دفاعا عن الوطن
دفاعا عن الوطن
المجال السياسي غير محفظ، ولا يمكن الهيمنة عليه، إنها
إحدى الابجاديات في عالم السياسة، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي هل هو مفتوح
أم مغلق، والشعوب ترفض الوصاية الاجتماعية والسياسية عليه، لذا طبيعيا أن تنفلت في
أحيان كثيرة عن الضبط والتحكم فيها وفي مصائرها.
كانت تجارب المغرب متعددة في رسم الخرائط الحزبية وصناعة
الحزب الاغلبي منذ فجر الاستقلال، فكانت جبهة الدفاع عن المؤسسات (ليفديك) من
خلالها صديق الملك الراحل "رضى كديرة" وحزب التجمع الوطني للاحرار
ومؤسسه "نسيب" الملك الراحل "أحمد عصمان" وحزب الاتحاد الدستوري
ومؤسسه المعطي بوعبيد وكانت التجربة الاخيرة حزب الاصالة والمعاصرة من خلال مؤسسه
صديق الملك الحالي "فؤاد عالي الهمة".
فكل هذه الاحزاب جاءت في سياقات متعددة ومن أجل أهداف
محددة، فحزب "ليفيديك" كان بمثابة آلية لضبط التوازنات المؤسساتية
وبالتالي الانفراد بالحكم، أما التجمع الوطني فكانت الغاية منه هي تنفيذ برنامج الاستقرار
والتثبت الاقتصادي، فظهر الحزب وتم منحه الشرعية بواسطة انتخابات 1977، أما
الاتحاد الدستوري فكان فرصة من أجل إدخال مجموعة من الليبراليين من أجل إخراج
البلاد من النفق الذي أدخلته السياسات الاقتصادية والاجتماعية السابقة وذلك من
خلال برنامج التقويم الهيكلي.
أما حزب الاصالة والمعاصرة فجاء كنتيجة ضرورية لما عرفه
المغرب من أحداث منذ 16 ماي 2003.
يمكن اعتبار تجربة التناوب التوافقي بمثابة المصالحة
السياسية لما كان ينعث بالاحزاب الادارية مع أحزاب الحركة الوطنية وتمثل ذلك في
تجربة أحزاب الوفاق، ورقعت عذريتها لتبقى رقم محدد في المعادلة السياسية، أما
تجربة الاصالة والمعاصرة الراهنة فكان مؤتمرها الاستثنائي بمثابة انحناء الرأس
لعاصفة الربيع العربي، وإعادة بناء شرعيته الوجودية على مقررات مؤتمره وأوراقه
السياسية، فزكت الانتخابات التشريعية والجزئية مشروعيته لتنظاف إليه المشروعية
الانتخابية.
ليس دفاعا عن حزب الاصالة والمعاصرة، الذي سجل عليه منذ
تأسيسه أنه حزب سلطوي أراد التحكم في مسارات الاحزاب السياسية، ولكن للقول أن
تعليق السيد "بنكيران" الامين العام لحزب العدالة والتنمية لفشله في
تدبير رئاسة الحكومة، على شماعة أخطاء سنتين من تحكم حزب "البام" في
المشهد الحزبي، لم يعد مقنعا وبدون جدوى.
فالاحزاب "الادارية" لم تعد كابح للاصلاحات
كما في السابق بل أضحت جزءا من طبيعة النظام السياسي المغربي، فحزب التجمع الوطني
للاحرار بغض النظر على سلوكاته الانتخابية فهو حزب قائم الذات وكان عنصر استراتيجي
في تدبير الدولة في عهد حكومة عباس الفاسي، ونفس الشيء بالنسبة لحزب الاتحاد
الدستوري قبله، فلم يعد من يطالب بحل أو قفل أبواب هذه الاحزاب، وهو الانتقال
السريع الذي عرف حزب الاصالة والمعاصرة.
الكثير يختلف مع حزب "البام" في مقارباته
وأليات اشتغاله، ولكنهم يحترمون العديد من أعضاءه وأسماء داخله أدت الغالي من دم
أحد الاقراباء أو الاعتقال أو الحرمان من الحقوق في سبيل مغرب الكرامة ومغرب
العدالة الانتقالية ومغرب "التناوب التوافقي".
إن حزب الاصالة والمعاصرة هو "مؤسسة" قائمة
الذات، وليست مجرد أفراد أو فلان أو علان، واتهام السيد "بنكيران" للحزب
ككل بالفساد والتحكم ورمي الناس في غياهب السجون هو جريمة قذف وسب في حق ألاف من
أعضاءه.
إن مسؤولية السيد بنكيران في تدبير الشأن العام وفي
السياسات العمومية وفي القدرة على اتخاذ القرارات العمومية للصالح العام، وليس
مسؤولا على كبح أو تقليم أظافر حزب سياسي، ومساءلته سوف تتم على مؤشرات النجاعة
والفعالية وفيما حققه للمغاربة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومدنيا، وليس التصفيق
عليه لانه رد الصاع صاعين لرفاق الامس "لفؤاد عالي الهمة".
إن للمجال السياسي قواعد تحميه، وأخلاق تضبطه.
فليس دفاعا عن "البام" ولكن عن الوطن.
تعليقات