البيعة والمسألة الدستورية بالمغرب


البيعة والمسألة الدستورية بالمغرب



عزيز إدمين: باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري





شكل انتقال الحكم من الملك الراحل الحسن الثاني إلى الملك الحالي محمد السادس حدثا بارزا، باعتبار لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي يتم انتقال الحكم من خلال عملية الاستخلاف وفي نفس الوقت من خلال مؤسسة دستورية هي ولاية العهد المنصوص عليها في الفصل 20 من الدستور المغربي لسنة 1996. مما طرح إشكالية مهمة حول دستورية البيعة، هل هي مؤسسة لنظام الحكم أم أنها مكملة له؟

نجد جواب لهذا السؤال من خلال اتجاهين، الأول يقر بوجود قانون دستوري مغربي مرتبط بتاريخه القديم وبالتالي فالبيعة مدسترة بشكل تلقائي، والآخر منكر لوجوده، ومع دستور 1962 وقعت قطيعة مع الأعراف والتقاليد والأنظمة المؤطر لنظام الحكم السابق.

دستورية البيعة

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التقليد في الفصل 20 من الدستور المغربي لسنة 1996، حاضر بقوة سواء بقواعده الشخصية أو التقليدية أو السلوكية.... ومن خلالها يكون انتقال الحكم في المغرب انتقال بيولوجي واستمرار لعراقة التقليد والبنيات المجتمعية، فهو انتقال مرتبط بالتمثلات الذهنية "للرعية" حول الإيالة الشريفة بكل ما يحمل الاستخلاف من موروثات وتأويلات دستورية ووظائف تقليدية وأدوار دينية.

وبالتالي فالاستخلاف الذي نجده في الوثيقة الدستورية، حسب أصحاب هذا الرأي، لا يؤدي إلى خلخلة أو أزمة في قواعد اللعبة السياسية، رغم أنه تغيير على مستوى قمة الهرم المغربي إلا أنه منصوص عليه في الدستور كأحد مقومات القواعد السياسية، فالوثيقة الدستورية لا تنص سوى على شخص حامل للتمثلات الرمزية والأبوية والراعي، أما فيما يخص استمرار المؤسسات فإنها تقرأ من خارج الوثيقة الدستورية أي في الأعراف الدستورية ذات الحمولة الدينية والتاريخية.

وانتقال الملك إلى الملك محمد السادس تم بناء على الفصل 20 من الدستور لسنة 1996 في إطار ولاية العهد وبالإضافة إلى التشبث بالبيعة المستنبطة من حقل إمارة المؤمنين في الفصل 19، ويجيب أصحاب هذا الرأي بأنه إذا كان دعاة التحديث يعتبرون أنه كان بالإمكان الانتقال السلمي للسلطة بناء على الفصل 20 دون الحاجة إلى المرور للبيعة الغير المدسترة صراحة في الدستور فإن فهمهم يرتكز على القراءة القانونية السطحية دون فهم ميكانيزمات التقليدية لدور البيعة كقواعد عرفية فوق القواعد الدستورية المكتوبة بناء على حقل إمارة المؤمنين. فولاية العهد تبعا لذلك وحدها غير قادرة على منح الشرعية لانتقال الملك دون اللجوء للبيعة التي تعتبر عقد بين الراعي والرعية المكرسة في المجال الاجتماعي. وأن عقد البيعة كعقد بين طرفين لا يحيل على وجود مشروع مجتمعي متوافق أو متعاقد حوله جديد وإنما يمثل آليات التقاليد المكرسة عرفيا في إطار الاستمرارية دون القطيعة الماضي، وضمن تكريس الموروث التقليدي الضمني والدستور المشبع بالتأويلات الشخصانية.

لا دستورية البيعة

ويمثل أصحاب هذا التيار المنكرين لوجود قانون دستوري مغربي، وبالتالي لا يمكن وقوع تعايش بين هاتين الآليتين يسمح بالقول بأنه الجمع بين التقليد والتحديث في الدستور المغربي خاصة استخلاف محمد السادس حيث نجد في وثيقة البيعة فاعلين جدد بطقس البيعة؟ بمعنى أن الدستور المغربي مختلط بين التقليد والعصرنة؟ خاطئ.

ويطرح أصحاب هذا الرأي سؤال ماذا لو لم تتم عملية البيعة عند تولي محمد السادس الحكم؟ ماذا كان سيقع؟ يجيبون: لا شيء.

فالنظام الدستوري المغربي قائم حسب هذا التصور على مرجعية غربية مبنية على تجاهل مصادره المغربية العربية الإسلامية واعتباره مجرد استنتاج للتجربة الأوروبيةالغربية الدستورية، ولدستور الجمهورية الخامسة الفرنسية بالأخص.

ينطلق هذا الخطاب تجاهله للجذور والأعماق الإسلامية والمغربية للدستور المغربي الذي يعلق على دستور 1962 ديفرجيه في كتابه "دستوري مغربي جديد" بأن "الإمبراطورية الشريفة العتيقة المشحونة بالتاريخ اجتازت مرحلة جديدة في وجودها لا تقل عن استرجاع الاستقلال لدى عودة سلطانه المبجل محمد الخامس حيث الدستور الذي قرره الحسن الثاني يشكل قطيعة مدوية مع الماضي السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل والنفسي للمغرب القديم.

ومنهم من يرى أن الدستور المغربي من خلال عملية الاستفتاء بالتصويت على نص كان بهدف تعويض القواعد المكتوبة أو غير المكتوبة والتي كانت تحدد منذ قرون العلاقة بين الحاكم والمحكوم ( الراعي والرعية). ويرى آخرون أن الدستور المغربي قد مزج بين تقنيات الملكيات الأوروبية للقرن 19 مع تقنيات دستور الجمهورية الخامسة وأنه أقام دغولية وراثية برلمانية أورليانية مبنية على تقليص مجال القانون ومنح رئيس الدولة سلطة واسعة.

كما يرى الأستاذ عبد القادر القادري في كتابه "المؤسسات السياسية" يمثل نموذج البرلمانية المعقلنة الدغولية (نسبة إلى دغول)، وان مصادر الدستور المغربي تستمد مرجعياتها من: النظام البرلماني في أواخر القرن 18 و19 والجمهورية الفرنسية الخامسة الذي يعتبر أهم مرجع وأخيرا دستور الجمهورية الملغاشية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين