمه ومن هنا التنافس الذي يضعف جميع المريدين.
وعلى أساسه، لا يمكن أن يعوض عن هذه الخدمة براتب أو أجر، فمعلوم أن الراتب يقيم علاقة تعاقدية تنفع للتفاوض الصريح ويحدها مبدئيا عامل الزمن، وتشير صراحة إلى طبيعة العمل الذي يبرر الراتب، وليس هذا هو الحال هنا، ولا أحد من مريدي الفريق ينتظر الانتظام بفضل شرعية تعاقدية.
فالعوائد غير الانية هي التي تؤكد، خارج أي علاقة تعاقدية، العلاقة الدائمة وشبه الطبيعية بالزعيم. واللفظ الذي يشير إليها هو "صلة"[27]. يدخل هذه الممارسات في الحقل الدلالي للقرابة والتزاماتها، ومعلوم أن هذه الصلة، لا يمكن قطعها دون التعرض للنبذ الاجتماعي[28]، والفشل السياسي، وغضب الأمير.




خلاصــــــــات
من خلال التفاعل بين الشيخ والمريد يمكن الخروج ببعض الخلاصة التي تؤسس هذا التفاعل، الذي ما زال يؤسس العقل السياسي المغربي إلى الآن، وإذا قابلنا هذه الصيغة من التفاعل بصيغ تفاعلية أخرى، اتضح لنا أنها مازالت تهيمن على قولبة التعامل السياسي، فيما نسمع أن عقلانية قانونية وبيروقراطية جديدتين حلتا محل "حكمة" الشيخ، والحقيقة أن هذه الأخيرة هي التي تسكن هذه المؤسسات السياسية الجديدة، لقد أقيمت بنية جديدة للسلطة، وترتكز هذه البنية على إعادة تشكيل معطيات دار الملك والزعامة، وبذلك أصبحت سمة التوسط، التي يقدسها التقليد الشريف والولائي الجديد، تحرك البرلمان من خلال نظام للرعاية جديد بدوره. وبهذا يأتي خضوع الجماهير ولاسيما القروية منها بسيادة هذا التقليد، وهذا يصعب أن نميز الوفاء والعطايا من السياسة الواقعية (Realpolitik) ومن الفساد.
إن التقابل بين فريق الأصالة والمعاصرة النيابي والزاوية ليس الأول من نوعه فقد سبق لمجموعة من الباحثين أن استرعت انتباههم التشابهات القائمة بين الأحزاب السياسية والزوايا[29]. فرغم ما يعيشه الفريق داخله من المعارضات والمفاوضات بين زمرة متصارعة، غير أنها كلها تتعلق بالزعيم الأسمى، ويظل هو سيد تنظيمهم مهما تغيرت الإيديولوجيات والسياسات، وبرغم التقلبات والتعاقبات والاخفاقات[30]. هنا تتقابل المثل الكلية الخاصة بالتنظيمات البرلمانية مع ممارسة شبكية وزبونية ليس معايير الإخلاص والوفاء فيها إلا تلك التي تشغلها الصبغة الطرقية؛ كما لو كانت إدارة التغيير التي نشهدها في تنظيم الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية تقهقر الزوايا الدينية فيما تنشر في الحياة السياسية، وعلى مستوى لم يسبق له مثيل (وهو مستوى الدولة/الأمة)، السلوكات النموذجية للتلقين الصوفي وللعلاقة مع الشيخ. إنه تحديث البنيات الذي يزاوج التعميم غير المسبوق للإجراءات والوسائل التي يعرف بها وفيها المرشدون وأوفياؤهم.
[1] كنتور فيتر : "الجسد الملكي"، منشورات الصحافة الجامعية New Jersy، 1968.
[2] عبد الله الحمودي، مرجع سابق ص 73.
[3] والدولة هنا لا تقابل مصطلح الكيان السياسي « Etat/State »، كما يعرفها قاموس العلوم السياسية، إنها تعني أولا وقبل كل شيء، "الدور"، وتوسعا هي الجماعة التي يأتي دورها في الإمساك بشؤون الأمة، (والفعل تداول بمعنى تناقل بين الناس، ودالت الأيام أي دارت).
[4] عبد الرحمان بن زيدان، اتحاف الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، المطبعة الوطنية، الرباط 1990، الطبعة الثانية، ص 370.
[5] مجلة وجهة نظر العدد 33-34-2007، ص 31.
[6] عبد الله الحمودي، مرجع سابق ص 72.
[7] جريدة الشرق الاوسط الاثنيـن 14 شعبـان 1428 هـ 27 اغسطس 2007 العدد 10499 ص 2
[8] والمتنافسون هم محمد العكرود من حزب التجمع الوطني للاحرار، وحسن المنصوري من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وابراهيم حدة من حزب التقدم والاشتراكية، ومحمد الغزواني من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وعبد السلام الباكوري من الاتحاد الدستوري، وعبد العزيز المهيري من الحزب العمالي، ويونس بوعزة من جبهة القوى الديمقراطية، والمصطفى الزيتوني من اتحاد الحزب الوطني الديمقراطي وحزب العهد، وعبد الهادي السطوطي من حزب الوسط الاجتماعي، وعبد العزيز عفريط من حزب القوات المواطنة، ورشيد رحيم من الحزب المغربي الليبرالي، وعبد الجليل فتحي من حزب العدالة والتنمية، وعبد الصادق عبيد من حزب النهضة والفضيلة، والحسن عفاف من حزب التجديد والانصاف، وميلود السطوطي من حزب الاستقلال
[9] جريدة الشرق الاوسط نقس العدد ص2
[10] جريدة الشرق الاوسط نقس العدد ص2
[11] جريدة الشرق الاوسط نقس العدد ص2
انظر الموقع
[12] http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=4&article=434364&issueno=10499
[13] نقس المرجع
[14] في ندوة عقدت بتاريخ 05/09/2008 من طرف جريدة "المساء" بفندق حسان، كان فؤاد عالي الهمة يصرح غير ما مرة "خليوني نهظر شحال هادي وأنا باغي نتكلم".
[15] في تصريح لفؤاد عالي الهمة لجريدة "الجريدة الأولى" بتاريخ 01/04/2008 أنه حينما طرح موضوع دخوله الانتخابات للملك، أجابه هذا الأخير "كنت أفكر في الأمر"، وبعد ذلك كذب الأول هذا التصريح.
[16] عبد الله الحمودي: مرجع سابق ص 130.
أنظر أيضا: عبد الله الحمودي: الأضحية وأقنعتها، باريس 1988 الفصل الثاني.
[17] Massignon (I) : Essai sur les origines du lexique technique de la mystique musulmane, nouvelle édition, **** Paris 1954 PP 107-108.
[18] De Premare A.L.Sidi Abduerahman elmajdoub, CNRS/S, Paris/Rabat, 1985 P 81.
[19] المختار السوسي، الترياق، تطوان، 1961 ص 30.
[20] الحمودي، الشيخ والمريد، مرجع سابق ص 132.
[21] نفس المرجع ص 133.
[22] في سؤال حول كيف تنظرون إلى فؤاد عالي الهمة لبعض أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة النيابي فكانت الأجوبة من خلال ترتيب الاختيارات:
1- صديق الملك.
2- وزير سابق
3- برلماني
4- مواطن عادي
[23] المختار السوسي، الثرياق، مرجع سابق ص 51.
[24] في حوار مع محمد الساسي بتاريخ 12/07/2008 صرح أن التسابق اليوم لم يعد حول البرامج وإنما حول من يخدم الملك أولا.
[25] أنظر المقدمة في تميز بين الخاصة والعامة.
[26] عبد الله الحمودي، الشيخ والمريد، مرجع سابق ص 75.
[27] في حوار مع أحد أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة: السيد محمد لعموش صرح "أننا في الفريق نعيش كعائلة واحدة وأسرة متماسكة".
[28] عبد الله الحمودي، الشيخ والمريد، مرجع سابق، ص 77.
[29] قد لاحظ روبرت ريزت في كتابة الأحزاب السياسية المغربية دلك.
[30] يمكن هنا الرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية 2008.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

الرجة الثورية العربية على ضوء نظريات الثورات والاحتجاجات لعبد الحي مودن