الأبعاد الحقوقية والسياسية لزيارة "خوان مانديز"

الأبعاد الحقوقية والسياسية لزيارة "خوان مانديز"

يعتبر المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، أحد الآليات الدولية من أجل حماية الأفراد، ويتعلق الأمر بنظام الإجراءات الخاصة أو يسمى أيضا بالقرار 1235، باعتباره آلية غير تعاقدية (غير اتفاقية)، تختلف مساطرها ومرجعياتها عن الإجراءات التعاقدية التي تسمى بالجن الأممية، وفي هذه الحالة، اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب.

وقد أصبح للمقررين الخواص أو الخبراء المستقلين أو فرق الأممية، دور مهم خاصة بعد إصلاح منظومة الأمم المتحدة في مارس 2006، بالانتقال من "لجنة حقوق الإنسان" التابعة "للمجلس الاقتصادي والاجتماعي" إلى "مجلس حقوق الإنسان" التابع مباشرة للامين العام للأمم المتحدة، كذلك بإضافة آلية جديدة لامتحان الدول ويتعلق الآمر بالاستعراض الدوري الشامل الذي بدأ بالعمل منذ سنة 2008.

المقرر "مانديز"

تم إحداث منصب المقرر الخاص بمسألة التعذيب بناء على قرار33-1985 الصادر عن "لجنة حقوق الإنسان" الأممية، وتم تنصيب السيد "خوان مانديز" مقررا، بناء على قرارا 08-08 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان لمدة ثلاثة سنوات، حيث قام بعدها بزيارة كل من الأردن والبحرين من بين الدول العربية، والآن يقوم بزيارته للمغرب.

ويقوم نظام زيارته إما بطلب منه للدول، حتى وإن لم تكن مصادقة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، أو بطلب من الدولة في حد ذاتها، وهذا أحد الاختلافات بين نظام الإجراءات الخاصة واللجن الأممية، حيث تراقب اللجن الأممية التعاقدية حالة حقوق الإنسان فقط بالنسبة للدول التي صادقة على الاتفاقية المعنية.

من جهة أخرى فإن المقرر المعني يتميز بصفة عدم انتظار استنفاذ سبل الانتصاف الوطنية، وهو عكس اللجن الأممية التي لا تسأل الدول إلا بعد استنفاذ كافة سبل الانتصاف المحلية من قضاء ومؤسسات وطنية وقطاعات حكومية، أو تدخل الآلية الجهوية أوالإقليمية، حيث يحق للسيد "مانديز" في الحالة المغربية، أن يسأل عن كل الحالات التي تصل إليه بإدعاءات التعذيب أو سلوك ينافي المواثيق الدولية ذات الصلة بالتعذيب.

كما أن المقرر المعني، يتميز بصفة أخرى تكمن بصلاحياته بطلب تفعيل الآليات الأممية الأخرى التي يرى أن حالة معينة تدخل في أكثر من ولاية واحدة، فيمكن مثلا أن يدق ناقوس أو يثير انتباه المقرر المعني بالإعاقة أو فريق العمل المعني بالمرأة ... أثناء مصادفته حالة معينة من خلال مباشرة اختصاصه في ولاية التعذيب.

وإذا كانت اللجن الأممية تسال المغرب بشكل مباشر فإن المقرر المعني يقدم تقريره إلى كل من "مجلس حقوق الإنسان" وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أنه يقدم تقرير سنوي حول حصيلة عمله إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

فيتم مناقشة الدولة المغربية ومسألتها من قبل مجلس حقوق الإنسان، حيث يتم جدولة أعمال المجلس بخصوص الموضوع، ويعتبر تقريره بعد ذلك مرجع بالنسبة للآليات الموضعاتية والتعاقدية الأخرى للعودة إليه.

كما أن الأمين العام للأمم المتحدة يعتمد عليه بشكل رئيسي لمعرفة مدى تقدم وضعية مناهضة التعذيب بالمغرب، وعلى ضوءه تتخذ القرارات التي يمكن أن تثار في مجلس الأمن بخصوص قضايا أخرى.

قواعد مناهضة التعذيب:

حددت كل منظمة العفو الدولية وجمعية الوقاية من التعذيب APT ، قواعد مناهضة التعذيب وحددتها في 12 قاعدة وتتعلق ب:

§ إدانة الدولة للتعذيب ورفض ممارسته؛

§ حدود الحبس الانفرادي؛

§ رفض الاعتقال في الأماكن السرية؛

§ حقوق المحاكمة العادلة والضمانات أثناء التحقيق والاحتجاز؛

§ تنظيم تحقيقات مستقلة بخصوص إدعاءات التعذيب؛

§ عدم الاعتماد أو قبول التصريحات التي صدرت نتيجة التعذيب؛

§ منع وتجريم ممارسة التعذيب بقانون وطني؛

§ محاكمة مرتكبي التعذيب وفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب؛

§ إجراء تدريبات ودورات تكوينية لفائدة كل المتدخلين في إنفاذ القوانين؛

§ تعويض ضحايا التعذيب وجبر ضررهم وإعادة تأهيلهم؛

§ ضرورة مصادقة الدول على كافة الصكوك والاتفاقيات والبروتكولات ذات الصلة بمسألة التعذيب؛

§ اعتماد مدونة أخلاقية، وقد اعتمدت الجمعية الطبية العالمية في طوكيو 1975 إعلان مبادئ توجيهية للأطباء فيما یتعلق بالتعذیب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،فيما یتعلق بالاعتقال والسجن .

الأبعاد الأخرى لزيارة "مانديز":

إن زيارة المقرر المعني بمسألة التعذيب، جاءت بناء على طلب من المغرب، في ظل سياق إقليمي متذبذب:

§ استطاعت الدولة الجزائرية أن تحرك دبلوماسيتها الموازية، من أجل إقناع المنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية، بالوضع المقلق لحقوق الإنسان بمنطقة الصحراء، جعل مجموعة منها أن تعلن بعدم قدرة المغرب أن يحمي الأفراد في المنطقة من الانتهاكات وبالتالي طلبت توسيع من صلاحيات بعثة "المينورسو" لمراقبة حقوق الإنسان، وما يتبع ذلك من المس بالسيادة الإدارية المغربية على المنطقة.

§ إن تقرير الذي سوف يقدمه المقرر الخاص إلى الأمين العام للأمم المتحدة، سوف يعفي هذا الأخير، من الاعتماد على تقارير المنظمات غير الحكومية، ويعتبر مرجعا بالنسبة لأمين العام للأمم المتحدة في موقفه بخصوص تمديد من بعثة المينورسو في السنة المقبلة، كما أنه قد يؤكد أو ينفي ما ورد في تقرير مبعوثه الخاص "كريتتوفر رسو" الأخير.

§ إن وضع المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجنة الجهوية بالعيون، قد يكون مثل صمام الأمان، بدفع المقرر الخاص باعتبار وجود آليات وطنية وجهوية خاضعة لإعلان مبادئ باريس، يلعب دورا مهما في حماية حقوق الإنسان، ويزكيها كآلية انتصاف محلية ووطنية.

§ فرصة الزيارة، يمكن استثمارها من أجل دفع الحكومة لاستكمال إجراءات المصادقة على برتوكول مناهضة التعذيب في أقرب الآجال، كما أنه قد يحسم ضمنيا، في الجدل القائم بين الحركة الحقوقية، بخصوص الآلية الوطنية لمراقبة التعذيب، هل تكون آلية مستقلة أم تابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

§ كما أن انفتاح المغرب على نظام الإجراءات الخاصة (بعد الزيارة التي سبق وأن قامت بها الخبيرة المستقلة المعنية بالحقوق الثقافية وفريق العمل المعني بحقوق المرأة بين القانون والممارسة) يعتبر إجراءات إيجابية وتدابير الثقة في مصداقية المغرب لتعزيز حظوظه في الحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان الذي يضم 47 دولة.

§ بعد، "مانديز"، سوف يوضع ملف حقوق الإنسان بالمغرب بيد المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان عوض وزارة العدل والحريات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين