العدالة المناخية والعدالة الاجتماعية
يحتضن المغرب في شهر نونبر من هذه السنة مؤتمر الدول الاطراف في اتفاقية الأمم المتحدة حول التغييرات المناخية "كوب 22".
ويطرح السؤال هنا حول علاقة التغييرات المناخية وأسبابها وآثارها على المنظومة العالمية لحقوق الانسان؟
بالعودة إلى مسار تطور منظومة حقوق الانسان يلاحظ هيمنة مطالب الحقوق المدنية والسياسية، على مطالب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لعدة أسباب.
على المستوى الوطني، فصدورالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين كشرعة دولية، التي تعتبربمثابة دستور باقي الاتفاقيات والمعاهدات البروتوكولات الدولية، صادفخروج مجموعة من الدول من مرحلة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية، فكان طبيعيا أن تكون هناك اصطدامات بين السلطة الحاكمة والمعارضة، حيث تجلى ذلك في الاعتقال السياسي والاعدامات خارج القانون والاختفاء القسري ومنع الحق في التجمع والتنظيم والحق في التعبير وغيرها من الانتهاكات التي مارستها السلطات الحاكمة ضد كل مخالف لمشروعها السياسي.
على المستوى الدولي، فإن الثنائية القطبية بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والتي كانت تدافع عن العهد الدولي الخاصبالحقوق المدنية والسياسية، (لما لهذه الوثيقة من نفحات ليبيرالية) ، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي كان يدافع عن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (لما له من نفحات اشتراكية)، كان لها تأثير على إعمال القانون الدولي لحقوق الانسان وترتيب أولياته والأجندات الدولية والإقليمية والوطنية.
في العشرية الأولى من هذا القرن، برزت دعوات متعددة من قبل العديد من الفرق الأممية أوال منظمات غير الحكوميةالوطنية والدولية، تطالب بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي زخم هذه المطالب ظهر جيل جديد من الحقوق يتعلق بالحق في البيئة والتنمية المستدامة ... وهي حقوق تتميز بخصائص جديدة لم يتعرف عليها المنتظم الدولي سابقا، وأساسها أنها حقوق تتجاوز كلالحدود باعتبارها حقوقافوق وطنية، ومسؤولية تحقيقها لا تقع على الدولة الوطنية فقط وإنما على المنتظم الدولي كافة.
لقدأصبحت الأمم المتحدة واعية لما لهذه الحقوق من أهمية قصوى، وأنها ليست مجرد ترف فكري أو حاجة كمالية، إنما حاجة ملحة. وفي هذا الصدد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2008 قرارا تحت رقم 23/7 ينبه إلى تأثير التغييرات المناخية وتهديدها الفوري والبعيد على التمتع بالحقوق الأساسية وعلى بقاء بعض الشعوب، فطلب من المفوضية السامية إعداد تقرير بخصوص هذا الموضوع، وتلا هذا القرار، قرارات أخرى (10/4) سنة 2009، (18/22) سنة 2011، (26/27) سنة 2014، (29/15) سنة 2015، وكلها قرارات تتقاسم موضوع انعكاسات التغييرات المناخية على حقوق الانسان، وضرورة التضامن الدولي وسن سياسات دولية ووطنية في هذا المجال.
وتتجلى أهمية هذا التقرير في أنه أدى بالمنتظم الدولي إلى إيلاء أهمية كبرى للتغييرات المناخية على مستويين:
المستوى الأول: من خلال إنشاء إجراء خاص تابع لمجلس حقوق الانسان وهو الخبير المستقل المعني بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة سنة 2012، وإحلال المقرر الخاص المعني بإدارة النفايات الخطيرة، محل المقرر المعني بنقل المواد الخطيرة، وإضافة مسألة حماية المدافعين عن حقوق الانسان في مجال البيئة إلى ولايته سنة 2012.
المستوى الثاني: يتجلى في كون مجموعة من الآليات التعاهدية ونظام الاجراءات الخاصة أسسوا للعلاقة بين الحقوق التي تعنى بتتبعها وتأثير التغييرات المناخية عليها.
1. الحق في الحياة:
ربطت لجنة حقوق الطفل في تقريرها السنوي سنة 2013 بين وفيات الأطفال أثناء الولادة والتغيرات المناخية، حيث أن 120 طفلا يموتون سنويا بسبب التغييرات المناخية، كما أن تقرير المفوضية السامية لحقوق الانسان تحدث عن وفاة 262 مليون شخص بين سنتي 2000 و2004 بسبب الاعاصير والفيضانات؛
2. الحق في الغداء الكافي:
فسرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المادة 11 من العهد الدولي الثاني التي تتحدث عن الحق في التحرر من الجوع، بأنه أصبح مستهدفا بسبب التغييرات المناخية، وقال المقرر المعني بالحق في الغداء أن 600مليون إنسان يعانون من الجوع وانعدام الامن الغذائي بسبب التغييرات المناخية؛
3. الحق في الصحة:
تناول المقرر المعني بالصحة مسألة التغييرات المناخية حيث حذر المنتظم الدولي أن هذه التغيرات ستؤدي إلى انتشار الأمراض القلبية والاسهال والأمراض المعدية.
4. الحق في السكن اللائق:
تطرق المقرر المعني بالحق في السكن اللائق في تقريرهالسنوي سنة 2012، إلى تأثير التغييرات المناخية، من خلال الإشارة إلى ضرورة القضاء على السكن المتواجدعلى السواحل البحرية بسبب ارتفاع مستوى البحر، كما نبه إلى تأثير هذه التغييرات في تفشي الهجرة من الأرياف إلى المدن وما يرتبط بذلك من انتشار أحياء الصفيح في غياب منازل تستوعب هذه الهجرة.
5. الحق في الماء:
تحدثت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن سدس سكان العالم محرومون من الماء الكافي، وأن حياتهم وصحتهم مهددة.
كما نبه المنتظم الدولي إلى أن الفئات الأكثر تضررا من هذه التحولات المناخية هم: النساء، الأطفال، الاشخاص في وضعية إعاقة، المهاجرون، الأشخاص المسنون.
من خلال ما سبق، يتضح أن التمتع بالجيل الجديد من الحقوق ليس ترفا وإنما ضرورة حتمية، وأن الإنتاج التشريعي على المستوى الدولي قد أخذ يؤسس لعلاقة عضوية بين التغييرات المناخية والتمتع بالحقوق الأساسية، وأنشأ لذلك ترسانة من الآليات الأممية من أجل تتبع وتوجيه الدول للإخراط في الحد من المخاطر التي تحدق بالبشرية.
إن لحركة الحقوقية الوطنية ولاسيما منها المغربية، مطالبة بإبداع آليات جديدة لمواكبة هذه التحولات على مستوى منظومة حقوق الإنسان، واعتبار العدالة المناخية مدخلا لتحقيق كافة أسس العدالة الاجتماعية بما فيهاالتمتع بالحقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويطرح السؤال هنا حول علاقة التغييرات المناخية وأسبابها وآثارها على المنظومة العالمية لحقوق الانسان؟
بالعودة إلى مسار تطور منظومة حقوق الانسان يلاحظ هيمنة مطالب الحقوق المدنية والسياسية، على مطالب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لعدة أسباب.
على المستوى الوطني، فصدورالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين كشرعة دولية، التي تعتبربمثابة دستور باقي الاتفاقيات والمعاهدات البروتوكولات الدولية، صادفخروج مجموعة من الدول من مرحلة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية، فكان طبيعيا أن تكون هناك اصطدامات بين السلطة الحاكمة والمعارضة، حيث تجلى ذلك في الاعتقال السياسي والاعدامات خارج القانون والاختفاء القسري ومنع الحق في التجمع والتنظيم والحق في التعبير وغيرها من الانتهاكات التي مارستها السلطات الحاكمة ضد كل مخالف لمشروعها السياسي.
على المستوى الدولي، فإن الثنائية القطبية بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والتي كانت تدافع عن العهد الدولي الخاصبالحقوق المدنية والسياسية، (لما لهذه الوثيقة من نفحات ليبيرالية) ، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي كان يدافع عن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (لما له من نفحات اشتراكية)، كان لها تأثير على إعمال القانون الدولي لحقوق الانسان وترتيب أولياته والأجندات الدولية والإقليمية والوطنية.
في العشرية الأولى من هذا القرن، برزت دعوات متعددة من قبل العديد من الفرق الأممية أوال منظمات غير الحكوميةالوطنية والدولية، تطالب بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي زخم هذه المطالب ظهر جيل جديد من الحقوق يتعلق بالحق في البيئة والتنمية المستدامة ... وهي حقوق تتميز بخصائص جديدة لم يتعرف عليها المنتظم الدولي سابقا، وأساسها أنها حقوق تتجاوز كلالحدود باعتبارها حقوقافوق وطنية، ومسؤولية تحقيقها لا تقع على الدولة الوطنية فقط وإنما على المنتظم الدولي كافة.
لقدأصبحت الأمم المتحدة واعية لما لهذه الحقوق من أهمية قصوى، وأنها ليست مجرد ترف فكري أو حاجة كمالية، إنما حاجة ملحة. وفي هذا الصدد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2008 قرارا تحت رقم 23/7 ينبه إلى تأثير التغييرات المناخية وتهديدها الفوري والبعيد على التمتع بالحقوق الأساسية وعلى بقاء بعض الشعوب، فطلب من المفوضية السامية إعداد تقرير بخصوص هذا الموضوع، وتلا هذا القرار، قرارات أخرى (10/4) سنة 2009، (18/22) سنة 2011، (26/27) سنة 2014، (29/15) سنة 2015، وكلها قرارات تتقاسم موضوع انعكاسات التغييرات المناخية على حقوق الانسان، وضرورة التضامن الدولي وسن سياسات دولية ووطنية في هذا المجال.
يتضح أن التمتع بالجيل الجديد من الحقوق ليس ترفا وإنما ضرورة حتمية، وأن الإنتاج التشريعي على المستوى الدولي قد أخذ يؤسس لعلاقة عضوية بين التغييرات المناخية والتمتع بالحقوق الأساسية
بالعودة إلى التقرير الصادر عن المفوضية السالفة الذكر، والتي انطلقت من عمل مجموعة العمل الحكومية وتقاريرها الخمسة من سنة 1990 إلى سنة 2008، فإنه يشير إلى أن المخاطر الناتجة عن التغييرات المناخية تؤدي إلى ظهور تقلص الجليد وارتفاع مستوى البحر ودرجة حرارة مياهه، والزيادة في معدل درجات الحرارة القصوى، واشتداد الاعاصير المداريةبشكل كبير، وهي عوامل مناخية تؤثر بشكل مباشر على خمسة حقوق أساسية وهي: الحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في السكن اللائق، والحق في الغداء الكافي والحق في الماء.وتتجلى أهمية هذا التقرير في أنه أدى بالمنتظم الدولي إلى إيلاء أهمية كبرى للتغييرات المناخية على مستويين:
المستوى الأول: من خلال إنشاء إجراء خاص تابع لمجلس حقوق الانسان وهو الخبير المستقل المعني بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة سنة 2012، وإحلال المقرر الخاص المعني بإدارة النفايات الخطيرة، محل المقرر المعني بنقل المواد الخطيرة، وإضافة مسألة حماية المدافعين عن حقوق الانسان في مجال البيئة إلى ولايته سنة 2012.
المستوى الثاني: يتجلى في كون مجموعة من الآليات التعاهدية ونظام الاجراءات الخاصة أسسوا للعلاقة بين الحقوق التي تعنى بتتبعها وتأثير التغييرات المناخية عليها.
1. الحق في الحياة:
ربطت لجنة حقوق الطفل في تقريرها السنوي سنة 2013 بين وفيات الأطفال أثناء الولادة والتغيرات المناخية، حيث أن 120 طفلا يموتون سنويا بسبب التغييرات المناخية، كما أن تقرير المفوضية السامية لحقوق الانسان تحدث عن وفاة 262 مليون شخص بين سنتي 2000 و2004 بسبب الاعاصير والفيضانات؛
2. الحق في الغداء الكافي:
فسرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المادة 11 من العهد الدولي الثاني التي تتحدث عن الحق في التحرر من الجوع، بأنه أصبح مستهدفا بسبب التغييرات المناخية، وقال المقرر المعني بالحق في الغداء أن 600مليون إنسان يعانون من الجوع وانعدام الامن الغذائي بسبب التغييرات المناخية؛
3. الحق في الصحة:
تناول المقرر المعني بالصحة مسألة التغييرات المناخية حيث حذر المنتظم الدولي أن هذه التغيرات ستؤدي إلى انتشار الأمراض القلبية والاسهال والأمراض المعدية.
4. الحق في السكن اللائق:
تطرق المقرر المعني بالحق في السكن اللائق في تقريرهالسنوي سنة 2012، إلى تأثير التغييرات المناخية، من خلال الإشارة إلى ضرورة القضاء على السكن المتواجدعلى السواحل البحرية بسبب ارتفاع مستوى البحر، كما نبه إلى تأثير هذه التغييرات في تفشي الهجرة من الأرياف إلى المدن وما يرتبط بذلك من انتشار أحياء الصفيح في غياب منازل تستوعب هذه الهجرة.
5. الحق في الماء:
تحدثت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن سدس سكان العالم محرومون من الماء الكافي، وأن حياتهم وصحتهم مهددة.
كما نبه المنتظم الدولي إلى أن الفئات الأكثر تضررا من هذه التحولات المناخية هم: النساء، الأطفال، الاشخاص في وضعية إعاقة، المهاجرون، الأشخاص المسنون.
من خلال ما سبق، يتضح أن التمتع بالجيل الجديد من الحقوق ليس ترفا وإنما ضرورة حتمية، وأن الإنتاج التشريعي على المستوى الدولي قد أخذ يؤسس لعلاقة عضوية بين التغييرات المناخية والتمتع بالحقوق الأساسية، وأنشأ لذلك ترسانة من الآليات الأممية من أجل تتبع وتوجيه الدول للإخراط في الحد من المخاطر التي تحدق بالبشرية.
إن لحركة الحقوقية الوطنية ولاسيما منها المغربية، مطالبة بإبداع آليات جديدة لمواكبة هذه التحولات على مستوى منظومة حقوق الإنسان، واعتبار العدالة المناخية مدخلا لتحقيق كافة أسس العدالة الاجتماعية بما فيهاالتمتع بالحقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تعليقات