اليسار المغربي والحركات الاحتجاجية "نموذج 20 فبراير "


اليسار المغربي والحركات الاحتجاجية
نموذج 20 فبراير
عرف المغرب عدة ديناميات احتجاجية وانتفاضات منذ حصوله على استقلال، وقد ساهم اليسار المغربي بشكل مباشر أو غير مباشر فيها جميعا (1965، 1981، 1984، 1990..)، إلا أنه مع انطلاق الربيع العربي والمغاربي، عرف المغرب خلال سنة 2011 حركة اجتماعية قوية، قادها مجموعة من الشباب، تحت تسمية "حركة 20 فبراير"، مطالبة بمجموعة من الحقوق السياسية والمدنية، انحصرت في ثلاثة شعارات كبرى وهي "الديمقراطية والحرية والكرامة"، واعتبرت أن سقف الملكية البرلمانية هو المدخل الوحيد للتوفيق بين ملكية وراثية ونظام ديمقراطي يقوم على مبدأ ربط القرار العمومي بصناديق الاقتراع.
وقد ترتب عن هذه الاحتجاجات إقرار دستور جديد في فاتح يوليوز، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة حزب إسلامي.
مطالب الشباب، وجدت لها ردود فعل لدى أحزاب اليسار المغربي، تبين ذلك من خلال البيانات الصادرة عن أجهزة هذه الأحزاب أو من خلال مبادرات داعمة ومساندة لفكرة "الاحتجاج والتظاهر السلمي"، خاصة أن هذه "المطالب"اعتبرت غير جديدة وإنما هي جزء من رؤيتها وأدبياتها السياسية.
إن كانت ردود فعل احزاب اليسار إيجابية مع الحراك الاجتماعي، إلا أنها مختلفة في آليات تعاطيها مع هذا الحراك، وذلك انسجاما مع موقعها من الخريطة الحزبية المغربية من جهة، وموقعها المؤسساتي داخل مؤسسات الوساطة والتمثيلية. ما بين يسار مشارك في التدبير الحكومي وأخر خارج المؤسسات ومقاطع لها.
أولا: اليسار المغربي والاحتجاج السلمي
تجدر الإشارة هنا أن اليسار المغربي منقسم إلى دائرتين، دائرة تهم أحزاب شاركت في التدبير الحكومي، وأحزاب يسارية تتبنى خيار النضال من خارج المؤسسات.
1-             اليسار المشارك في التدبير الحكومي
نجد هنا كل من حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وحزب "التقدم والاشتراكي"، ف"الاتحاد الاشتراكي"، اعتبر في بيان صادر عن مجلسه الوطني قبل يوم واحد من خروج الاحتجاجات المغربية، بضرورة تسريع وثيرة الإصلاحات السياسية والدستورية، وأن مطالب التي رافقت "الربيع العربي"، تأتي كاستجابة للمذكرات التي سبق وأن رفعها الحزب من أجل الإصلاح الشامل للدستور، وأضاف في بيان صادر بتاريخ 27 فبراير 2011 عن مجلسه الوطني، أن ما تشهده الساحة العربية من ثورات شعبية حضارية وسلمية ضد الاستبداد والفساد واللاعدالة، هي مطالب "من أجل التغيير الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات الضامنة للحريات والحقوق." أضاف "اعتزازه بالشبيبة المغربية في تحركها يوم 20 فبراير، التي عبرت بنضج ومسؤولية عن إرادتها في النضال من أجل مغرب ديمقراطي، حر ومتقدم.إن المطالب المشروعة التي عبر عنها الشباب المغربي في 53 إقليمياً، تلتقي بشكل كامل مع المطالب التي مافتىء الاتحاد الاشتراكي يعبر عنها على امتداد مؤتمراته (الثالث في 1978 والثامن 2008) والمتعلقة بإقامة ملكية برلمانية، وبإصلاح واستقلالية القضاء، وبمحاربة الفساد والرشوة، واقتصاد الريع وبالاصلاحات الدستورية السياسية والمؤسساتية."
أما من حيث آلية التعاطي مع الاحتجاجات، كانت من خلال دينامية شبابية أطلق عليها اسم "اتحاديو 20 فبراير"، كانت تعبر عن ضمير الاتحاد الاشتراكي داخل الساحات العمومية والندوات واللقاء الفكرية، وقد احتضن ودعم مبادراته من خلال يوم وطني نظم بتاريخ 06 و07 ماي 2011.
أما حزب "التقدم والاشتراكية"، كوريث للحزب الشيوعي المغربي، فلم يكن للحزب موقف صريح من الحراك الاجتماعي، وظل موقفه متدبدبا محاولا مغازلة شباب 20 فبراير، أو محاولا تقديم توضيحات بخصوص مصير المغرب إذا ما تم هناك تحالف بين الجناح الدعوي والتربوي للحركة الاسلامية المغربية، والمتمثلة في جماعة "العدل والاحسان"، مع اليسار التقدمي، بكونه تحالفا هجينا سيؤدي للمجهول.
إلا أن الواضح في علاقة حزب التقدم والاشتراكية بالحراك الاجتماعي، هو انقسامه بين تيار مؤيد للحراك وأخر غير مؤيد، حيث اعتبر يوسف بلال عضو الديوان السياسي للحزب في إحدى محاضراته أن "أن الحزب قرر العمل من داخل المؤسسات، واعتبر أن مسألة التعاطي مع مطالب تغيير طبيعة ممارسة الحكم داخل الملكية نفسها، هي نفس مطالب الحزب، فقط هناك اختلاف داخل الحزب بين مؤيد وغير مؤيد ل20 فبراير داخل الحزب".
وقد برر الأمين العام للحزب بعدم الاستجابة لنداء الخروج للاحتجاج، بكون" الحزب يتقاسم في العمق مطالب الشباب، أما مسألة الخروج للشارع بشكل رسمي، كان صعبا بحكم قيود الانتماء للحكومة"، وأكد "بوجد التزام يصعب تحقيق الاحتجاج من جهة والتواجد في حكومة". وأضاف "أن وثائق الحزب وخاصة المعدة في مؤتمره الوطني الثامن تتطابق ومطالب حركة 20 فبراير، في مجال الاصلاح السياسي والحكامة ومحاربة الفساد".
2-             اليسار غير المشارك في الحكومة.
كان لأحزاب اليسار غير المشارك في الحكومة تراكم في مجال التنسيق والاشتغال بشكل جماعي، تبين ذلك من خلال تقديم لوائح انتخابية مشتركة سنة 2007 ، ومن خلال معركة ضدا على القوانين التنظيمية لانتخاب أعضاء مجلس النواب من نفس السنة.
هذا التنسيق المشترك، من خلال تجمع اليسار الديمقراطي، كان عاملا مسهلا لتأسيس مجلس وطني لدعم حركة 20 فبراير، يضم مجموعة من الإطارات النقابية والحقوقية والمدنية وأحزاب الصف اليساري، من قبيل حزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي، وحزب النهج الديمقراطي، المؤتمر الاتحادي.
كان انخراط هذه الاحزاب بشكل كلي وفتحت مقراتها لاجتماعات شباب 20 فبراير، وكانت ملتزم بالنزول للشارع كلما دعا إلى ذلك تنسيق محلي أو تنسيق وطني.
فالحزب الاشتراكي الموحد عقد مجلسا وطنيا أطلق عليه اسم "دورة دعم 20 فبراير"، أسبوعا بعد خروج الاحتجاجات على المستوى الوطني، أعلن فيه عن الالتزام الصادق بمساندة حركة 20 فبراير والانخراط فيها والدفاع عن مطالبها الأساسية في التغيير الديمقراطي ورفع الظلم"، ودعا مناضليه الى إلى وضع كافة الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية رهن إشارة الحركة التاريخية، التي تدشن صيرورة تحقيق انتقال سلمي للبلاد" وأكد أن "   أن حركة 20 فبراير أدخلت المغرب بقوة إلى القرن الواحد والعشرين في سياق الثورة الشعبية التي تهز أركان الاستبداد."
نفس المواقف نجدها لدى باقي الأحزاب اليسارية غير المشاركة في تدبير الشأن الحكومي، بشكل عام، فحزب "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" عقد مجلسه الوطني تحت شعار "كل الدعم لحركة 20 فبراير"، في شهر مارس 2011، سجل فيه بالتشييد بالشباب المغربي في مقدمته حركة 20 فبراير الذين كسروا حاجز الخوف وانتزعوا زمام المبادرة من حاكم الاستبداد وأحدثوا بحزم وشجاعة تغيير حاسما في ميزان القوى لصالح الشعوب التواقة للتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية."
أما حزب "النهج الديمقراطي" فقد سجل من خلال كتابته الوطنية أن " اعتزازها بنضالية وكفاحية شباب حركة 20 فبراير، وهنأ الشعب المغربي وكل قواه الحية على نجاح مسيراته ووقفاته السلمية التي شملت جميع مناطق البلاد.فقد تميزت مختلف التظاهرات بالحضور الوازن لكل القوى الحية وبروح وحدوية منضبطة يحكمها التعبير الصريح والقوي على ارادة  مواصلة النضال من اجل تحقيق مطالب حركة 20 فبراير والتعبير الواضح على رفض أجوبة المخزن  المقدمة يوم 9 مارس والتي ليست سوى محاولة مفضوحة للالتفاف والمزيد من إضاعة وإهدار الوقت والتهرب من واجب الانصياع الفوري للمطالب المعبر عنها مند 20 فبراير."
خلال هذه الدينامية الاجتماعية التي أطلق شرارتها شباب المغرب، كان للخطاب الملكي ل 9 مارس، بداية فتح المشاوارات بخصوص وضع وثيقة دستورية جديدةـ من خلال تأسيس آليتين: آلية مكلفة بالمراجعة الدستورية، وأخرى آلية سياسية مكلفة بالمتابعة.
ثانيا: اليسار المغربي ودستور الاحتجاج.
كان لموقف اليسار المغربي من النقاش حول الدستور الجديد، نفس التقسيم السابق، إذا كانت أحزاب اليسار المشارك في تدبير الحكومة انسجاما مع مواقفها الأولي، فقد ظهر نوع التذبذب بخصوص اليسار غير المشارك.
1-            اليسار واشكالية صياغة الدستور
شارك كل من اليسار المشارك في التدبير الحكومي، في تقديم مقترحاته للآلية التقنية المكلفة بمراجعة الدستور، كما كان دائم الحضور فيما يتعلق بألية المتابعة. أما فيما يتعلق بكل أحزاب اليسار غير المشارك في التدبير الحكومي، فقد تبين هناك ارتباك كبير، رغم تقديم تصوره بخصوص مقتضيات الدستور الجديد بشكل موحد من خلال "تحالف اليسار الديمقراطي"، فإن حزب الاشتراكي الموحد قاطع الآليتين معا، في مقابل شارك كل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وقدما مقترحاتهما لكل من لجنة مراجعة الدستور وشاركا في الإلية السياسية للمتابعة، ما عدا حزب النهج الديمقراطي الذي يتبنى خيار المقاطعة الإستراتيجية لكل مؤسسات الدولة فقد كان منسجما مع قراراته وقاطع جميع مسار مسلسل صياغة وإعداد الدستور الجديد والاستفتاء.
2-            اليسار واشكالية التصويت على الدستور:
اعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن التصويت على الدستور الحالي، هو تصويت على لبنة أولى في أفق بناء الملكية البرلمانية، ودعا جميع مناضليه للتصويت بنعم على الدستور، الذي يشكل قطيعة مع الدستور السابق، كذلك دعا حزب التقدم والاشتراكية للتويصت ب"نعم" تحت شعار "نعم لدستور الدولة الديمقراطية الحديثة".
في مقابل ذلك اختارت الأحزاب اليسارية غير المشاركة في تدبير الحكومة، منطق المقاطعة على أساس أن الدستور لم يستجب لمطلب الملكية البرلمانية "هنا والآن"، فتحالف اليسار الديمقراطي اعتبر أن " اللحظة السياسية التي يمر منها المغرب دقيقة وصعبة،و استمرار الدولة في تعاطيها مع استحقاق الاستفتاء على مشروع الدستور بالمنطق السياسي التقليداني المحافظ، لا يعكس ديمقراطية حقيقية".
أما فالاشتراكي الموحد فقد سجل أن الدستور لم يؤسس لديمقراطية حقيقية، وأن السلطات لازالت جميعها بيد الملك، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وصف الدستور الجديد بالمخزني والممنوح والمؤامرة التي تحاك ضد الشعب المغربي" . ودعا إلى  "التعبئة النشيطة والفعالة من اجل اسقاط مشروع الدستور"، أضاف أن "مشروع الدستور لا يستجيب لمطالب القوى الديمقراطية و لحركة 20 فبراير." نفس الموقف نجده لدى حزب المؤتمر الوطني الاتحادي فقد سجل أن "الدستور لا يستجيب لمطلب نظام الملكية البرلمانية، كنظام سياسي يعكس روح العصر و متطلباته".
إن من نتائج الموقف من الاستفتاء على دستور فاتح يوليوز، الأثر على الموقف من المشاركة في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، حيث شاركت أحزب المشاركة في التدبير الحكومي في الانتخابات أصفر عنها خروج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الحكومة والالتحاق بالمعارضة البرلمانية، واستمرار حزب التقدم والاشتراكية في المشاركة في حكومة جديدة تحت قيادة حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، والذي تصدر نتائج الانتخابات، أما أحزاب اليسار المقاطع للدستور الجديد، فقد قاطعت أيضا الانتخابات التشريعية لانتخاب أعضاء مجلس النواب، باستثناء حزب المؤتمر الوطني الاتحادي الذي شارك في استحقاقات 25 نونبر دون أن يحصل على أي مقعد برلماني.
خلاصات:
من خلال تتبع مسار أحزاب اليسار المغربي في تعاطيه مع ظاهرة الاحتجاج، وحركة 20 فبراير كنموذج، يسمح بالخلاصات التالية:
Ø  غياب الرؤية والوضوح الفكري لدى أحزاب اليسار المغربي، مما يسمح بالقول أنه ليس هناك يسار في المغرب وإنما "يسارات" مغربية، غير منسجمة وغير متقاطعة، وكل حديث عن التنسيق أو الاندماج أو الوحدة هي مجرد شعارات، يعلو عليها واقع معقد بتداخل عناصر متعددة ومركبة؛
Ø    أحزاب اليسار المغربي، قد تكون استجابة لأطروحة موت الإيديولوجية، وعوضتها بهيمنة السياسي والظرفي؛
Ø  أحزاب اليسار المغربي، يستجيب لها التعريف الوظيفي، وليس البنيوي، فوظيفتها داخل المشهد السياسي، يعمق لنوع من التوازن السياسي بين أحزب تنتمي للحركات الاسلامية بشقيها المشاركة في المؤسسات وأخرى تحتج في "الشارع"، ويسار متواجد في المؤسسات وأخر يحتج في الشارع، أما التعريف البنيوي القائم على المد الجماهري لمثل هذه التنظيمات فهو غائب؛
Ø  أن اليسار غير المشارك في التدبير الحكومي، لم يستطع أن يترك مسافة بينه وبين الحركات الاحتجاجية، بل ذاب فيها وتحول من حزب "كقوة سياسية" تسعى وتتطلع للوصل للسلطة، إلى ديناميات احتجاجية ونقابية؛
Ø  المسافة مع الدستور، تعتبر المقاس لطهرانية الحزب اليساري المغربي، فكل معارض للدستور بشكل جذري يعتبر أكثر يسارا من يدعو للإصلاح الجزئي أو الإقرار بالدستور.
Ø  ليس هناك يسار على المجتمع بل هناك يسار على الدولة، كل من يقترب من السلطة ويساهم من داخل المؤسسات، يصنف ضمن خانة الأحزاب "المخزنبية" وكل من يبتعد من نار السلطة، فجموده وبرودته تعتبر بمثابة مؤشر على مصداقيته؛
Ø  أضاع اليسار المغربي بشقيه المشارك أو المقاطع فرصة تاريخية، لاعتبار أن الديناميات الاجتماعية آلية ووسيلة من أجل نزع العديد من المكتسبات وورقة ضاغطة للتفاوض، فجعل من الاحتجاج غاية في حد ذاته؛
Ø  انتقل اليسار المغربي، من موقع المبادرة إلى موقع رد الفعل، فكان يقدم مذكرات للمطالبة بالمراجعة الدستورية، ويقدم مبادراته لإصلاح الحقل السياسي، ولكن بعد خطاب 9 مارس، أصبح في موقع رد الفعل وموقف الضعف، أربكه كثيرا، حيث لم يقدم تصورا منسجما وواضحا بخصوص مطالب حركة 20 فبراير؛
Ø  أوضحت دينامية 20 فبراير، عن العجز المهول في آليات استقبال الشباب وتأطيرهم، حيث الخطاب اليساري كان أقوى من وجود ميكانزيمات التوجيه والتعبئة، فهو خطاب جماهيري بدون جماهير؛

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين