بيد "الملك"
بيد "الملك"
في رده على الانتقادات التي وجهها الأستاذ "حميد
شباط" أمين عام حزب "الاستقلال"، قال رئيس الحكومة الأستاذ "عبد
الاله بنكيران"، "أن رحيله بيد الملك وإن قال له ارحل سوف يرحل"،
هذا التصريح الذي أثار الكثير من النقد والنقاش، يطرح سؤال مركزي ماهية الحقل
السياسي بالمغرب بعد دستور 2011؟
ملاحظات أولية:
Ø أن "رحيل
الحكومة" بيد رئيسها إذا قدم استقالته وفقا للفصل 47 من دستور 2011، أي أن
"الرحيل الإرادي" بيد "بنكيران" نفسه، أوبناء على ملتمس رقابة
من مجلس النواب وفقا للفصل 105 أي "الرحيل القسري" بيد "ممثلي
الشعب" وليس بيد الشعب دستوريا؛
Ø إن الطريقة
التي تؤسس بها الطبقة السياسية مجالها السياسي في علاقتها بالسلطة، تترجم في بينة
النظام النظام السياسي وتموقعها داخل الهندسة السياسية، تؤثر حتما على بناء قواعد
اللعبة السياسية والحدود المسموحة بها وغير المسموحة بها؛
Ø إن مطالب
الطبقة السياسية والحكومة أيضا برهن صلاحياتها وحدودها بمجال السلطة، يتجاوز
اشكالية تدبير الشأن العام الى مستوى إنتاج دعامات وسندات البعد الفلسفي لاشكاليات
الدستور الجديد؛
Ø إن المزاوجة
بين تدبير الحكومة ولعب دور الضحية لا يمكن أن يتم إلا خارج النسق السياسي، ولن
يخلق إلا المزيد من تعقيد تحقيق "الخيار الديمقراطي" داخل الوثيقة الدستورية؛
Ø إن الرد الذي
تقدم به الاستاذ بنكيران، يعيدنا نوعا ما إلى ما قبل خطاب 9 مارس، لتنقيب عن حدود
وأبعاد "الميثاق السياسي" الجديد الذي تناوله الخطاب الملكي، وعن
"الاتفاقات الدستورية" المبرمة الى حدود اللحظة لتشكيلات الحقل السياسي؛
إذن بالعودة الى الموضوع والاجابة على التساؤول المقدم،
يفرض علينا تفكيك شفرات النظام المغربي، في محاولة لفهم الادوار التي يتطلع بها
حزب "العدالة والتنمية" من خلال مشاركته في الحكومة الحالية وقيادتها.
إن النسق السياسي المغربي كما لاحظ ذلك جون واتربوري
يتميز "بالجمود"،على الاقل في المستوى الظاهر، ولكن مع استخلاف الملك "محمد
السادس"، وما وقع من أحداث دموية ب 16 ماي، يمكن القول أن صرح المشروعية
الدينية والتقليدية تمت لملمته، مما حذا بالدولة الى التفكير بالانتقال من "الانزال
المكثف للمشروعية الدينية وطابعها التقليدي" على بينة نظام الحكم الى مستوى
أخر يتمثل أساس في تجديد المشروعية الدينية ( إصلاح الحقل الديني) وإدماج طابع
الخيار الديمقراطي، مع احتكار بشكل "مقدس" للرأسمال الرمزي الديني في
حقل "أمير المؤمنين".
وهكذا عرف المغرب إنتاج مجموعة من المؤسسات والتشريعات
والتدابير ذات الصلة بالحريات والحقوق والحكامة من داخل الحقل التقليدي والديني.
إن الظهور السريع لإخوان "بنكيران" باعتبارهم
حزب ذو مرجعية دينية، داخل عوالم السياسة، خلق توجس لدى النظام السياسي، ولعب
بأوراق متعددة للحد من المد "الزاحف" نحو الحكومة، سواء من خلال التضييق
الاعلامي أو السياسي وصولا الى تأسيس حزب سياسي مهمته الاولى والأخيرة وقف هذا
"الزحف".
ولكن ما لم يكن في الحسبان هو تأثير البعد الاجتماعي على
مسارات المعادلات السياسية، حيث بوأت الاحتجاجات التي عرفها المغرب سنة 2011،
مكانة متقدمة لحزب "العدالة والتنمية" وسمحت له بقيادة الحكومة الحالية.
فمنذ تولي الأستاذ "بنكيران" لرئاسة الحكومة
والى حدود الان، كانت مهمته الاساسية هي بعث برسائل الاطمئنان من أجل كسب ثقة
النظام فيه كمكون إسلامي لا يريد أن ينازع "احتكار" المجال الديني من
قبل "أمير المؤمنين" بل ودائما يقدم نفسه أنه من "أشرس"
المدافعين على هذا الاحتكار.
فهل يمكن تقييم التجربة الحالية في أبعادها السياسية وهي
لازالت قائمة؟ أكيد الجواب بالنفي، لكن يمكن تقديم ارتسامات وانطباعات، مستمدة من
تجربة حكومة التناوب 1998، ومن خلال خطاب 9 مارس ودستور 2011.
Ø إن ولوج إخوان
"بنكيران" الى المجال السياسي جاء من خلال "إجتهادات" النظام
المغربي بتمييزه بين الحركة الاسلامية الاصولية التي ترى فيه العودة الى الاصول من
القران والسنة، عن الحركة الاسلامية المتطرفة التي تدعو للعنف والتطرف، وهذه
الاخيرة منبوذة من قبل النظام ولا يمكن مواجتها إلا بمدخلين: مدخل الاسلاميين
المعتدلين (لا يمكن منازلة الاسلاميين إلا بالاسلاميين)، ومدخل إنتاج مشروعية
جديدة مستمدة من "الخيار الديمقراطي"؛
Ø وفي مقابل هذا
"الاجتهاد"، قدم إخوان "بنكيران" بنوع من "البراغماتية
السياسية" "اجتهادا" ينقلهم من منطق "الدعوي" الى منطق "السياسي"
( يمكن تقديم مثال مناقشة القروض الصغرى في حكومة الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي، حيث
ركز الانتقادات على الابعاد الاجتماعية وليس على مسألة "الربا")؛
Ø دعوات "بنكيران"
ورفاقه للخروج للاحتجاج للشارع، إذ فشل في معركة التدبير الحكومي، يعود الى منطق طبيعي
وهو دور "الضحية" التي تستنجد بالحركية السياسية في الشارع، بفعل فشل
المشروع المحافظ وعدم القدرة على امتحان المؤسسات.
Ø إن تناول
"خطاب 9 مارس" ل "تعاقد سياسي" جديد، يتجاوز حجمه حزب "بنكيران"،
فهو تعاقد بين الحاكم والمحكوم، هذا الاخير ليس ضروري أن يكون نسيج اجتماعي متجانس
أو تيارات سياسية متوافقة بل مفروض عليها أن تبقى متباينة ومتفرقة بل ومتنافرة،
باعتبار أن الحاكم هو الضامن الوحيد والممثل الوحيد لتلك "اللحمة"
و"إجماع الامة"، للاسف أن الاستاذ "بنكيران" فهم التدافع
والصراع بمنطق "الزاوية" والشيخ والمريد وبمنطق "الاب"
للعائلة الصغيرة والكبيرة (وهي مشروعية تقليدية مترسخة في بنية النظام المغربي) وليس
بمنطق "الليبرالية السياسة "كمدخل للخيار الديمقراطي ( وبناء المشروعية
الحداثية حسب ماكس فيبر)؛
Ø بخصوص مذكرة
الاستاذ "حميد شباط"، نرجع إلى مقولة ميشو بلير سنة 1909: "يحافظ
المخزن على الفوضى الاجتماعية لأجل مصالحه الخاصة، مثلما يقيم الحروب بين القبائل
وذلك لأجل تقوية موقعه كحكم"، فماذا إذا كانت هذه الفوضى سياسية وأن القبائل
أحزابا سياسية؟ إن مرجعية حزب "الاستقلال" تتقاطع في الكثير من النقط مع
مرجعية حزب "العدالة والتنمية"، ولكن يبقى فراغ قوي في حامل مشروع "الخيار
الديمقراطي"؛
إن "العرض الديني" المحدود الذي يقدمه حزب "العدالة
والتنمية" وفي حالة فشل "بنكيران" في المرحلة الحالية له وجهان:
وجه يقوي الجناح الاسلامي خارج النسق السياسي أي "العدل والاحسان"، ووجه
العودة الى "ما قبل 16 ماي" أمام غياب جبهة ديمقراطية حداثية.
إن هرولة الاستاذ "بنكيران" الى الامام بقوله
"أن رحيله بيد الملك"، تهدف إلى عزل "الملك" عن باقي الاحزاب الأخرى،
وتضع النظام ككل في قفص والاتهام تنتج من جديد آليات السلطوية المحافظة، وتجريد
دستور 2011 من طابع "الخيار الديمقراطي"، هذا الاخير الذي في أمس الحاجة
لحامله.
تعليقات