حوار مع ضريف... الدستور الحالي مكمل لتقاليد البيعة
الدستور الحالي مكمل لتقاليد البيعة
محمد ضريف متخصص في الشؤون الاسلامية
عزيز إدمين: ما مدى تعايش البيعة مع الفصل 20 من الدستور المغربي المتعلق بولاية العهد خاصة مع تجربة استخلاف محمد السادس؟
محمد ضريف: لأول مرة يقع انتقال العرش على ضوء وجود دستور مكتوب، فكما هو معروف المغرب لم يكن يتوفر على دستور مكتوب، وبالتالي بعد وفاة الملك محمد الخامس لم يكن هناك نص دستوري ينظم انتقال الحكم، وتولي الملك الحسن للعرش تم بناء على ولاية العهد، فاعتلى العرش بناء على البيعة.
وبعد ذلك اعتمد أول دستور بالمغرب هو دستور 1962، بمعنى يمكن القول انه لأول مرة كان هناك انتقال للعرش بعد وفاة الحسن الثاني في 29 يوليوز1999، انتقال ينظمه الدستور وهو شيء يحدث لأول مرة. وبالنسبة للبيعة لم تشكل شيئا جديدا فهي الوسيلة التي من خلالها اعتلى بها كل سلاطين وملوك الدولة العلوية العرش، لكن هناك أشياء جديدة ربما رافقت أو تميزت بها هذه البيعة التي تلقاها الملك محمد السادس.
س: السؤال الآن هو هل البيعة مؤسسة لنظام الحكم بالمغرب أم مكمل للنص الدستور؟
ج: النص الدستوري هو المكمل لتقاليد البيعة، يلاحظ انه بمجرد وفاة ملك تتم بيعة ولي عهده في نفس اليوم، فيوم وفاة الملك الراحل الحسن الثاني تلقى محمد السادس البيعة في نفس اليوم، في حين أن الجلوس على العرش إلا بعد أول جمعة من وفاة الملك السابق.
س: في حالة لو لم تتم البيعة هل يمكن الحديث عن أزمة سياسية بالمغرب؟
ج: لا يمكن أن تكون هناك أزمة، لوجود معطيان يؤطران مسألة انتقال الحكم، هناك نص دستوري متمثل في انتقال الحكم في المغرب فهو ينظم مسألة ولاية العهد بشكل واضح، وبالإضافة إلى ذلك هناك معطى آخر متمثل في التقاليد المرتبكة بالبيعة وطقوسها، وهذا البيعة في مضمونها أقوى من المقتضيات الموجودة في الدستور.
س: في قراءة لمضمون البيعة فهو يعطي حقوق للملك ولا يترتب عنه أية واجبات تجاه الرعية؟
ج: البيعة هي نوع من التعاقد بين الملك كأمير للمؤمنين والأمة بمضمون سياسي وديني، وبالتالي فبمقتضى عقد البيعة يبادر أهل الحل والعقد إلى مبايعة الملك الجديد على أساس القيام بواجباته كأمير للمؤمنين والحفاظ على استمرارية الدولة ووحدتها، فالحديث عن البيعة يقتضي التمييز بين شيئين: أولا هناك بيعة الانعقاد أو الخاصة والتي يؤديها أهل الحل والعقد أي النخبة العسكرية والسياسية والعلماء، و هم قلة، وبعدها تأتي بيعة الانقياد أو العامة حيث الأمة تبايع الملك الجديد كملك للبلاد، ونلاحظ في المغرب بأن الملك الجديد بمجرد ما يتلقى البيعة الخاصة ينظم جولات بمدن المغرب، بحيث يخرج الناس لاستقباله، ويعتبر هذا الخروج للناس بمثابة بيعة عامة.
لذلك فهنا في المغرب عند الحديث عن البيعة من جهة والدستور من جهة أخرى، ينبغي أن نلاحظ أن هناك تكاملا بين الأمرين، بمعنى آخر أن الفصل 19 الذي يعتبر الملك أمير المؤمنين، فضمنيا إمارة المؤمنين تحيل على البيعة حتى ولو لم ينص عليها الفصل صراحة، ولو لم يقر الدستور بطقوسها ورموزها.
س: تحدثتم عن البيعة الخاصة، لأول مرة نجد فاعلين جدد مثل النساء وزعماء الأحزاب السياسية توقع على صك البيعة، ما هي الإشارة التي كان يريد الملك الجديد إرسالها؟
ج: ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي وصل إليه المغرب، فلا ننسى ا ناخر بيعة قبل بيعة الحسن الثاني كانت سنة 1961، أكيد أن المغرب في تلك الفترة كان حديث العهد بالاستقلال، وكانت هناك تقاليد ووضع اجتماعي لا يمكن قياسه على الوضع الحالي، فلا ننسى أن بداية التسعينيات دخلت المرأة إلى البرلمان، ونساء وزيرات... فبعد وفاة الحسن الثاني وتولي خلفه محمد السادس العرش، كان لابد في طقوس البيعة أن تعكس كل هاته التطورات، لذلك كون مجموع من الفاعلين الجدد الذين ادمجوا في التوقيع على عقد البيعة لأنه منذ البداية كانت هناك إرادة للملك الجديد، أن تعكس هذا التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
س: الحديث عن البيعة في ضل القرن 21 ألا يشكل عائق أمام الانتقال الديمقراطي القائم على أسس عقلانية ومؤسساتية؟
ج: طبعا عند الحديث عن بعض القضايا في النظام السياسي المغربي، ينبغي دائما وضعها في سياقها، علينا أن نتذكر خطاب العرش للملك محمد السادس في يوليوز 2003، حيث تحدث عن مرجعيات المؤسسة الملكية في المغرب، وحددها في مرجعيتين أساسيتين، الإسلام والديمقراطية، وعندما نقول الديمقراطية نقول الحداثة والعقلانية... بمعنى آخر انه في النظام السياسي المغربي المؤسسة الملكية لا ترى تناقضا أن ينخرط المغرب في مسلسل الحداثة والديمقراطية والعقلانية وفي نفس الوقت الحفاظ على القيم التي تميز المجتمع المغربي، باعتباره مجتمع ذا ثقافة إسلامية وان الدولة هي دولة إسلامية حسب الدستور، وان الملك هو أمير المؤمنين، أي انه بالنسبة للمؤسسة الملكية وللكثير من المدافعين عن هذه السياسة أن نجمع بين ما يسمى بالأصالة التي تشكل خصوصيات المجتمع المغربي، وبين الحداثة.
وبالتالي لا يمكن اعتبار أن البيعة المبنية على مشروعية مستمدة من التاريخ ومن الدين، تتناقض مع مشروعية أخرى يمكن أن تتأسس وتستند على الديمقراطية وعلى اختيارات الشعب.
تعليقات