في حظيرة القضاء الدستوري
هذه المقالة جوابا على قرار المجلس الدستوري بدستورية اللائحة الوطنية للشباب و النساء وعلى امكانية توكيل المغاربة بالخارج للتويصت،
في حظيرة القضاء الدستوري
أصدر المجلس الدستوري قرارا تحت رقم 817.2011، بتاريخ 13 أكتوبر 2011 بخصوص القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، حاول جاهدا من خلاله أن يؤسس لاجتهاد جديد ما عهدناه لا في التجارب الدولية المقارنة ولا في السوابق المغربية المليئة بالتناقضات والاختلالات، حتى بات القضاء الدستوري المغربي عصي على الفهم والتفسير بكل وسائل البحث العلمية، وجميع أدوات العلوم السياسية والفقه الدستوري تفشل في فهم الحيثيات التي يبني عليها القاضي الدستوري اجتهاداته، رغم الظرفية التي صدر فيها القرار والتي تعزى بحراك اجتماعي ووثيرة سياسية متسارعة، حيث قد تكون هذه الظرفية هي السبب المباشر لاستصدار قرار مثل هذا، إذ يمكن أن تتولد قناعة من خلال تقاطعات السياقات التي كان يتواجد بها المجلس أنه خضع أو بحد أقل، لرغبة جهة سياسية أكثر من كونه كان مستقلا ومحايدا وموضعيا.
وشخصيا، ارتأيت أن أكتب هذا المقال بعد أن صادفت حكم قضائي، صادر بتاريخ 03 أكتوبر 2011، بالمحكمة الابتدائية بأزرو في ملف جنحي عدد: 11-380 جت ف، موضوعه متعلق بالعنف ضد المرأة، حيث اعتمد القاضي المعني حكمه لصالح المرأة من خلال اعتماد لحيثيات من أهمها وأساسها تقول: " وتطبيقا للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، ومعلوم أن هذه الاتفاقيات قد صادق عليها المغرب، وهو ملزم بتنفيذ بنودها.
وقد جاء هذا الحكم بعد إقرار الدستور الجديد لسنة 2011، والذي ينص تصديره على:
§ إرساء دعائم مجتمع متضامن، ، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية؛
§ فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.
§ منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ; مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛
§ جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
ويختم التصدير بكون أن هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور.
وهي مقتضيات تفيد أن جميع الالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب إلى حدود الآن والمنشورة في الجريدة الرسمية ملزمة على المغرب وتسمو على التشريعات الوطنية.
فقد صدق القاضي بأزرو بقرار ويكون أول منزل بشكل سليم وناجع للدستور.
أما بخصوص القضاء الدستوري المغربي، وبالعودة لقرار المتعلق بالقانون التنظيمي لمجلس النواب، فإنه يشكل سابقة خطيرة ممكن أن تضرب بعرض الحائط كل ما جاء في التصدير، حيث من خلال اجتهاده بخصوص اللائحة الوطنية للنساء والشباب وبخصوص توكيل التوقيع للجالية المقيمة بالخارج في التصويت،إذ حاول أن يقول كل شيء وأن لا يقول أي شيء، فمن خلال مسح شامل فقد التقط من الدستور فقط ما يفيد التدابير الداخلية للوحدات الترابية ،من قبيل، أن التعددية والمشاركة من مرتكزات الدولة الحديثة التي يسعى إلى توطيد وتقوية مؤسساتها، ودون الإحالة إلى أي مقتضى دستوري يعطي للمرجعية الدولية وللمواثيق الدولية مكانتها، والتي سوف تعفيه فيما بعد ونهائيا التنقيب في السوسيولوجيا وفي السياسات العمومية وفي التبريرات الواهية لتأكيد مقترح وزارة الداخلية في مشروع القانون المتعلق باللائحة الوطنية للنساء، فكان يكفيه أن يحيل على المادة الثالثة من اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تجيز للدولة أن تتخذ إجراءات بما فيها تشريعية لتمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، أو الأحكام التي تتعلق بكون اتخاذ الدولة لأشكال تميزية لصالح المرأة بشكل مؤقتة من أجل تمكينها من ولوج مقاعد اتخاذ القرار لا يعتبر تمييزا سلبيا، أو من خلال اجتهادات التجارب الدولية التي يتحدث عن التمييز الايجابي، وبهذا يكون المجلس الدستوري قد حقق سابقة جديدة متعلقة بالقطع مع القراءات التقليدية والسطح للقانون والمتعلقة ب هل النص مطابق أو مخالف للدستور، بل يفتح لنفسه ملكة الإبداع والمساهمة في تطوير المجتمع وليس فقط خدمة للدولة.
بل الإشكال الذي وقع فيه المجلس هو الإحالة على مواد كلها ملغومة والنقاش فيها لم ينضج بعد من قبل الفصل 19 الذي يتحدث عن "تسعى الدولة" عوض "تعمل الدولة"، أو الإحالة التي يمكن أن نستشف من خلال بتناطح المرجعية الدولية مع الهوية الإسلامية، بدل الاقتصار على الديباج فقط ليعطيها أولا مكانتها التي سوف تعطى لها لأول مرة في تاريخ الدستوري المغربي من جهة ومن جهة ثانية هي خالية من أي لغو أو كثرة التأويلات والتأويلات المضادة.
هذا بشكل عام، أما بخصوص الحيثيات الثانوية التي بنا عليها القضاء الدستوري حكم فسوف نتناولها كل على حدا وبتدقيق، حيث لم نستوعب المقاربة التي حاول جاهدا أن يؤسسها القاضي الدستوري هل هي تدخل ضمن بحث سوسيولوجي، أم تدخل ضمن قراءة قانونية، أم تدخل ضمن علم المستقبليات، أم دراسة ميدانية، أم شيء أخر يعلمها هو لوحده، واجتهاده هذا لما له من تدبير لموازين القوى، ولما له من تأثير على الفاعلين السياسيين والحركات المدنية النسائية منها والشبابية وغيرها، فلا يتعامل معه بالقاعدة الفقهية من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولمن يصب فله أجر اجتهاده، بل من اجتهد ولم يصب في السياسة فمآله مزبلة التاريخ.
1. يقول القاضي الدستوري، بكون للمشرع الحق في اتخاذ تدابير قانونية لمشاركة الفئات الاجتماعية التي يتعذر عليها المشاركة، والسيد القاضي يتحدث عن المشرع كأنه ملاك نزل من السماء أو قرأن منزه، حيث أعطى له الحق الكامل للتقدير في مصير المجتمع، في حين أن المشرع ما هو إلا فاعل سياسي، وهو نتيجة صراع وموازين قوى سياسية واجتماعية داخل المجتمع، يقوم بتصريف ذلك الصراع من خلال قوانين، وعلى أساسه فهو محاط بطيف من المنظمات والهيئات والحركات المدنية التي تطالب بموقعها داخل الترسانة القانونية، ويجب أن يكون هناك مساهمة للمجتمع المدني من خلال المشورة والحوار لإنتاج قوانين ترقى لأعلى مستوى من التطلعات حتى لا نقل إلى كل التطلعات، وهو ما عبرت عنه الحركة النسائية لرفضها لذلك القانون الذي لا يسمح لها بالمناصفة والذي عبرت عنه الحركة الشبابية برفضها رفع السن إلى الأربعين، فهل يحق للقاضي الدستوري أن يتعامل بشكل أحادي مع صاحب مشروع القانون أم يجب أن يراعي جميع مكونات المجتمع؟
2. ويقول السيد القاضي الدستوري، أنه ليس من صلاحيات المجلس الدستوري التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع، بل له كامل الصلاحية إذا كانت تلك السلطة التقديرية تنم عن شطط أو تعسف أو انحراف في استعمال سلطته التقديرية، وحتى إذا سلمنا بكون المجلس الدستوري يريد أن يتنزه عن الصراع والجدل في التقديرات فكيف يعطي لنفسه الحق في تبرير وشرعنة، تلك السلطة التقديرية، "الذيب حرام ودمو حلال"، تعقيب على المشرع حرام وتبرير حيثياته حلال.
3. يقول السيد القاضي الدستوري، أن إحداث دائرة انتخابية وطنية مكملة وترمي إلى تمثلية متوازنة للمواطنين والمواطنات، وهكذا يتحدث بصيغة الجمع عن المواطنين، وبالتالي فعليه في حد أدنى أن يبحث عن جميع فئات المجتمع الذين يحق لهم التمثلية من ناحية التزامات الدولة، وبالتالي إذا كان التزام التمثيلية النسائية طبيعية لكون المغرب صادق على اتفاقية "سيداو" فإن الأشخاص في وضعية إعاقة أولى في تمثيليتهم من الشباب لمصادقة المغرب على اتفاقية الأشخاص ذوي إعاقة والتي تنص مادته السادسة على اتخاذ تدابير تشريعية لتمكين المعاقين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، أما الشباب فشيء ثانوي لان تمثيليتهم تعود بالأساس لبعض الاستراتجيات والخطط الدولية من قبيل إستراتيجية داكار أو خطة براغ أو غيرهما، وفي حالة ما أراد المشرع السخاء على المواطنين والموطنات جميعا فعليه أن يصنف جميع فئات المجتمع من الجالية المقيمة بالخارج وصولا إلى المتقاعدين وغيرهم...
4. يقول السيد القاضي الدستوري، أنه من بين أسباب دستورية اللائحة الوطنية أن العتبة هي 3% على المستوى الوطني خلافا 6% على المستوى المحلي، وأين العيب إذا كانت نسبة اللائحة المحلية 3% على المستوى الوطني، أو إذا كانت عتبة اللائحة الوطنية هي 6% ، أو إذا كانت عتبة اللائحة الوطنية أكبر بكثير من العتبة على المستوى المحلي؟
5. يقول السيد القاضي الدستوري، أن اللائحة الوطنية واحدة مقسمة إلى جزأين بكيفية لا يؤثر جزء على أخر، يا سلام !!!! كيف لا يؤثر جزء على أخر، مع العلم أن الأصوات تحتسب للجميع، فمثلا شخص يريد أن يصوت على شاب ولا يريد التصويت على امرأة، أو العكس، أو مواطن يريد أن يصوت امرأة من حزب وشاب من حزب أخر، ألا تؤثر هذه العملية على جزء على أخر، قد يقال بأن اللائحة الوطنية تعاقد مع حزب سياسي، ليكون الرد أننا لم نصل بعد أن يكون لنا تعاقد مع حزب مادمت اللائحة الوطنية منفصلة عن اللائحة لمحلية، فكيف أتعاقد مع حزب على المستوى الوطني و أتعاقد مع أخر على المستوى المحلي؟ فكان الأجدر أن تحتسب الأصوات على المستوى المحلي وتوزع المقاعد الوطنية على أساس مجموع الأصوات المحلية، ما وقع هو مثل الغراب الذي أراد أن يقلد الحمامة، فما نحن أمام لائحة وطنية واحدة ولا أمام لائحتين وطنيتين.
6. يقول السيد القاضي الدستوري، أن عضوية النساء ما كانت لتكون لو لا التوافق، وأعتبر شخصيا أن أخطر ما جاء في القرار هو هذه المقولة التي تشرعن وتعطي مصداقية على عملية التوافق، مع العلم كم من التوافقات التي كانت ضد الدستور وغير دستورية، ومنها من أثار جدلا واسعا في القضاء الإداري، ونضرب فقط مثال حول قانون الأحزاب السابق الذي توافقت عليه الأحزاب السياسية بعدم تمريره للمجلس الدستوري لأنه يضم مجموعة من المواد المخالفة للدستور، فهل يحق الآن للمجلس الدستوري أن يسند قرارا انطلاقا من توافق بدعوى أنه يحقق المصلحة العامة؟ هل يحق لفاعل سياسي يسمح له القانون أن يتقدم للمجلس الدستوري بالطعن في قانون أو نزاع انتخابي أو في الاستفتاء أو تنازل الاختصاص بين الحكومة والبرلمان بدعوى وجود توافق؟؟؟؟؟؟؟؟
7. يقول السيد القاضي الدستوري، أن النواب الذين لا تجاوز عمرهم أربعون سنة منذ 1997 و2002 و2007 لم يكن بالتمثيلية التي تطابق الهرم السكاني للمجتمع، حيث تحول المجلس الدستوري إلى المندوبية السامية للإحصاء، وتقديم أرقام عن الكثافة السكانية، وبالتالي من المنطقي أن نتساءل لم يأخذ بعين الاعتبار سن 39 سنة أو 35 سنة أو 30 سنة ولماذا بالضبط 40 سنة، هل فقط لأنه هو اقتراح الفاعل السياسي، فكان عليه الانصياع، مع العلم أن جميع المنظمات والمؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية لا يتجاوز سن الشباب الثلاثون.
8. يقول السيد القاضي الدستوري، أن تخصيص الذكور من الشباب يزيد من تمثيليتهم في المؤسسات، وهنا عجب العجاب تمييز داخل تمييز، أول تمييز من حيث العمر، وتمييز ثاني لصالح الذكور وحرمنا النساء، وكأن النساء بعد سن 18 سنة يقفزن مباشرة إلى 41 ولا يوجد في المغرب شابات والشباب فضاء محفظ فقط للذكور، وهو الشيء الذي تحرمه وتجرمه جميع المواثيق والعهود الدولية، مما يوحي بأن كاتب القانون غير منفصل عن العقلية الأبوية (الباتريكية) وتبع فيها القاضي الدستوري.
9. يقول السيد القاضي الدستوري، أن تخصيص لائحة للنساء وللشباب الذكور يعزز حظوظ النساء في البرلمان، مما يطرح تساءل عن كون أيهما يحقق الحظوظ الأكثر، هل نساء مع الشباب الذكور أم النساء مع الشباب ذكورا وإناثا، حيث إذا كانت النساء قد ضمن 60 مقعد ممكن أن يفزن ما بين 1 إلى 30 مقعد أخر مع الشباب، وبالتالي نتوقع أن تكون حظوظ النساء من 60 إلى 90 مقعد في البرلمان.
10. ونختم مع ما قال السيد القاضي الدستوري، بخصوص وكالة التصويت للمغاربة المقيمين بالخارج، بإمكانية التصويت بالوكالة استنادا إلى الفصل 30 والفصل 17 في حين أن النصين معا يقولا بكون التصويت حق شخصي بمعنى أنه فردي وسري ولا يمكن أن تفويته لأنه مرتبط بالشخص كما أن الدستور ينص صراحة على وضع قوانين تمكنهم من التصويت من بلدان إقامتهم وليس من داخل المغرب، وهو يخالف أحاكما واضحة وصريحة كما يخالف أحكام الدستور في الفصل 11 الذي يؤكد أن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهمـ فكيف يسمح القضاء الدستوري بالتمييز بين مغاربة الداخل ومغاربة الخارج.
عموما نتأسف على هذا القرار ولكن نحن جد سعداء أن هذه المؤسسة سوف تزول عما قريب لتحل محلها المحكمة الدستورية، والتي نتمنى أن لا تكون فقط جديدة في تسميتها بل جديد حتى في مناهج عمل القاضي الدستوري، وتساهم في التفعيل والتنزيل السليم والناجح للدستور الذي خرجت حركة 20 فبراير تطالب بأرقى من هذا، والذي صوت المواطنون على الخيار الديمقراطي الجديد.
ونحي عاليا قاضي أزرو
ونقول:
يا قضاة المغرب اتحدوا على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية تفلحون.
تعليقات