"كوطا" الشباب أو الخيار الديمقراطي

"كوطا" الشباب أو الخيار الديمقراطي

أثار استعمال عبارة "إمارة المؤمنين" من قبل الملك الراحل الحسن الثاني أو بعده الملك محمد السادس، الكثير من النقاشات السياسية والدستورية، ولاسيما بعد أن أصبح هذا الحقل، منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، ينتج مجموعة من مؤسسات حقوق الإنسان والحكامة (المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ديوان المظالم ...)، أو ينتج تشريعات ذات نفحات ليبيرالية، خاصة مدونة الاسرة وغيرها. فقد ركز النقاش أساسا على كون هذه الإجراءات تدعم مسار تطوير منظومة الحريات والحقوق، إلا أن الغائب آنذاك كان هو تكلفة هيمنة "إمارة المؤمنين" على المجال السياسي، وتعطيلها لبناء أسس ومقومات الديمقراطية في بلادنا، لأن مثل هذه المبادرات كانت تضعف من عمل الحكومة والبرلمان.
ذكرنا بهذا النقاش السابق لدستور 2011، -هذا الأخير حصر تدخل إمارة المؤمنين في المجال الديني وفق الفصل 41 منه- في سياق النقاش الدائرة حول "اللائحة الوطنية للشباب".
بداية، يتشكل المدافعون على ضرورة الابقاء على هذا "التمييز" العمري لصالح الشباب، من الشبيبات الحزبية التي تعتبره مكسبا شبابيا. وينطلقون من دفاعهم على الإبقاء على هذا المطلب من الفصل 33 من الدستور الذي يسمح بمثل هذا الاجراء، ويقارنونه ب"الكوطا" المخصصة للنساء.
إن اللائحة الوطنية للشباب الذكور، لم تكن يوما مكسبا شبابيا، على اعتبار أنه لا وجود لأية وثيقة (سواء كانت مذكرة أو تقريرا أو رسالة أو أي مبادرة مهما كانت)، قدمها فاعل شبابي مدني أو سياسي قبل سنة 2011، طالب من خلالها بهذا التدبير الاستثنائي، وفي أعراف المرافعة والدفاع عن المكتسبات، يجب أن يكون للمكتسب حامل شرعي يدافع عنه، في حين أن "كوطا" الشباب هي "منحة" قدمتها الدولة بإرادتها المنفردة في سياق سياسي واجتماعي معين. وبما أن هذا التدبير "التمييزي السلبي" لم يؤدي إلى مبتغياته السياسية الخفية أو الظاهرة منه، فإن الدولة هي صاحبة الإرادة المنفردة لتعيد التفكير مرة أخرى في إمكانية إلغائها أو الإبقاء عليها، ولاسيما أن قرارات المجلس الدستوري أباحت لها ذلك، باعتبار "كوطا الشباب" استثنائية ومؤقتة.
أما فيما يتعلق بالمحاكاة بين كوطا الشباب وكوطا النساء، فلا مجال للمقارنة مع وجود فارق، فالحركة النسائية ناضلت من أجل تحقيق مجموعة من المكتسبات منذ بداية التسعينات، من خلال إقدامها على توقيع "الوثيقة المليونية" من أجل تعديل مدونة الأحوال الشخصية، مرورا بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ووصولا إلى اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، وأخيرا دسترة "التمييز الايجابي" لصالح النساء بناء على مقتضيات دستورية واضحة.
 وتستمد الحركة النسائية مشرووعية مطالبها أيضا من الاتفاقيات الدولية ولاسيما المادة 4 من اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي تدعو الدول إلى اتخاذ تدابير إجرائية وتشريعية مؤقتة من أجل وصول النساء لمراكز اتخاذ القرار.
إن وعي المنتظم الدولي والحركات النسائية بضرورة إدماج المرأة في صناعة القرار، يعود بالأساس إلى التمييز الاجتماعي والموروث الثقافي الذي تعاني منه المرأة داخل المجتمعات، لأسباب متعددة ثقافية وتاريخية، فهل يعاني الشباب من التمييز داخل المجتمع؟
إن اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري، لم تحدد السن كمعيار للتمييز، بل هناك معايير دقيقة ومباشرة.
إن الدعوة إلى الإبقاء على كوطا للشباب، كان بالأحرى أن يساير التحولات العالمية، لتشمل هذه الدعوة الاشخاص في وضعية إعاقة، الذين يعانون أنماط متعددة من التمييز منه التمييز المباشر والتمييز المركب  والتمييز الممتد، فالاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الاعاقة والتي صادق عليها المغرب تدعو في مادتها 5 -الفقرة 3 إلى ضرورة أن "تتخذ الدول الأطراف، سعيا لتعزيز المـساواة والقـضاء علـى التمييز، جميع الخطوات المناسبة لكفالة توافر الترتيبـات التيـسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة" وتضيف في نفس المادة -الفقرة 4 "لا تعتبــر التــدابير المحــددة الــضرورية للتعجيــل بالمــساواة الفعلية للأشخاص ذوي الإعاقة أو تحقيقها تمييزا بمقتضى أحكام هذه الاتفاقية".
بالعودة إلى تدعيم مسار بناء أسس الديمقراطية التمثيلية، فإن "كوطا" الشباب تعطل وتعرقل إعمال مبدأ الخيار الديمقراطي،  ولاسيما إعمال تصدير الدستور الذي أصبح جزءا لا يتجزأ منه، والذي يمنع جميع أشكال التمييز، فمتى كان هناك تمييز ضد الشباب داخل المجتمع المغربي؟
قد يعاني الشباب من إقصاء وتهميش داخل مؤسساتهم الحزبية، وبالتالي عليهم تحمل اختياراتهم السياسية والحزبية والعمل من دخل تلك المؤسسات من أجل فرض وجودهم وذلك بالقطع مع عقلية "الشيخ" و"الزعيم"، بغية تقوية مؤسسة الحزب التي هي عماد الديمقراطية وليس انتظار "هبة" أو "منة" أو "منحة" من الدولة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين