عن الثورة والبقية...لا تقودوا الناس قسرا نحو السعادة


عن الثورة والبقية...لا تقودوا الناس قسرا نحو الساعة

التحولات التي تعرفها المنطقة والتي انطلقت من تونس، تعبر عن وجود احتقان كبير لدى شعوب المنطقة من السياسات التي نهجتها الأنظمة العربية على مدى عقود من الزمن، ركزت أساسا على احتقار العقل الانسان العربي خاصة والعقل الإنساني الذي ينتمي للمنطقة كافة، فهذا الاستبلاد كرس نوع من ثقافة استعذاب الاستعباد للحكام، حتى أن بعض المنضرين الغربيين حكموا على ما تعيشها المنطقة من الاستبداد قدرا محتوم على الشعوب ولا يمكن الانتقال نحو الديمقراطية إلا بمعجزة أو بإرادة مطلقة للحاكم في التنحي عن الكرسي.

لكن ما لا يمكن نكرانه هو أن الانتفاضات والثورات تتدحرج مثل كرة الثلج، والخنوع والخضوع لا يمثل استسلاما مطلقا بقدر ما هو سبات ينتظر لحظة توفر الشروط وخاصة الموضوعية منها للانتفاض ضد القهر والظلم والذل والهوان.

إذا كانت أدبيات العلوم السياسية وخاصة منها في الشق المتعلق بالانتقالوجية يبحث دائما عن المتغير المستقل القادر على تحريك المتغيرات الأخرى التابعة وخاصة منها الديمقراطية والحرية والكرامة، قد ركزت على شتى محددات منها أساسا وجود طبقة متوسطة ومجتمع مدني وارتفاع مستوى التعليم، أو متغير اقتصادي يرتكز على نمو اقتصادي يفرض شروط على المحدد السياسي، إلا أن الأحداث الأخيرة بينت أن البراديغمات لا يمكن اجترارها دائما لمجتمعات تختلف تاريخيا وسياسيا واجتماعيا، بل أن المجتمعات هي التي تنتج مثل هاته النماذج الإرشادية وفق الشروط المادية التي تعيشها.

لكن يمكن الخروج ببعض الملاحظات الأساسية:

أن الحركات الاحتجاجية ذات صبغة شبابية بامتياز بمعنى جيل جديد من الاحتجاجات وازاه جيل جديد من الميكانيزمات الاحتجاج منها الفسيبوك والتويتر واليوتوب وغيرها، مما يعني أن الأجيال القديمة غير قادرة على تطوير ذاتها سواء كانت أنتلجانسية أو نخبة سياسية؛

الملاحظة الثانية: أن الحركات الاحتجاجية غير مؤطرة من قبل التنظيمات الكلاسيكية من قبيل الأحزاب والنقابات بل، العكس أنها تطعن في مثل هاته الوسائط، ويبقى الصراع أو التفاوض بين الدولة والمجتمع، متجاوزا شيئا يسمى التنظيمات السياسية؛

الملاحظة الثالثة، أن هذه الاحتجاجات تكمن قوتها في أنها لا تشتغل وفق أجندة محددة أو إستراتيجية معينة بل وفق تكتيكات تنتج ذاتيا مطالبها حيث من داخلها يبرز تفرز مطالب لم تكن معلنة مسبقا، فقد تنطلق بمطلب السكن أو الشغل وتصل إلى مطلب تغيير الحاكم أو إسقاط النظام؛

من خلال هذه الملاحظات يطرح سؤال حول موقع المغرب في هذه الموجة أو هذا المخاض؟ بمعنى أخر، هل هو مستثنى مما يقع؟

يصعب التكهن حول الحركات الاحتجاجية العفوية والغير مؤطرة، بأجندة زمنية محددة، مما يزكي احتمال وقع أو عدم وقع انتفاضات في المغرب، فكل السيناريوهات متشعبة ومحبوكة، وغير واضحة تماما لأي متتبع.

إلا أن هذا لا يعني تنامي مطالب رئيسية لدى فئة محددة من الشباب التي أصبحت ترفع لشعارات قديمة ولكن بلباس وبمطالب جديدة، وعلى رأسيها:

إقرار بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، باعتبارها الحل الوحيد للمعادلة التي تجمع بين الملكية الوراثية و النظام الديمقراطي المبني على صناديق الاقتراع، فلا ديمقراطي بدون إشراك الشعب في تدبير شؤونه، ما أنه لا استقرار بدون وجود هوية يلتحم حولها الشعب والمتمثل في رمزية المؤسسة الملكية؛

من بين المطالب أيضا، الإقرار بالحرية السياسية والمدنية، والقصد هنا ليس تمتيع الأحزاب بفضاء هامشي من أجل المبادرة أو المشاركة في الانتخابات، بل بالمساواة بين جميع الأحزاب، أي لا وجود لحزب الدولة ونظام قائم على الحرية، فحزب الدولة الذي يستفيد من رأسمال رمزي عامله الأساسي فؤاد عالي الهمة كصديق الملك، يحيط بحزب التراكتور نوع الهالة والقداسة والتبجيل من قبل الأعيان ككائنات سياسية انتخابة ومجموعة من المواطنين المقهورين الذين أصبحوا يرون في كل سراب بصيص أمل.

أما المجتمع المغلوب على أمره فهو قد باع أثاثه وزاده ومؤنه بل وحتى ملابسه الداخلية من أجل لقمة العيش الحارة، باستثناء شيء واحد بقي متشبثا ومتعلقا به، وهو كرامته، كرامته كإنسان وكرامته ككائن بشري يعي ويستوعب ما يختلج في دواليب وكواليس الأنظمة الاستبدادية، لذا فهو يطالب ليس بإرجاع كرامته لأنها مصونة من قبله ولم يتخلى عنها بعد ولكن يطالب باحترامها والاعتراف بيها من قبل صناع القرار الذي لا يرون في المواطن المغربي سوى رعية مسلوب الإرادة والتفكير بل إنه إنسان مخنوع ومخضوع، مما يجعل الحكام يرفعون شعار نحن أوصياء على الشعب ونقود الناس قسرا نحو السعادة الأبدية. مطلب الكرامة يرتكز أساس على أن لا وصاية على الشعب والشعب هو من يقرر اختياراته ولا يمكن أن يساق كقطيع غنم نحو السعادة بل هو صانع هاته السعادة.

هذه ببساطة جدا مطالب الحركات الاحتجاجية فهل يا ترى حكامنا يستوعبونها؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين